زيجينغ وو
أثارت شركة صينية ناشئة صغيرة في الذكاء الاصطناعي دهشة العالم الأسبوع الماضي، بعد الكشف عن الوصفة التقنية لنموذجها المتطور، ما حول قائدها المنعزل إلى بطل وطني، تحدى محاولات الولايات المتحدة لإيقاف طموحات الصين التكنولوجية.
وأطلقت «ديب سيك»، التي أسسها مدير صندوق التحوط ليانغ وينفنغ، نموذجها R1 يوم الاثنين الماضي، موضحة في ورقة بحثية مفصلة كيفية بناء نموذج لغوي كبير بميزانية محدودة، ويمكنه التعلم الذاتي، والتحسين دون إشراف بشري.
وكانت شركات أمريكية مثل «أوبن إيه آي» و«جوجل ديب مايند» رائدة في تطوير نماذج قادرة على التفكير، وهو مجال بحثي جديد نسبياً في الذكاء الاصطناعي. وفي ديسمبر الماضي، أصدرت «أوبن أيه آي»، ومقرها سان فرانسيسكو، النسخة الكاملة من نموذجها o1، إلا أنها أبقت أساليبها سرية.
وأثار إصدار «ديب سيك» لنموذج R1 نقاشاً محموماً في وادي السيليكون حول ما إذا كانت شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية الأفضل تمويلاً، بما في ذلك «ميتا» و«أنثروبيك»، قادرة على الدفاع عن تفوقها التقني.
في الوقت نفسه أصبح ليانج محوراً للفخر الوطني في الصين. وخلال الأسبوع الماضي كان الشخصية الوحيدة في الذكاء الاصطناعي، الذي تم اختيارها لحضور اجتماع علني لرواد الأعمال مع لي تشيانغ، ثاني أقوى شخصية في البلاد. وتم حث رواد الأعمال على «تركيز الجهود لتحقيق اختراقات في التقنيات الأساسية الرئيسية».
وفي عام 2021 بدأ ليانغ شراء آلاف وحدات معالجة الرسومات من «إنفيديا» لمشروع هامشي في الذكاء الاصطناعي، خلال إدارته لصندوق التداول الكمي «High-Flyer». وظن المطلعون على الصناعة أنها خطوة غريبة من ملياردير يبحث عن هواية جديدة.
وقال أحد شركاء ليانغ في الأعمال: «عندما التقيناه للمرة الأولى كان شخصاً غريب الأطوار مع تسريحة شعر سيئة، ويتحدث عن بناء مجموعة من 10 آلاف شريحة لتدريب نماذجه الخاصة. لم نأخذه على محمل الجد». وأضاف «لم يكن قادراً على توضيح رؤيته» سوى بقوله: «أريد بناء هذا، وسيكون تغييراً جذرياً. كنا نعتقد أن هذا ممكن فقط من قبل عمالقة مثل بايت دانس وعلي بابا».
في «High-Flyer» بنى ليانغ ثروة باستخدام الذكاء الاصطناعي والخوارزميات لتحديد الأنماط، التي يمكن أن تؤثر على أسعار الأسهم. وأصبح فريقه ماهراً في استخدام شرائح «إنفيديا» لكسب المال من خلال تداول الأسهم. في عام 2023 أطلق «ديب سيك»، معلناً نيته تطوير ذكاء اصطناعي بمستوى الذكاء البشري.
وقال مؤسس إحدى الشركات المنافسة في نماذج اللغة الكبيرة: «بنى ليانغ فريقاً استثنائياً للبنية التحتية يفهم حقاً كيفية عمل الشرائح. وأخذ أفضل الأشخاص معه من صندوق التحوط إلى «ديب سيك».
وبعد أن حظرت واشنطن تصدير أقوى شرائح «إنفيديا» إلى الصين اضطرت شركات الذكاء الاصطناعي الصينية لإيجاد طرق مبتكرة، لتعظيم قوة العدد المحدود من الشرائح المحلية، وهي مشكلة كان فريق ليانغ يعرف بالفعل كيف يحلها. وقال باحث مقرب من الشركة: «مهندسو «ديب سيك» يعرفون كيفية إطلاق إمكانات وحدات معالجة الرسومات هذه، حتى لو لم تكن الأحدث».
