منصة ديب سيك تحول «قراءة الطالع» إلى خدمة رقمية

جو ليهي

كانت وانغ المحاضرة الجامعية تعيش في قلق دائم لاعتقادها أن اسم ابنها لا يتوافق مع توازن «العناصر الخمسة» (الخشب، والنار، والأرض، والمعدن، والماء) وهو ما قد يجلب له المتاعب في المستقبل.

في السابق كان يجب على هذه السيدة، البالغة من العمر 34 عاماً، اللجوء إلى خبير مكلف في علم «البازي»، أو ما يعرف بـ «أركان القدر الأربعة»، ذلك الفن الصيني التقليدي المتوارث لقراءة الطالع.

أما اليوم، فلم تعد وانغ مضطرة للاستعانة بخبير باهظ الأجر، فقد أصبح لديها خيار آخر يتمثل في «ديب سيك»، نموذج الذكاء الاصطناعي المطور محلياً.

والذي أظهر براعة لافتة في استخدام اللغة الصينية بنبرة متعاطفة، مكنته من التفوق في فن «البازي»، وهو أحد أشكال التنجيم الصيني الذي يعتمد على توقيت الميلاد وتفاصيل أخرى لتحديد توازن العناصر الخمسة وجوانب المصير الشخصي.

وتقول وانغ: «كان اسم ابني الأصلي معقداً للغاية»، لذلك أدخلت مجموعة من الأسماء المحتملة إلى منصة «ديب سيك» إلى أن استقرت وانغ على اسم حصل على تقييم بلغ 96 نقطة من أصل 100.

وتضيف: «كان اسم ابني القديم هو تسِنغ جيايو، وكان يتكون من عناصر المعدن والخشب والأرض. أما الآن فاسمه تسِنغ لي آن، ويتكون من المعدن والنار والأرض، وهو أكثر توافقاً مع حظه».

وفي بكين يستحيل تجاهل الهالة الإعلامية المحيطة بـ«ديب سيك»، فبالنسبة للحزب الشيوعي الصيني وأمينه العام شي جين بينغ، كانت هذه المنصة المعادل الجيوسياسي للفوز باليانصيب عندما تصدرت عناوين الأخبار هذا العام.

وفي الوقت الذي بدت فيه الولايات المتحدة وكأنها انتزعت الريادة في الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر روبوت المحادثة «تشات جي بي تي»، ظهر «ديب سيك» ليعلن عن تطوير بديل صيني بتكلفة تقل كثيراً عن نظيره الأمريكي.

غير أن ما يثير حماس العديد من المواطنين الصينيين العاديين ليس الأهمية الجيوسياسية لـ«ديب سيك» بل قدرته على مساعدتهم في أمور حياتهم الشخصية، خصوصاً في ظل تباطؤ الاقتصاد، الذي يدفع مزيداً من الناس للبحث عن تفسيرات بديلة للتغيرات التي تطرأ على حظوظهم.

وتقول موظفة تعمل في إحدى شركات الإنترنت ببكين، عرفت نفسها باسم «ناباو»، كيف استطاع «ديب سيك» عبر توظيف «البازي» وصف شخصيتها بدقة بالغة (نارية الطبع) والتنبؤ بمسار حظها المهني.

وقد تعمقت ثقة هذه الشابة البالغة من العمر 24 عاماً في منصة ديب سيك لدرجة أنها أنفقت 10 آلاف يوان (1400 دولار) لشراء حجر أكوامارين زنة 6 قراريط بعدما نصحها باقتنائه لمساعدتها على موازنة فائض عناصر النار والمعدن في تكوينها الشخصي، نظراً لخصائص الحجر المائية والخشبية.

وفي سياق مماثل قالت «ما»، والتي تقيم في بكين، إن «ديب سيك» استطاع أن يخمن بدقة المدن الصينية التي تحبها مثل بكين، وتلك التي تكرهها مثل غوانغتشو.

وأضافت: «عشت في بكين خمس سنوات، وكان كل شيء يسير بسلاسة هناك. كما أن ديب سيك قال إن غوانغتشو لا تناسبني، وهذا انسجم تماماً مع تجربتي، حيث زرتها مرة واحدة ولم أرغب في العودة إليها مجدداً».

وكشفت صينية أخرى من بكين تدعى «لو» أنها اشترت أساور بناء على توصية «ديب سيك» في قراءة الطالع، وباتت ترتديها في المناسبات المهمة.

وحينما اقترح «ديب سيك» على هذه الشابة ذات الـ 26 ربيعاً، العاملة في المجال الفني، تعزيز عناصر الماء في مسكنها لتحسين طاقة «الفينغ شوي» المتولدة عن البيئة المحيطة لم تتردد في اقتناء جهاز تجديف يعتمد تقنية مقاومة الماء.

وبعد أن أثارت المنصة فضولي، عمدت إلى استطلاع خريطة «البازي» الفلكية لابني عبر منصة «ديب سيك»، وطرحت أسئلة عن نوع الوظائف التي قد تناسبه، وإمكانية إقدامه مستقبلاً على وشم جسده (وكيف ستبدو تفاصيل هذا الوشم).

وقد اتسمت غالبية الإجابات بالعمومية، إذ تنوعت المسارات المهنية المحتملة بين الأوساط الأكاديمية والقانون والهندسة، بيد أن «ديب سيك» طرح فكرة مبتكرة لوشم عصري، وهو قرد يركب الأمواج، في إيماءة رمزية على ما يبدو إلى خضوع عنصر الماء لعنصر النار.

وكان هناك اقتراح آخر لوشم محتمل يتمثل في نقوش سحابية، اعتبرتها المنصة ترمز إلى «رحلة حياة تتخطى الحدود»، وهو تفسير مناسب لشخص ينحدر من أصول وجنسيات مختلطة.

ورغم أن أفكار الوشوم بدت مثيرة للاهتمام، إلا أنني لن ألجأ إلى «ديب سيك» لقراءة مستقبلي، خصوصاً في ظل معرفتي الضئيلة بفن «البازي»، لكن ملايين الصينيين سيفعلون ذلك، ما قد يمنح هذه المنصة تأثيراً أوسع في واحد من أكثر المجتمعات شغفاً بتتبع الحظ والطالع حول العالم.