كاتي مارتن
حتى الآن تعطي الأسواق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب درجة ناجح، وفي بعض الأحيان ممتاز، ورغم أن تهديداته المتقطعة بفرض رسوم جمركية ضد أصدقائه وجيرانه الاستراتيجيين أدت خلال الأسبوع إلى زعزعة استقرار الأسهم، وارتفاع قيمة الدولار، لكن المستثمرين حافظوا على أعصابهم إلى حد كبير، ربما ينتظرون ليروا ما إذا كان تصرفه يتوافق مع أقواله، وقد تبدد قدر كبير من الانزعاج حتى قبل أن يوافق ترامب على التأجيل مع المكسيك وكندا.
ليس هذا هو المشهد الوحيد من عدم اليقين الجذري، الذي يختار المستثمرون تجاهله، في الوقت نفسه كان أسبوعاً طويلاً بالفعل. بموازاة ذلك كانت زمرة من مساعدي إيلون ماسك تتجول بينل أذرع الحكومة، في مسعى إلى خفض التكاليف، وقد وصلوا حتى نظام السباكة التابع لوزارة الخزانة.
وسعى وزير الخزانة سكوت بيسنت إلى طمأنة الجمهور بأن هذه «ليست فرقة متجولة»، فيما قام أحد القضاة بتقييد وصول موظفي ماسك إلى النظام، ولكن في حين أن الصقور الماليين قد يروجون لاحتمال إجراء تخفيضات كبيرة في الميزانية فإن الديمقراطيين في الكونجرس غاضبون من الغياب الواضح للضوابط والتوازنات والأعراف، ومع ذلك فإن الرسالة الواردة من الأسواق هي: واصلوا العمل. نحن نتماشى جيداً مع هذه الأمور.
إن تفضيل عدم التعامل مع ما يقوله ترامب حرفياً قد يكون مفيداً لاستقرار السوق على المدى القصير، ولكن هذا لا يعني أنه لا يأتي بأي تكلفة، فبالنسبة للسندات الحكومية تضع الولايات المتحدة درعاً لامعة من الامتيازات الكبيرة.
إن كونها مقراً للعملة الاحتياطية المهيمنة على الكوكب يوفر مجالاً للمناورة حول المعايير، التي لا تتمتع بها الاقتصادات الكبيرة الأخرى، وهذا لن يتبخر بين عشية وضحاها، لكن التحولات في الطلب على سندات الخزانة منذ إعادة انتخاب ترامب في نوفمبر تظهر بعض الشقوق في الدرع.
لقد كان هذا السوق يشكل لغزاً لعدة أشهر، فقد قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة بشدة منذ سبتمبر، لكن أسعار السندات استمرت في الانخفاض، ونتيجة لذلك ظلت تكاليف الاقتراض للعم سام، وكل شخص آخر مرتفعة، وهذا أمر غريب جداً.
نعم لا يزال التضخم منخفضاً، ونعم لا يزال الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة، وهو ما يقلل الطلب على السندات، وقد تلعب المخاوف المتعلقة بالاستدامة المالية دوراً أيضاً، لكن تفسيراً آخر، قدمه الشهر الماضي رشاد أحمد، الخبير الاقتصادي في مكتب مراقب العملة الأمريكي، وأليساندرو ريبوتشي، الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز، ربما يكون أكثر إثارة للقلق، ففي تقرير صدر في منتصف يناير تعمق الباحثان في الطلب على سندات الخزانة بين مديري الاحتياطات الرسمية - الوحوش الكبيرة المحافظة والبطيئة الحركة في أسواق السندات، التي تعتني بمجمعات الثروة الوطنية في جميع أنحاء العالم.
واعتماداً على البيانات الأسبوعية الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، والتي تغطي نحو ثلثي هذه الممتلكات، لاحظوا انخفاضاً في الاحتياطات بعد يوم الانتخابات، بما يصل إلى نحو 78 مليار دولار من يوم الانتخابات إلى الثامن من يناير، وقد عاد حوالي ثلثها فقط منذ ذلك الحين، وكتبوا أن هذا قد «يعكس تراجع الطلب الرسمي الأجنبي على الأصول الآمنة المقومة بالدولار، ربما بسبب المخاوف الجيوسياسية، بما في ذلك الخوف من العقوبات وتجميد الأصول».
وبطبيعة الحال كان سلف ترامب، جو بايدن، هو الذي استخدم أدوات مثل هذه لتحقيق التأثير الأكثر دراماتيكية في السنوات الأخيرة، كجزء من تحركه لمعاقبة روسيا بعد اندلاع حربها مع أوكرانيا في عام 2022، وقد سلط هذا الضوء على حقيقة، مفادها أن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم الوضع المميز لعملتها الاحتياطية سلاحاً، وعادة قد لا يكون ذلك مشكلة، وإذا كنت لا تريد تجميد أصولك فلا تبدأ حرباً عدوانية، ومع ذلك من الصعب الآن التنبؤ بالكيفية، التي يمكن بها لرئيس أكثر زئبقية أن يمارس هذه السلطة.
وقد حذر المتشائمون لعقود من أن الولايات المتحدة قد تفقد دعم مديري الاحتياطات، ولعقود أيضاً كانوا مخطئين إلى حد كبير. إذن أين يمكن أن تذهب هذه الأموال؟ وعلى الرغم من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب وتحديه للمؤسسات الأمريكية يقول أجاي راجادياكشا، من بنك باركليز، إنه يرى أن الفرصة «صفر» لخسارة الولايات المتحدة مكانتها كونها عملة احتياطية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الافتقار إلى البدائل المناسبة، ولن يقنعه بخلاف ذلك سوى التدخل المباشر في «جزء صغير» من البنية التحتية لوزارة الخزانة، التي تتعامل مع مدفوعات السندات، لذا على فريق ماسك أن يسجل هذه الملاحظة، لكن نقطتين من تحليل رشاد أحمد، وريبوتشي تبرزان هنا بقوة: الأولى هي أن بعض مديري الاحتياطات لا يبدو أنهم يبحثون عن سوق سندات بديلة. ويختار الكثيرون الذهب، خاصة في التداول خارج ساعات العمل في الولايات المتحدة.
والنقطة الأخرى هي أننا لا نحتاج إلى سيناريو كابوسي (وغير مرجح إلى حد كبير)، يتمثل في قيام مديري الاحتياطات العالمية بالتخلص من سندات الخزانة الخاصة بهم لجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة. وقال الباحثون إنه بدلاً من ذلك لا يتطلب الأمر سوى تخفيض بسيط في شريحة الدولار من الاحتياطات العالمية لضرب الأسعار، والحفاظ على تكاليف الاقتراض مرتفعة بشكل غير عادي.
وينطبق هذا بشكل خاص عندما تخيف سياسات التعريفات التضخمية المحتملة المشترين الآخرين من التدخل.
إننا لم نقترب بعد من مشكلة خطيرة تتعلق بمصداقية المؤسسات الأمريكية، لكن إنهاء العصر، الذي كان بوسع المستثمرين من كل الأنواع أن يضعوا فيه ثقتهم الكاملة في كلمة رئيس الولايات المتحدة، ووزير خزانته لا يأتي بالمجان.
لقد عاد الرئيس إلى المكتب البيضاوي منذ أقل من شهر، وهو يعمل على هدم القواعد التي طالما قال مستثمرو السندات طويلة الأجل إنهم يعتزون بها. يبدو أنهم متوترون بالفعل، وستقدم الأشهر المقبلة تجربة حية عالية المخاطر حول المدى الذي يمكنه دفعهم إليه.
