الولايات المتحدة تعطي الضوء الأخضر لفساد الشركات بالخارج

آلان بيتي

من اللافت للنظر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتاج إلى ثلاثة أسابيع، ليتحرك نحو تجميد إنفاذ قانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج، نظراً لأن القانون مصمم لوضع حد لأوجه الفساد، ويتضمن كلمة «أجنبي»، وهما أمران ليسا بالضبط ضمن أولوياته الرئيسة.

ومنطق ترامب في هذا يشبه إلى حد ما منطقه في التعريفات الجمركية، التي أعلن موجتين جديدتين منها مؤخراً على الصلب والألومنيوم، إضافة إلى فرض ضرائب متبادلة على الشركاء التجاريين.

وهو يعتبر أن قانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج، الذي يحظر رشوة مسؤولين أجانب، يضع الشركات الأمريكية في وضع غير تنافسي مقارنة بنظيراتها الأجنبية، ويضع مثل هذا القانون قيداً على المسؤولين، الذين يتخذون قرارات بالحد الأدنى من الرقابة، ما يجعل تجميد القانون مثيراً للريبة، لكن هذا المنطق يتجاهل حقيقة، مفادها أن مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج قد يساعد على تحقيق المنافسة العادلة، بدلاً من إعاقتها.

وذلك من خلال توسيع نطاق القانون الأمريكي للخارج، وليس تطبيقه فقط على الشركات الأمريكية، وإنما على أي شركة، وإن كانت تربطها صلة ضعيفة بالولايات المتحدة، فقانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج كان غالباً أقرب ما يكون إلى نظام قانوني دولي صارم قابل للتنفيذ في كثير من الأحيان لمكافحة الرشوة.

ويعود تاريخ قانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج إلى عام 1977، واتسع نطاقه بصورة كبيرة عام 1998، من خلال توسيع الولاية القضائية للولايات المتحدة على الشركات الأمريكية في الخارج، عبر وزارة العدل وهيئة الأوراق المالية.

وبذلك أصبح يحاكي امتداد قانون الضرائب الأمريكي فيما وراء الحدود الإقليمية، ومكافحة الفساد على مستوى العالم تقليد أمريكي قدمته قصة «المنبوذون»، لمؤلفها إليوت نيس.

ومن السهل أن ننسى حالياً أن الرشاوى لم تكن مقبولة فحسب في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بل كانت مدعومة. وأجاز القانون الألماني خصم الرشاوى الأجنبية من الضرائب حتى عام 1999.

وسلطت فضيحة الرشاوى المعروفة باسم «سيمنزغيت» عام 2000 الضوء على تفشي الفساد في الشركات، وكان قانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج أحد المظاهر المعدودة لتقييد الفساد، حتى قبل تأسيس حملة «الشفافية الدولية» لمكافحة الفساد عام 1993، واتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة عام 1999.

وقد اتسع نطاق قانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج بشموله المواطنين الأمريكيين العاملين في الخارج، سواء لدى شركة أمريكية أم لا، وكذلك الشركات الأجنبية سواء إن كانت تستخدم البنوك الأمريكية أو تصدر أوراقاً مالية في أمريكا.

وفي عام 2019 دفعت شركة الاتصالات السويدية «إريكسون» أكثر من مليار دولار لتسوية دعوى قضائية بموجب قانون مكافحة الممارسات الفاسدة في الخارج لأنشطتها في جيبوتي والصين وفيتنام وإندونيسيا.

وفي العام نفسه دفعت شركة الاتصالات الروسية موبايل تيليسيستمز Mobile Telesystems عقوبات قدرها 850 مليون دولار، بسبب مخطط رشوة في أوزبكستان.

ولا تؤدي هذه الإجراءات إلى أن يفكر المسؤولون التنفيذيون ملياً قبل عرض الرشى فحسب، بل تمنحهم سبباً وجيهاً وقوياً لرفض طلبات تقديم الرشى، وتساعد على تحقيق تكافؤ الفرص للشركات على الصعيد العالمي.

لذا فإن الشركات التي تتنافس فيما بينها في تقديم الرشاوى بدلاً من التنافس في السوق لا يصب في صالح المسؤولين التنفيذيين النزيهين ولا حتى المستهلكين، وبذلك سيسفر إلغاء ترامب للقانون عن أن يصبح العالم أكثر فساداً دون أن يؤدي بالضرورة إلى تسهيل الأمور على الشركات الأمريكية داخل البلاد أو خارجها.