ويقول المطلعون على الصناعة إن تركيز «ديب سيك» الفريد على البحث يجعلها منافساً خطيراً لأنها مستعدة لمشاركة اكتشافاتها بدلاً من حمايتها لتحقيق مكاسب تجارية.
ولم تجمع «ديب سيك» أموالاً من جهات خارجية أو تتخذ خطوات كبيرة لتحقيق أرباح من نماذجها.
وقال مستثمر في الذكاء الاصطناعي في بكين: «ديب سيك تدار مثل الأيام الأولى لـ«ديب مايند»، إنها تركز بشكل كامل على البحث والهندسة».
وقال شريك تجاري: «مكاتب ديب سيك تشبه حرماً جامعياً للباحثين الجادين.
الفريق يؤمن برؤية ليانغ وهي: الإظهار للعالم أن الصينيين يمكن أن يكونوا مبدعين ويبنون شيئاً من الصفر»، ولم ترد «ديب سيك» و«High-Flyer» على طلب للتعليق.
وصمم ليانغ «ديب سيك» لتكون شركة «محلية» فريدة، يعمل فيها حاملو شهادات الدكتوراه من أفضل الجامعات الصينية مثل جامعة بكين وتسينغهوا وبيهانغ، بدلاً من خبراء من المؤسسات الأمريكية.
وفي مقابلة مع الصحافة المحلية العام الماضي قال إن فريقه الأساسي «لم يكن به أشخاص عادوا من الخارج.
جميعهم محليون.. علينا أن نطور أفضل المواهب بأنفسنا»، وقد أكسبت صفة المحلية البحتة «ديب سيك» شعبية إشادة واسعة في الداخل.
وادعت «ديب سيك» أنها استخدمت فقط 2,048 شريحة من Nvidia H800 و5.6 ملايين دولار لتدريب نموذج يحتوي على 671 ملياراً لمعامل، وهو جزء بسيط مما أنفقته «أوبن أيه آي» و«جوجل» لتدريب نماذج مماثلة في الحجم.
وقال ريتويك جوبتا، الباحث في الذكاء الاصطناعي بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن إصدار «ديب سيك» الأخير يظهر أنه «لا وجود لخندق عندما يتعلق الأمر بقدرات الذكاء الاصطناعي».
وأضاف: «الشخص الأول الذي يدرب النماذج يجب أن ينفق الكثير من الموارد للوصول إلى هناك، لكن الثاني يمكنه الوصول بسرعة أكبر وبتكلفة أقل».
وأشار جوبتا إلى أن الصين لديها مجموعة أكبر بكثير من مهندسي الأنظمة مقارنة بأمريكا، والذين يفهمون كيفية تحقيق أفضل استخدام لموارد الحوسبة لتدريب النماذج، وتشغيلها بتكلفة أقل.
ويقول المطلعون على الصناعة إنه رغم أن «ديب سيك» أظهرت نتائج مثيرة للإعجاب، إلا أن السؤال المفتوح هو: هل ستتمكن الشركة من الحفاظ على قدرتها التنافسية؟ فمنافسوها الأمريكيون يبنون مجموعات ضخمة من شرائح «بلاك ويل» الجديدة من «إنفيديا»، ما سيخلق قوة حوسبة تهدد بخلق فجوة جديدة مع المنافسين الصينيين.
وهذا الأسبوع قالت «أوبن أيه آي» إنها دخلت مشروعاً مشتركاً مع «سوفت بنك» اليابانية، أطلق عليه اسم «ستار جيت»، مع خطط لإنفاق 100 مليار دولار على بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في أمريكا، كما أن شركة xAI التابعة لإيلون ماسك توسع بشكل كبير جهازها الفائق «كولوساس» ليشمل أكثر من مليون وحدة معالجة رسومات لتدريب نموذجها «جروك».
وقال شريك ليانغ التجاري: «ديب سيك» لديها واحدة من أكبر مجموعات الحوسبة المتقدمة في الصين.
لديها سعة كافية الآن، وليس لفترة أطول.
