هواتف «أندرويد» قادرة على تنبيهنا إلى الزلازل.. لكن من يملك البيانات؟

أنجانا أهوجا

مع مرور السنوات، ازداد اعتمادي على تكبير الخطوط الصغيرة، ولذلك اعتدتُ على تحويل شاشة هاتفي من الوضع الرأسي إلى الأفقي، فالهاتف الذكي مزوّد بمقياس تسارع، وهو مستشعر قادر على الإحساس بحركة الجهاز واتجاهها، ما يدفع الشاشة إلى تعديل عرضها تلقائياً، وهذا المستشعر نفسه يُستخدم أيضاً في احتساب عدد الخطوات.

لكن بحسب دراسة نُشرت منذ أيام في مجلة ساينس، فإن أجهزة التسارع المدمجة في الهواتف الذكية، قادرة على تحويل شبكات هواتف أندرويد إلى أنظمة إنذار جماعي لرصد الزلازل.

ورغم أن حساسية هذه الهواتف تقلّ عن أجهزة قياس الزلازل التقليدية، فإن تفاعلها الجماعي عند حدوث اهتزاز، يجعل منها أداة فعّالة، خصوصاً في المناطق المأهولة، التي تفتقر إلى أنظمة إنذار تقليدية.

ولا شك أن هذا الأمر يُعدّ خبراً ساراً، خصوصاً أن استطلاعات الرأي أظهرت أن المستخدمين يثقون به إلى حدٍّ كبير، كما أن الحصول على إشعار مسبق، حتى ولو لبضع ثوانٍ، قد يتيح للأفراد اتخاذ إجراءات يمكن أن تنقذ حياتهم، مثل النزول إلى الأرض والاحتماء والثبات.

النقطة المهمة هنا، أن هذه التقنية تطرح إشكاليات على مستوى السياسات العامة: إذ إن البيانات والخوارزميات المصاحبة، تُعدّ ملكية خاصة، ما يصعّب على علماء الزلازل المستقلين الوصول إليها.

وفي حين أن السلطات المدنية والمنتخبة، تتحمل مسؤولية حماية المواطنين، يبرز التساؤل: ماذا يحدث عندما تكون المعلومات القادرة على إنقاذ الأرواح في أيدي شركات خاصة؟.

قد نواجه هذا التساؤل مستقبلاً بوتيرة متزايدة، مع استمرار شركات التكنولوجيا في ابتكار وسائل جديدة لتحليل البيانات التي تجمعها أجهزتنا المنتشرة في كل مكان. وقد أشرف على دراسة تتعلق بهذا الأمر، ريتشارد آلن مدير مختبر الزلازل في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي، والباحث الزائر في شركة «غوغل».

وتناولت الدراسة نظام تنبيهات الزلازل على أجهزة أندرويد، الذي بدأ العمل به منذ عام 2020، كخدمة افتراضية على أجهزة أندرويد في 98 دولة حول العالم.

ويعتمد هذا النظام على رصد الزيادات المفاجئة في التسارع، والتي تنتج عن الموجات الزلزالية المصاحبة للهزات الأرضية. وعندما تستشعر مجموعة كبيرة من الهواتف في منطقة معيّنة هذا التسارع، تُرسل هذه البيانات، مع معلومات تقريبية عن الموقع، إلى خوادم شركة «غوغل». وإذا تطابق نمط الاهتزاز مع المعايير المعروفة للزلازل، يُقدّر النظام قوة الزلزال ووقت حدوثه ومركزه الأرضي.

وفي حال كانت قوة الزلزال تبلغ 4.5 درجات أو أكثر، يُرسل النظام تنبيهاً فورياً إلى المستخدمين في المنطقة، لتحذيرهم قبل أن تضرب الهزّة الأعنف، كما ينقل هذا النظام التنبيهات الصادرة عن أنظمة تحذير قائمة، مثل نظام «شيك أليرت» في الولايات المتحدة.

وحتى مارس من العام الماضي، كان النظام قد رصد أكثر من 11 ألف هزة زلزالية حول العالم، وأصدر أكثر من 1200 تنبيه. ويقوم النظام بإرسال نوعين من التنبيهات، وفقاً لحجم الزلزال والمسافة عن مركزه: رسالة «كن على علم»، أو إشعار «اتخذ إجراءً» الأكثر إلحاحاً، والذي يمكنه تجاوز إعدادات «عدم الإزعاج» على الهاتف.

وقد أظهرت المقارنات اللاحقة مع قواعد بيانات الزلازل، أن أكثر من 99 % من الزلازل التي تم رصدها -والبالغ عددها 11 ألفاً- كانت حقيقية. ولم يُخدع النظام إلا في حالات نادرة جداً، بسبب العواصف الرعدية، مثلاً. وقد قام الباحثون منذ ذلك الحين بمراجعة الخوارزميات، لتقليص احتمالات الإنذار الكاذب.

لكن، كحال أنظمة أخرى، واجه النظام صعوبات في التعامل مع الزلازل شديدة القوة، فندرة هذه الزلازل ذات الشدة الكبيرة، تعني شحّ البيانات اللازمة لتدريب الخوارزميات، وقد قلّل نظام أندرويد من تقدير قوة الزلزالين المدمّرين اللذين ضربا تركيا عام 2023.

واللذين بلغت قوتهما 7.8 و7.5 درجات، ما أدى إلى إصدار تنبيهات بمستوى أقل، ومن بين العيوب التي تم تصحيحها لاحقاً، أن بعض التنبيهات نفسها، تسبّبت في اهتزاز الهواتف، ما حجب جزئياً إشارات الزلزال الفعلية.

وفي تصريح لمجلة نيتشر، قال ألين هاسكر، عالم الزلازل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا «إنه وجد نظام تنبيهات الزلازل في أندرويد مثيراً للإعجاب للغاية»، لكنه أضاف أنه كان سيشعر بمزيد من الارتياح لو أتيح للعلماء المستقلين الوصول إلى البيانات والخوارزميات.

وقال ريتشارد ألن، الباحث الزائر في شركة «غوغل»، ومارك ستوغايتيس، المؤلف المشارك، وهو مهندس برمجيات رئيس في «غوغل»، لصحيفة فاينانشال تايمز:

إن النظام لم يُصمَّم ليحل محل أنظمة التحذير أو الرصد أو التنبيه الرسمية بالزلازل، لكنه يُعدّ أداة ذات قيمة كبيرة في المناطق التي تفتقر إلى مثل هذه الأنظمة. وأضافا: «ندرك أهمية الشفافية، ونحن ملتزمون ببناء الثقة في هذا النظام».

وأشارا إلى أن «غوغل» ترحّب بالتعاون الأكاديمي، من خلال برامج الباحثين الزائرين، لكن التزام الشركة الصارم بخصوصية المستخدمين، يجعل «مشاركة البيانات المُجمعة من هواتف المستخدمين لأغراض البحث العلمي، مسألة معقدة».

إنها حقاً مرحلة لافتة في تاريخ التكنولوجيا. ففي الفترة ما بين 2020 و2023، ارتفع عدد مستخدمي نظام التنبيه من الزلازل على أندرويد، من 250 مليوناً إلى 2.5 مليار شخص.

وهكذا، فإن شركة تكنولوجيا أصبحت تحوز مستويات من الثقة، وتوفّر قدراً من الحماية في أوقات الأزمات، يعجز كثير من الحكومات عن تقديمه، ربما يكون أمراً يستحق أن يُحدث هزة.