اليابان تبرم اتفاقاً تجارياً يحصّن صادراتها من حرب ترامب الجمركية

أيدن رايتر
أصبحت اليابان ثالث شريك تجاري للولايات المتحدة يبرم اتفاقاً مع إدارة دونالد ترامب، وثاني دولة – بعد المملكة المتحدة – تعترف به رسمياً.

وينص الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية «المتبادلة» التي هدد ترامب بفرضها على الواردات اليابانية، من 25% إلى 15%، إلى جانب تخفيض مماثل للرسوم العالمية المفروضة على السيارات، لتخفض من 25% إلى 15% بالنسبة للسيارات اليابانية تحديداً.

كما تضمن الاتفاق بنوداً إضافية، أبرزها إنشاء صندوق استثماري بقيمة 550 مليار دولار للاستثمار الياباني داخل الولايات المتحدة.

ورغم بقاء بعض القضايا الخلافية دون حسم نهائي – خصوصاً فيما يتصل بالالتزامات الدفاعية والرسوم المفروضة على الصلب – فإن الرسالة الأساسية كانت واضحة: المنتجات اليابانية ستحظى بمعاملة جمركية تفضيلية.

وقد أشعل ذلك حماس المستثمرين في السوق اليابانية، ما دفع مؤشر «نيكاي 225» إلى تسجيل قفزة قوية بلغت 3.5% محسوبة بالدولار.

وتصدرت أسهم الشركات اليابانية التي تعتمد على المجموعات الأمريكية كعملاء رئيسيين قائمة المكاسب، فقد قفز قطاع السيارات (الذي يمثل 33% من إجمالي الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة في 2024) بأكبر نسبة، بينما ارتفعت أسهم الشركات الصناعية (24%)، مثل «فانوك» و«ياسكاوا» أيضاً.

وانعكست آثار الاتفاق إيجاباً، بشكل محدود، على الأسواق العالمية، إذ يمنح الاتفاق الياباني بارقة أمل للدول الأخرى في إمكانية إبرام صفقات مماثلة قبل حلول الأول من أغسطس، كما يوحي الاستثناء الممنوح للمركبات اليابانية بمرونة إدارة ترامب تجاه الرسوم على قطاعات محددة، خصوصاً رسوم السيارات.

وقد ارتفع المؤشر الفرعي لقطاع السيارات في يورو ستوكس بنسبة 3.8%، مع مراهنة المستثمرين على حصول الاتحاد الأوروبي على استثناء مشابه.

ورغم أن هذه أخبار جيدة لليابان، إلا أن التغيير في التوقعات يعد هامشياً، سواء للأسهم أم للاقتصاد.

وحسب روري غرين من مؤسسة تي إس لومبارد فإنه «بالنسبة للأسهم، فهذه إعادة تقييم مؤقتة قد لا تستمر سوى بضعة أيام، وبشكل عام لا تزال التوقعات الكلية للاقتصاد الياباني ضعيفة.

فلطالما وصف الاقتصاد الياباني بأنه كسفينة شراعية، يعتمد على التجارة العالمية، تماماً كما تعتمد السفينة على الرياح والموانئ.

صحيح أن الطلب المحلي الذي انتعش أخيراً، أعطى محركاً للسفينة، لكن نمو الأجور الحقيقية تعرض للسحق بفعل التضخم وارتفاع أسعار الأرز.

ولا تزال الشركات اليابانية تواجه منافسة شرسة من الصين، كما أن تباطؤ النمو المرتقب في الولايات المتحدة سيحد قدرتها على التصدير إلى السوق الأمريكية».

ومع ذلك، يسهم هذا الاتفاق التجاري في ترسيخ مسار أسعار الفائدة اليابانية، فبينما تدفع رسوم ترامب الجمركية نحو التضخم في الاقتصاد الأمريكي، فإنها تسبب انكماشاً في معظم الاقتصادات الأخرى، إذ تتدفق السلع المخصصة للتصدير إلى السوق المحلية، ما يؤدي لانخفاض الأسعار.

