العلامات التجارية العالمية تعاود تبنّي التحولات الجريئة

جيميما كيلي

إذا حاولنا البحث عن وقت غير مناسب بالمرة للتخلي عن الإرث التاريخي للعلامات التجارية العريقة والانخراط في تبنّي أفكار الصحوة الاجتماعية، فهو، بلا شك، شهر نوفمبر 2024، حين عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

في هذه اللحظة بالذات، اختارت «جاكوار» — صانعة السيارات البريطانية الفاخرة ذات الإرث الممتد لأكثر من قرن، والتي اقترن اسمها بالتقاليد والنزعة المحافظة — أن تطلق إعلاناً مثيراً للجدل مدته 30 ثانية، بدا كأنه إنكار صريح لتاريخها وهويتها.

ظهر في الإعلان عدد من العارضين متنوعي الأعراق والأعمار بملامح غير محددة جنسياً، على خلفية صخرية وردية تُشبه سطح المريخ، دون ظهور سيارة واحدة طوال المقطع، مما دفع أحد منافسيها في صناعة السيارات إلى التساؤل ساخراً عبر منصة «إكس»: «هل أنتم تبيعون سيارات بالفعل؟».

ولم يكن الإعلان وحده ما بدا متنافراً مع روح العصر لتغيير الهوية البصرية بأكملها، حيث تحول اسم «JAGUAR» المكتوب بالأحرف الكبيرة إلى «jaGuar» - بحرف G كبير وحيد وسط أحرف صغيرة - مستخدمةً خطاً حداثياً خالياً من الزخارف بأحجام موحدة للأحرف.

كما لم يعد الشعار الأيقوني للقفزة التي يؤديها الفهد، وهو رمز يستحق وصف «أيقوني» بكل تأكيد، ظاهراً بجانب الاسم التجاري.

وفي بيانها الصحفي، تحدثت الشركة عن رؤية «جريئة» مستوحاة من شعارها الجديد «لا تنسخ شيئاً» تكريماً لمؤسسها السير ويليام ليونز. غير أن المشكلة كانت أن هذه الهوية الجديدة بدت وكأنها تقلّد كل شيء بالفعل، إذ تحول زئير جاكوار القوي والمميز إلى أنين باهت يحاول استعراض فضائل معينة واختيار الطريق الآمن دون مجازفة.

وجاء تغيير هوية جاكوار في وقت اتجهت فيه شركات أخرى أكثر فطنة نحو الاتجاه المعاكس تماماً، فخلال العامين الماضيين، تخلت العديد من الشركات عن الهويات البصرية الباهتة المتشابهة التي هيمنت على عالم التسويق لنحو 15 عاماً، لتعود تدريجياً إلى تصاميم تستحضر تراثها وجذورها.

وعلى سبيل المثال، عادت علامة «سان لوران» – التي كانت قد تبنت في 2012 خطاً بسيطاً من نوع «هلفيتيكا» إلى استخدام خط مميز ذي زخارف يكاد يطابق خطها السابق، مع حذف كلمة «إيف» من البداية.

أما «بربري»، فقد تخلّت بدورها عن الخط المفتقر للتميّز الذي اعتمدته في حملتها الترويجية عام 2018، واستبدلته بخط تقليدي ذي زخارف، مع إصدار جديد «مستوحى من أرشيفها» لشعار الفارس الشهير.

في الوقت ذاته، بدأت الشعارات المتواضعة المكتوبة بالأحرف الصغيرة والألوان الأساسية - التي شاعت بين شركات وادي السيليكون الناشئة مثل إيباي وإير بي إن بي - بالاختفاء تدريجياً، لتحل محلها شعارات بأحرف استهلالية كبيرة أو حتى أحرف كبيرة بالكامل.

وهذا الاتجاه الأخير يعكس طاقة ذكورية جديدة، فقد أثبتت دراسات متعددة أن العلامات التجارية ذات الشعارات المكتوبة بأحرف صغيرة بالكامل ترتبط بخصائص أنثوية، والعكس صحيح بالنسبة للشعارات ذات الأحرف الكبيرة.

وبعد 14 عاماً قضيناها في شرب بيبسي بأحرف صغيرة، اعتمدت خلالها شعار الكرة الأرضية بتوزيع مشوّه للألوان الأفقية التقليدية بالأحمر والأبيض والأزرق، عادت الشركة لاستخدام الأحرف الكبيرة، مع استعادة الكرة الأرضية ذات التوزيع اللوني المتناظر واسم العلامة التجارية في الوسط، تماماً كما كانت في تسعينيات القرن الماضي.

وقال ماورو بورشيني، كبير مسؤولي التصميم في «بيبسيكو»: «صممنا الهوية البصرية الجديدة لربط الأجيال القادمة بإرث علامتنا التجارية.

وهدفنا هو خلق لحظات من المتعة الخالصة بلا قيود ودون اعتذار».

ويلخص تعبير «دون اعتذار» اللحظة الثقافية الجديدة بدقة بالغة، فقد أطلقت بيبسي شعارها بالأحرف الصغيرة خلال الأزمة المالية عام 2008، في وقت كانت فيه البنوك الجشعة تجعل شركات وادي السيليكون الناشئة تبدو لطيفة ومحببة.

ومع دخول العالم في ركود اقتصادي عميق، هيمنت البساطة والعملية والرصانة على منصات عروض الأزياء، معلنة بداية حقبة «الترف الصامت».

لكن هذا العصر قد ولّى، وقد أشرت سابقاً إلى ما يصفه خبير استشراف الاتجاهات شون مونهان بـ«الجمالية الصاخبة»، التي تتسم بالمبالغة والاستهلاك المتباهي والبذخ والثقافة التي تميل نحو الفردية بشكل متزايد.

ويشكل الطابع الرسمي والمحافظ الجديد في هويات العلامات التجارية جزءاً من هذا التحول الأوسع نحو عصر أكثر صخباً خاصة بعد أن أعلنت مجلة فوغ البريطانية رسمياً موت «الترف الصامت».

إن المخاوف اليوم لم تعد تتمحور حول القطاع المالي كما في السابق؛ فقد ارتفعت الثقة العالمية في القطاع المصرفي بمقدار 15 نقطة منذ عام 2015، وفقاً لمؤشر «إيدلمان ترست باروميتر» لعام 2025.

في المقابل، تراجعت الثقة في شركات التكنولوجيا لدى الأمريكيين بمقدار 10 نقاط خلال العقد الماضي، بحسب «إيدلمان»، في حين أبدى ثلثا البريطانيين شعوراً بـ «القلق» إزاء صعود الذكاء الاصطناعي، بحسب استطلاع «إيبسوس موري».

وحين تتصدر مخاوف التهديد الوجودي للبشرية قائمة همومنا، يصبح الطابع الجمالي الجريء الأقل تقنية والمنتمي لعصر ما قبل الإنترنت مصدراً للراحة والطمأنينة النفسية.