مقترح خفض العطلات الرسمية يفجر غضباً شعبياً في فرنسا

في محاولة لزيادة إيرادات الدولة، طرح رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، مؤخراً، فكرة إلغاء يومين من جدول يضم 11 يوم عطلة رسمية في فرنسا.

لكن ما إن تم طرح الاقتراح، حتى تفجّرت موجة من الغضب الشعبي، إذ وصف زعيم أقصى اليمين، جوردان بارديلّا، الخطة بأنها «اعتداء على تراثنا التاريخي»، بينما اعتبر زعيم أقصى اليسار، جان-لوك ميلانشون، أنها تجسّد «حجم العنف الاجتماعي» الكامن في مشروع الميزانية.

لم يكن بايرو أول سياسي فرنسي يفكر في التخلي عن بعض العطلات الرسمية لتعزيز الإنتاجية وزيادة الإيرادات الضريبية. ففي عام 2004، حوّلت باريس يوم عطلة إلى «يوم تضامن»، أو يوم عمل تُخصص عائداته لرعاية كبار السن (وبات بإمكان أصحاب العمل لاحقاً، اختيار تاريخ آخر، ليكون يوم عمل إضافي غير مدفوع الأجر).

وفي الدنمارك، أقدمت الحكومة في عام 2023، على إلغاء عطلة «يوم الصلاة العظيم»، التي تُصادف فصل الربيع، بهدف تمويل زيادة الإنفاق العسكري، وهو ما أثار احتجاجات شعبية، رغم بقاء القرار سارياً حتى اليوم.

وقد قدّم بايرو مقترح تقليص العطل الوطنية، ضمن إطار خطاب أوسع، يرى فيه أن الضغوط الواقعة على النموذج الاجتماعي الفرنسي، والحاجة لخفض الديون، تحتم على فرنسا رفع إنتاجيتها، لجعل تمويل الإنفاق العام أكثر استدامة. وقال: «على الأمة كلها أن تعمل أكثر لتنتج أكثر»، مشيراً إلى أن عطلات شهر مايو الأربع، تجعل من الشهر كتلة مثقوبة، مثل «جبنة غرويير» الشهيرة.

بيد أن تحويل العطلات الرسمية إلى أيام عمل، يُعد نهجاً غير سليم، فإجازات الموظفين المدفوعة لا تقتصر فقط على العطل الرسمية، بل تشمل أيضاً الحد الأدنى القانوني للإجازات السنوية، والذي يبلغ 20 يوم عمل على الأقل، بحسب ما وضعته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير عام 2020. وبإضافة العطل الرسمية، بلغ متوسط عدد أيام الإجازة السنوية الممنوحة للموظفين في الدول، بين 30 و35 يوماً.

وفي فرنسا، يصل هذا الرقم إلى 36 يوماً، ما يضعها على قدم المساواة مع عدة دول أوروبية أخرى. أما في المملكة المتحدة، فتبلغ الإجازات القانونية 28 يوماً، ويُسمح لأصحاب العمل باحتساب العطل الرسمية الثمانية ضمن هذا العدد، أو إضافتها إليه.

وفي اليابان، يعوّض الحد الأدنى المنخفض للإجازات القانونية (10 أيام فقط) بكثرة العطل الرسمية، التي تصل إلى نحو 19 يوماً سنوياً. أما الولايات المتحدة، فهي الدولة الوحيدة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي لا تفرض قانون حد أدنى للإجازات السنوية، رغم أنها تعترف بـ 11 عطلة فدرالية في السنة، لكنها لا تلزم أصحاب الأعمال بتطبيقها، ويمكن للولايات أن تضيف ما تشاء منها.

من الناحية الاقتصادية، فإن للعطل الرسمية تأثيراً مزدوجاً. فهي قد تُلحق ضرراً بالإنتاج في قطاعات مثل الصناعة والبناء، وتؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، لكنها في المقابل، تحفّز الإنفاق في مجالات التجزئة والترفيه والسياحة.

وبالتالي، فإن الأثر الصافي للعطل، يعتمد على تركيبة الاقتصاد في كل دولة، والعوامل الاجتماعية، وحتى توقيت وقوع العطلة نفسها خلال الأسبوع أو السنة.

ورغم أن بايرو توقّع أن يوفّر إلغاء عطلتين مبلغاً قدره 4.2 مليارات يورو (ما يمثل نحو عُشر خطته لتوفير 43.8 مليار يورو)، إلا أن اقتصاديين فرنسيين أشاروا إلى تقديرات سابقة صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، أفادت بأن كل يوم عطلة إضافي يتم العمل فيه، لا يرفع الناتج المحلي الإجمالي إلا بنسبة تتراوح بين 0.06 و0.08 %.

ويمكن أن يكون تقليص عدد العطل الرسمية وسيلة لتمويل بنود إنفاق معينة، أو لإيصال رسالة سياسية مفادها أن الإنفاق العام لا بد أن يُموّل من مصادر واقعية. لكن ثمة وسائل أفضل لتعزيز الإنتاجية.

فعلى الرغم من أن أحد الوزراء الفرنسيين، أصرّ على أن العاملين في فرنسا بحاجة إلى زيادة ساعات عملهم، لمجاراة نظرائهم الألمان، الأعلى إنتاجية، إلا أن الواقع يُظهر صورة مختلفة.

فبحسب المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي «يوروستات»، يعمل الموظفون الفرنسيون عدد ساعات أسبوعية أطول (35.8 ساعة)، مقارنة بنظرائهم الألمان (33.9 ساعة).

إلا أن معدل التوظيف في فرنسا أقل، ما يعني أن عدد العاملين الفعليين أقل. ومن ثم، فإن التحدي الحقيقي الذي تواجهه باريس، كما هي الحال في العديد من الدول الأخرى، بما فيها المملكة المتحدة، يتمثل في رفع عدد الداخلين إلى سوق العمل، وزيادة إنتاجيتهم بعد انخراطهم فيه.

ويتطلب ذلك تقليص معدلات البطالة والغياب المرضي، وزيادة مشاركة النساء وكبار السن في سوق العمل، وتحسين منظومة التعليم والتدريب، لتلائم احتياجات الاقتصاد من المهارات.

كل هذه الإجراءات أصعب بكثير، لكنها أقل إثارة للجدل سياسياً، من إجبار الناس على العمل في أيام العطلة الرسمية.