وأشار تييري ويزمان من مجموعة «ماكواري» إلى أن الرسوم المرتفعة أثارت مخاوف بشأن أرباح الشركات اليابانية، وبالتالي نمو الأجور.

مضيفاً: «كان بنك اليابان متردداً في تشديد السياسة النقدية دون رؤية واضحة، لكن هذا الاتفاق سيقلل المخاوف المتعلقة بالانكماش وضعف نمو الأجور، وهذا يمكن أن يمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة هذا العام».

وشهدت عوائد السندات الحكومية اليابانية ارتفاعاً ملحوظاً خلال يوم واحد: 8 نقاط أساس لأجل عامين، و7 نقاط أساس لأجل 10 سنوات، و5 نقاط أساس لأجل 30 عاماً. في المقابل، جاء أداء الين الياباني أكثر تحفظاً، حيث تحسن بنسبة 1.5% فقط مقابل الدولار.

ومن المفترض أن تجذب عوائد السندات المرتفعة مزيداً من رؤوس الأموال إلى اليابان وتقوي قيمة الين، على المدى البعيد.

وقد يعود الأداء المتحفظ للين إلى الضبابية السياسية المستمرة محلياً؛ فالحزب الحاكم في اليابان تكبد أخيراً هزيمة غير مسبوقة تاريخياً، ولا تزال الأسواق تترقب تداعياتها.

كما قد ينبع هذا الأداء للين من التساؤلات المستمرة حول الطلب على السندات الحكومية اليابانية، إذ قلص بنك اليابان ميزانيته العمومية ولم يعد يشتري من السندات بالكميات التي اعتاد عليها سابقاً، ولا يزال السوق يتعلم كيف يتعامل مع هذا الواقع الجديد.

وكما علمنا من الصيف الماضي، تتسبب التغيرات في منظومة أسعار الفائدة اليابانية عادة في تداعيات، فاستراتيجية تجارة الفروق، وهي الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة بالين الياباني لاستثمارها في أصول عالمية ذات عوائد أعلى، قد ساهمت في ارتفاع أسعار الأصول العالمية، بما في ذلك أسعار سندات الخزانة الأمريكية، خلال العقد الفائت.

وستؤدي أي زيادة إضافية من بنك اليابان وأي ارتفاع آخر في العوائد إلى تقليص الفارق في أسعار الفائدة في اليابان وبقية دول العالم.

ومن الناحية النظرية، سيجعل ذلك تجارة الفروق أقل جاذبية، ويقوي الين، ويصرف الاهتمام عن سندات الخزينة الأمريكية والسندات العالمية الأخرى.

ومن الصعب تقدير حجم تجارة الفروقات وتأثيرها في الأسواق العالمية بشكل عام، وفي أسواق سندات الخزانة الأمريكية بشكل خاص.

وقال فريا بيميش من شركة «تي إس لومبارد» في رسالة «إن اقتران ارتفاع أسعار الفائدة في اليابان والزيادات المتوقعة في الرسوم الجمركية الأمريكية يشير إلى اتجاه تصاعدي في علاوة الأجل الأمريكية، وارتفاع توقعات التضخم بالولايات المتحدة.

بالتالي، مع ثبات العوامل الأخرى، سيتراجع الطلب على سندات الخزينة الأمريكية».

وقد ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار 4 نقاط أساس، وإن كان من غير الواضح ما إذا كانت اليابان مسؤولة جزئياً عن ذلك. ولا يزال هناك كثير من التغييرات المحتملة، سواء بالنسبة لليابان أم لبقية دول العالم.

وقد يكون من السذاجة الافتراض بأن ترامب سيمنح دولاً أخرى صفقات مشابهة لتلك التي منحها لليابان، كما أن الاقتصاد الياباني نفسه قد يواجه ضغوطاً أكبر في المستقبل. لكن على الأقل يبدو أن التضخم الياباني مستمر.