هل يمكن للرؤساء التنفيذيين الاستفادة من تجربة الرياضيين المحترفين؟

أنجلي رافال
في عام 2019، كانت جينيفر تيجادا، الرئيسة التنفيذية لشركة البرمجيات «بيجر ديوتي»، غارقة تماماً في التحضيرات لطرح شركتها في سوق الأسهم.

تحوّلت حياتها حينها إلى دوامة لا تهدأ من السفر والاجتماعات، وأخذت حالتها الصحية تتدهور تدريجياً.

وكانت تيجادا، التي سبق لها أن مارست رياضة الجولف على مستوى تنافسي، اعتادت التعامل مع إصابة مزمنة في الظهر من خلال التمارين الرياضية.

لكن مع اقتراب موعد الطرح العام الأولي، بلغ الألم حداً لم يعد يُحتمل، ولم يعد بالإمكان تأجيل التدخل الجراحي.

وقد تطلّب التعافي منها قضاء أوقات طويلة مستلقية على الأرض، وهو إيقاع لم تعهده من قبل.

وتنضم تيجادا اليوم إلى مجموعة متزايدة من الرؤساء التنفيذيين الذين باتوا أكثر وعياً بأهمية صحتهم الجسدية والنفسية، وبالعلاقة الوثيقة بين العافية الشخصية والنجاح المهني.

وهناك بالفعل تركيز متزايد على العافية في وقت يُقر فيه ثلثا الرؤساء التنفيذيين بشعورهم المتكرر بالإرهاق، فيما أفاد نحو ربعهم بأنهم يعانون منه بشكل دائم أو شبه يومي، وفقاً لمنظمة «فيستيدج» المتخصصة في تقديم التدريب التنفيذي للشركات.

ويرى كثيرون أن الرئيس التنفيذي المعاصر بات بحاجة إلى أن يتصرف كما يفعل الرياضي المحترف.

تقول تيجادا: «يجب أن نستثمر في القوة البدنية، والقدرة على التحمل، والصحة النفسية، والتغذية، والنوم، من أجل تحسين أدائنا».

وهي الآن تتجنب سلسلة الاجتماعات المكثفة، وتمارس الرياضة يومياً، وتخصص أوقاتاً للهدوء والتأمل.

ورغم أن التحديات التي يواجهها الرؤساء التنفيذيون حالياً لا تُقارن بذروة أزمة 2008 المالية أو جائحة كوفيد، إلا أن الضغوط تظل قوية.

وكتب بوب ستيرنفيلز، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات «ماكينزي»، في تقرير حديث، أن الرؤساء التنفيذيين في الشركات المدرجة باتوا يعتبرون العمل على مدار الساعة أمراً طبيعياً.

واصفاً إياهم بأنهم معرضون لـ«مجموعة متغيرة باستمرار من المشكلات والتهديدات».

وتنعكس هذه التحديات في الارتفاع السريع في الحوافز والرواتب التي تُمنح لكبار الرؤساء التنفيذيين.

غير أنه، ورغم هذه الامتيازات، فإن مدة بقاء المديرين التنفيذيين في مناصبهم أصبحت أقصر، كما أن عدداً متزايداً منهم يفضل أداء المهمة مرة واحدة ثم الانسحاب.

وتقول كريستينا هارفي، التي تقدم تدريباً لقادة الأعمال في شركة التوظيف التنفيذي «كورن فيري»: «منذ الجائحة، لم تنقطع الأزمات.

أصبح الإرهاق موضوعاً مشتركاً، والناس باتوا يتحدثون عنه بشكل أكثر انفتاحاً». وكان أحد أبرز الاعترافات المبكرة بمشكلة الإرهاق التنفيذي قد ظهر في عام 2011، حين قرر أنطونيو هورتا-أوسوريو، الذي كان حينها الرئيس التنفيذي لمجموعة «لويدز المصرفية»، أخذ إجازة من العمل بسبب الإرهاق.

في ذلك الوقت، كان يسعى لإنقاذ البنك من حافة الانهيار.

وبعد مرور 14 عاماً على تلك الحادثة، قال لصحيفة «فايننشال تايمز»: «بدأت أنام أقل فأقل. وأصبحت الليالي بلا نهاية».

وبعد عدة أيام دون نوم، اضطر للذهاب إلى عيادة في لندن. وعلى الرغم من أنه بنى مسيرته المهنية في وظائف عالية الضغط، إلا أن التجربة شكّلت «صدمة هائلة» على حدّ تعبيره.

