مينوش شفيق
في ظل إدارة ترامب تتراجع الولايات المتحدة عن دورها القيادي العالمي، الذي لعبته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويقول آخرون إننا نتجه نحو تقسيم إقليمي – عالم ثلاثي، حيث تمتلك الولايات المتحدة وروسيا والصين مجالات نفوذ في نسخة معاصرة من عصبة الأباطرة الثلاثة (ذلك التحالف بين الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية الروسية والإمبراطورية النمساوية المجرية في أواخر القرن التاسع عشر).
وقد تتشكل نسخة ما من نظام جديد متعدد الأقطاب، ولكن يبدو واضحاً أيضاً أن عالماً يفتقر إلى قوة عالمية واحدة بدأ يملأ الفراغ في بعض المجالات، حيث تتحد الدول لإيجاد حلول للمشاكل العالمية دون تدخل من الولايات المتحدة.
ولننظر إلى رد الفعل تجاه حالة عدم اليقين، التي خلقتها سياسة ترامب الجمركية، وبينما تتدافع الدول للتفاوض مع الولايات المتحدة فإنها تحاول أيضاً تنويع تجارتها لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.
وتحول الصين الواردات الرئيسية مثل فول الصويا وأشباه الموصلات والطاقة إلى الموردين في الأرجنتين والبرازيل وروسيا وآسيا.
كما سرعت أوروبا وتيرة المفاوضات مع كندا واليابان وأستراليا ودول ميركوسور في أمريكا الجنوبية، وتبني الاقتصادات الآسيوية سلاسل توريد إقليمية في إطار الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي قررت الولايات المتحدة عدم الانضمام إليها، وسيعني هذا التحويل التجاري ارتفاع الأسعار، ولكنه في الوقت نفسه ينوع المخاطر في عالم غير مؤكد.
ورداً على ذلك أنشأت 57 دولة تمثل حوالي 58 % من التجارة العالمية ترتيب التحكيم الاستئنافي المؤقت متعدد الأطراف لحل النزاعات فيما بينها.
وفي مجالات أخرى بدءاً من التأهب للأوبئة، مروراً بحماية المحيطات، ووصولاً إلى حشد التمويل من أجل التنمية، تتعاون الحكومات حول العالم لتطوير حلول للقضايا الدولية حيثما أمكن.
وقد تكاثرت الصراعات وانتشرت، حيث بلغ عدد الصراعات بين الدول 61 صراعاً حتى عام 2024، ومعظمها مستمر لسنوات، وتكافح أوروبا لحماية طرق التجارة الحيوية عبر البحر الأحمر، وحتى مع التدخل الأمريكي النشط لا تزال الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط قائمة.
وشجعت الصين استخدام الرنمينبي في التجارة مع بعض النجاح، مدعومة بخطوط مبادلة من بنكها المركزي لأكثر من 40 دولة، لكن إجراء المدفوعات بعملة يختلف تماماً عن استخدامها أصلاً احتياطياً، حيث يتطلب الأمر الأخير أسواق رأس مال عميقة ومفتوحة ومؤسسات وطنية، تعزز الثقة بين المستثمرين الدوليين.
وفي أوروبا هناك الكثير من النقاش حول الدور المحتمل لليورو كبديل، لكن هناك حاجة إلى إحراز تقدم كبير في الدعم المالي المشترك وأسواق رأس المال المتكاملة، وبالنظر إلى كل هذه التحديات سيكون من الأسهل تحقيق الحلول بمشاركة الولايات المتحدة.
إن حل مشاكل العالم بدون القوة العسكرية العظمى في العالم وربع الاقتصاد العالمي والعملة الاحتياطية، كما يرى كثيرون، أمر صعب، لكن في عالم غير مثالي فإن التعاون ولو بقدر ضئيل أفضل من عدم وجود تعاون على الإطلاق.
