ترامب ضد باول.. معركة تهدد مكانة الدولار

كاتي مارتن

قد يضطر «حراس السندات» إلى إلغاء خططهم لقضاء الصيف، إذا واصل دونالد ترامب هجومه المتهور على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في محاولة منهم للحفاظ على دورهم كدرع تحمي أهم بنك مركزي في العالم.

لم يكن انعدام ثقة ترامب في هذه المؤسسة الرصينة خافياً على أحد؛ فهو في جوهره رجل عقارات يميل إلى ما يراه في المزايا المفترضة لمعدلات الفائدة المنخفضة، ومع الضرائب المرتفعة على الواردات، يشكل هذان العنصران الركيزتين الأساسيتين لرؤيته الاقتصادية.

لذلك كان أمراً صادماً ومثيراً للقلق ومخالفاً للأعراف، وإن لم يكن مفاجئاً تماماً، أن نشهد وابلاً مستمراً من الإهانات وجهها ترامب إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خلال الأشهر الأخيرة.

وكان أحدثها، يوم الأربعاء الماضي، حين قال إن أداء باول في المنصب كان «فظيعاً»، مضيفاً: «أنا مندهش أنه تم تعيينه»، وهو ادعاء غريب، خاصة أن ترامب هو من عينه، وليس خصمه جو بايدن، كما يوحي كلامه.

وقد اعتاد المستثمرون على الإهانات المتكررة، والتهديدات، والمناورات القانونية التي يستخدمها ترامب وإدارته، بهدف إقصاء باول وتعيين شخص مطيع مكانه، أما باول، فقد حافظ على رباطة جأشه، مع إصرار شديد على البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته في مايو المقبل، بل والاستمرار في عضوية مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعد ذلك.

وتحت قيادته، أبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عند مستوى يزيد قليلاً على 4.25 % طوال العام، رغم رغبة ترامب في خفضها إلى 1 %، وهو معدل لا نراه عادة إلا في أوقات الأزمات، ما قد يجعل الولايات المتحدة، نظرياً، أحد أرخص الأماكن في العالم للاقتراض.

وفي المجمل، تبدو هذه الأحداث كأنها مسرحية هزلية، فترامب يريد إقالة باول، ثم يكتشف أنه لا يستطيع، ثم يقرر لاحقاً أنه لا يريد ذلك أصلاً، وهكذا دواليك، والآن يبدو أن أحدث حيلة هي محاولة إبعاده بحجة التكاليف المرتفعة لتجديد مباني الاحتياطي الفيدرالي.

كل هذا الاستعراض أقرب للرسوم الكاريكاتورية، وهو بالنسبة لترامب مجرد وسيلة مفيدة لتشتيت الانتباه بعيداً عن مشكلات أخرى، وهي، في هذه الحالة، الضغط السياسي المتصاعد، الناتج عن ملفات تتعلق بالراحل جيفري إبستين، المتهم بجرائم جنسية، والتي يبدو أن الرئيس يحرص فجأة على أن ينساها الجميع.

ورغم كل هذه الكوميديا الهزلية، لم يستمتع المستثمرون، فعندما صعد ترامب ضغوطه مجدداً الأسبوع الماضي ملمحاً لنواب الحزب الجمهوري بأن أيام باول في المنصب باتت معدودة، ردت الأسواق بغضب، ودفعت الدولار للأسفل، ورفعت تكاليف الاقتراض طويلة الأجل في خطوة تقول «دعوا رجلنا وشأنه»، وبعد تلقي الرسالة، تراجع ترامب مرة أخرى.

من المحتمل أن الرئيس لا يدرك تماماً ما على المحك هنا، لكن رسالة الأسواق واضحة: إذا نفذت هذا، سينهار الدولار، سواء من حيث قيمته أو من حيث مركزيته في التمويل العالمي.

وسترتفع تكاليف الاقتراض بشدة مع توقع الأسواق لرئيس فيدرالي جديد ينفذ أوامر ترامب ويخفض الفائدة، رغم وجود مؤشرات بأن الاقتصاد بدأ يشعر بألم الآثار التضخمية للتعريفات الجمركية التي فرضها، ليس من مصلحة ترامب أن يفرض هذا التغيير.

ولا أن يختار رجلاً بديلاً لهذا المنصب (كل المرشحين المحتملين ذكور) ليلعب دور السائق الذي يجلس في المقعد الخلفي، إلى أن تنتهي فترة باول، فالمكاسب المحتملة من ذلك هي صفر.

صحيح أن باول لا ينفرد بتحديد أسعار الفائدة، بل يشاركه في ذلك لجنة موسعة من أقرانه، لكن صوت الرئيس يبقى الأكثر تأثيراً بينهم، وخليفة غير كفء يمكنه أن يترك تأثيراً ضخماً على كل شيء، بداية من أسعار الفائدة، وميزانية الفيدرالي، وخطوط المبادلة الطارئة، وحتى طاقم العمل.

وإن افترضنا بقاء باول في منصبه (وهو ما نأمله)، فقد تكون المرحلة المقبلة صعبة إذا قرر الرئيس تعيين شخصية هزلية لخلافة باول في عام 2026.

وحالياً، يبدو أن سوق السندات هو أحد الحواجز القليلة التي تمنع ترامب من تجاوز الخطوط الحمراء. وبالنسبة لهؤلاء المستثمرين، قد يبدو التفاعل مع كل تصريح جديد منه مضيعة للوقت، لكنه يؤدي وظيفة بالغة الأهمية؛ إيصال رسالة لا يحب الرئيس سماعها، وهي «لا».