«البوندسبانك»: خطر مالي داهم للتغيّر المناخي

كينزا برايان

دافعت سابين مودرير، نائبة محافظ البنك المركزي الألماني (البوندسبنك) ورئيسة شبكة تخضير النظام المالي التي تمثل منتدى عالمياً للسياسات، عن جهود الهيئات الرقابية في التعامل مع ملف تغير المناخ، وذلك في أعقاب انتقادات أمريكية لاذعة.

ونبهت إلى أن المسؤولين «قللوا تماماً في السابق من تقدير المخاطر التي يشكلها ارتفاع درجات الحرارة على النظام المالي».

وفي مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز، أكدت مودرير أن محافظي البنوك المركزية «لا ينتمون إلى أي توجه سياسي»، بل إنهم «تكنوقراط محترفون» يؤدون مهامهم استناداً إلى الصلاحيات المنوطة بهم، ومنها ما يتعلق بتغير المناخ.

وأضافت: «من الطبيعي أنه كلما ازدادت المخاطر المالية ازداد اهتمام البنوك المركزية بالأمر».

وتأتي تصريحاتها في وقت يسود فيه التوتر أوساط صناع السياسات المالية حول العالم حيال الاستمرار في العمل على ملف التغير المناخي، خاصة عقب فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، وهو الذي سبق أن وصف ظاهرة الاحترار العالمي بأنها «خدعة باهظة التكاليف».

وكان «الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي» قد انسحب من عضوية شبكة تخضير النظام المالي في يناير الماضي، معللاً ذلك بأن نطاق عمل الشبكة «اتسع بشكل متزايد» ليشمل قضايا تتجاوز التفويض القانوني الممنوح للبنك المركزي الأمريكي.

كما دعت جهات تنظيمية أمريكية واضعي السياسات المالية في لجنة بازل للإشراف المصرفي -المرجعية العالمية للتنظيم المالي- إلى خفض مستوى الأولوية لمشروع مناخي رئيسي.

وفي السياق نفسه، كشف مجلس الاستقرار المالي، وهو الجهة الرقابية على القطاع المالي في مجموعة العشرين والذي يتمتع بعضوية مراقب في شبكة تخضير النظام المالي، عن انقسام بين أعضائه حول ما إذا كان قد استكمل بالفعل «ما يكفي من العمل» في مجال المناخ، معلناً أنه سيراجع سنوياً جدوى متابعة «أي» مشاريع مناخية إضافية.

وكانت شبكة تخضير النظام المالي تأسست عام 2017 بمبادرة من هيئات رقابية رائدة ضمت بنك إنجلترا، وبنك فرنسا المركزي، وبنك الشعب الصيني.

ورغم انسحاب الفيدرالي الأمريكي، شددت مودرير على أن الشبكة واصلت توسعها، حيث أصبحت السيناريوهات التي تطورها أساساً محورياً لاختبارات الضغط والتحليلات التي تجريها العشرات من البنوك المركزية والهيئات الرقابية حول العالم، بما فيها البرازيل والصين والاتحاد الأوروبي.

وقد رصد أحدث تحليل للشبكة احتمالية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 15% بحلول منتصف القرن الجاري بسبب المخاطر المرتبطة بالمناخ، حتى في حال التزمت الحكومات بسياسات خفض الانبعاثات الحالية.

وفي هذا السيناريو المنشور في نوفمبر الماضي تضاعفت التأثيرات السلبية للمخاطر المادية -كارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار- على الناتج المحلي الإجمالي أربع مرات مقارنة بالتقديرات السابقة للعام الماضي.

وحذرت مودرير من أن كل نسخة جديدة من نماذج تقييم المخاطر المناخية تظهر مخاطر «أشد حدة» مما كان يُعتقد سابقاً، وذلك مع تطور أساليب النمذجة وتحسن دقتها.

وأوضحت أن نماذج شبكة تخضير النظام المالي لا تزال -حتى الآن- لا تأخذ في الحسبان مخاطر مثل شح المياه، وانهيار منظومات التلقيح، وموجات النزوح الجماعي، فضلاً عن المخاطر المرتبطة بما يُعرف بـ«نقاط التحول المناخية»، وهي عتبات حرجة قد تؤدي إلى تغيرات لا رجعة فيها في النظم البيئية للكوكب.

وأردفت مودرير: «أدركنا عبر السنوات أننا -كوننا محافظين للبنوك المركزية والهيئات الرقابية- قد أخطأنا تماماً في تقدير حجم المخاطر المادية، فقد تبين لنا أن المخاطر لا تقتصر على بلدان الجنوب العالمي، بل إن تأثيراتها تطال أيضاً الاقتصادات المتقدمة ودول الشمال العالمي».

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في تقرير صدر العام الماضي من أن العالم يتجه نحو ارتفاع «كارثي» في درجات الحرارة يتجاوز ثلاث درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

ويمكن أن تؤدي الظواهر الجوية المتطرفة التي تواجهها دول العالم إلى رفع معدلات التضخم عبر تعطيل سلاسل إنتاج الغذاء والمنتجات الصناعية، فضلاً عن تقليص مستويات التغطية التأمينية التي تعد ركيزة أساسية لقطاع واسع من سوق العقارات العالمي.