وبعد عودته إلى العمل، غيّر هورتا-أوسوريو أسلوبه بشكل جذري. فلم تعد الاجتماعات تُعقد بصورة مكثفة متتالية، وأصبح يترك فراغات في جدول أعماله تحسباً للطوارئ.

كما حظر استخدام البريد الإلكتروني بين الثامنة مساءً والسابعة صباحاً، وطلب من فريقه الاتصال الهاتفي في حال وجود أمر عاجل.

ويقول: «في لويدز، كنت قد جعلت من إنقاذ البنك مهمتي الشخصية.

لم أكن أتناول الطعام، ولا أترك وقتاً بين الاجتماعات، بل أعمل 16 ساعة في اليوم. كنت أظن أنني شجرة بلوط تقاوم العاصفة، لكن كان ينبغي أن أكون مثل نخلة تنحني مع الرياح والأمطار».

وكما هو الحال مع تيجادا، يرى هورتا-أوسوريو، الذي يتولى حالياً أدواراً استشارية وعضوية مجالس إدارة، أن بلوغ ذروة الأداء يتطلب استعداداً مسبقاً، وفتراتٍ للتعافي أيضاً.

ويستعين بعض الرؤساء التنفيذيين اليوم بخبرات من عالم الرياضة الاحترافية، حيث يتعاونون مع أخصائيين نفسيين ومدربي أداء لمساعدتهم على إدارة حياتهم المهنية.

وتقول جوزفين بيري، الأخصائية النفسية التي تعمل عادةً مع رياضيين محترفين، إنها باتت تساعد عدداً متزايداً من الرؤساء التنفيذيين.

وعلى عكس ما هو متبع في الرياضة الاحترافية، حيث تُعطى الأولوية للتعافي، غالباً ما ينظر إلى الراحة في ثقافة الشركات على أنها علامة ضعف، على الرغم من دورها الكبير في تعزيز صفاء الذهن والقدرة على التحمّل والمرونة النفسية.

وتقول بيري: «أفضل الرياضيين يقضون وقتاً أطول في التعافي مقارنةً بالتمرين أو المنافسة».

وتضيف: «أما في عالم الشركات، فالمسألة تتعلق بمدى قدرتنا على حشر مزيد من المهام في اليوم، وأقصى قدر مما يمكننا القيام به».

وشهدت سابين دوناي، مؤسسة عيادة «ڤيافي» للرعاية الصحية الوقائية ومقرها لندن، تزايداً مطّرداً في عدد الرؤساء التنفيذيين الذين يطلبون المساعدة في قضايا مثل ضبابية التفكير، والإجهاد، والإرهاق العام.

ويقوم فريقها الطبي بإجراء فحوصات شاملة للكشف عن أي عوامل تؤثر على مستويات الطاقة.

ومؤخراً، بدأ الفريق أيضاً في التعمق في جانب جديد: ما يُعرف بـ«دماغ الرئيس التنفيذي».

تقول دوناي إن البيانات التي جُمعت على مدى 15 عاماً أظهرت سمة لافتة لدى العديد من كبار رجال الأعمال، وهي وجود طفرة جينية تؤثر في إعادة امتصاص الدوبامين، وهو ما يُعرف عادةً بـ«هرمون السعادة».

وبينما يظهر هذا التحوّر الجيني لدى نحو 23% من عملاء العيادة، فإنه يرتفع إلى 81% بين الرؤساء التنفيذيين ومديري صناديق التحوّط والمحامين والمصرفيين.

وتعلق قائلة: «لديهم مستويات عالية من الدوبامين، لكن هذا يعني أنهم يفتقرون إلى زر الإيقاف».

وتقول كريستينا هارفي من شركة «كورن فيري» إن كثيراً من الرؤساء التنفيذيين باتوا يدركون أهمية تخفيف عبء العمل وتفويض المهام إلى الدائرة المقربة منهم.

لكن هذا التوجه يفرز تبعاته الخاصة، إذ إن دفع العمل إلى أسفل الهرم الإداري قد يعني ببساطة نقل الضغط إلى مستويات أخرى داخل المؤسسة.

وتوضح سابين دوناي قائلة: «الرؤساء التنفيذيون باتوا يقولون لي: الطبقة التالية تعمل الآن بنفس مستوانا التنفيذي».

وهكذا فقد أصبح الضغط يتسلسل نزولاً». ومع ذلك، لا يؤمن جميع المديرين التنفيذيين للأسف بفكرة السعي لتحقيق توازن مثالي بين العمل والحياة.