جون جابر
تضمن خطاب تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة مديحاً للوقود الأحفوري، ذلك «الذهب السائل تحت أقدامنا»، ورغم عمليات النفط والغاز الكبيرة التي تقوم بها شركة بريتش بتروليوم «بي بي» واحتياطياتها في تكساس وخليج المكسيك «أو خليج أمريكا»، يجب عليك الحفر بعمق للعثور على الذهب في شؤونها المالية.
تأتي الشركة البريطانية الآن في المؤخرة من حيث القيمة السوقية مقارنة بشركات الطاقة الكبرى الأخرى، فهي لا تساوي سدس قيمة «إكسون موبيل»، وهي أيضاً أقل من نصف قيمة منافستها القديمة الأنجلو - هولندية «شل».
وأعلنت «بي بي» الأسبوع الماضي أنها ستخفض 4700 وظيفة في إطار جهودها المتجددة، لتكون «شركة أكثر بساطة وتركيزاً وأعلى قيمة».
لكن «بي بي» قدمت الكثير من التصريحات حول مستقبلها على مر السنين، ولديها سجل من الإخفاقات، كما أنها مرت بعدد من الرؤساء التنفيذيين، كان آخرهم موراي أوشينكلوس، الذي اضطر لتأجيل تحديث استراتيجي طال انتظاره للمستثمرين إلى الشهر المقبل لحين التعافي من إجراء طبي.
وجاء أوشينكلوس بعد برنارد لوني، الذي تم فصله في عام 2023 وسط مزاعم بسوء السلوك فيما يتعلق بعلاقاته السابقة مع زملائه. «الأمر أشبه بمسرحية لشكسبير، هذه الشركة محكوم عليها بالفشل»، كما عبّر أحد المخضرمين في «بي بي». لقد عانت بالتأكيد من سلسلة أحداث مؤسفة خلال محاولتها إرضاء المستثمرين والاستجابة لتغير المناخ.
كان أسوأ هذه النكسات هو تسرب نفطي من منصة «ديب ووتر هورايزون» عام 2010، ما أودى بحياة 11 عاملاً، وتسبب في تلوث خليج المكسيك، ما أجبرها على بيع أصول لتغطية فاتورة بقيمة 65 مليار دولار.
واستغرقت الشركة وقتاً طويلاً للتعافي، ويمكن القول إنها لم تتعافَ قط، فلا تزال لديها ديون صافية بقيمة 24 مليار دولار، ووافقت فقط على منصة سادسة في خليج المكسيك العام الماضي، في حقل اكتشفته للمرة الأولى في عام 2006.
ثم جاء وعد لوني قبل 5 سنوات بأن «بي بي» ستقلل إنتاج النفط والغاز بنسبة 40 % بحلول عام 2030، وستعمل على «إعادة تصور الطاقة للناس والكوكب». كان هذا الوعد أكثر جرأة في الخطاب منه في المضمون.
وكانت «بي بي» تتراجع عنه تدريجياً منذ ذلك الحين، حيث أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى إفشال رؤيتها في بناء مزارع الرياح بتكلفة منخفضة.
وكانت الضربة القاضية هي العملية العسكرية في أوكرانيا في عام 2022، ما أجبر «بي بي» على التخلي عن حصتها الأقلية في شركة النفط الروسية «روسنيفت» بتكلفة 25 مليار دولار.
وبعد أن حققت كثيراً من الأموال خلال منتصف العقد الأول من القرن الحالي من «تي إن كيه-بي بي»، مشروعها المشترك مع مجموعة من الأوليجاركية، وتم طردها في النهاية، ومثل الآخرين، فاجأتها روسيا.
لكن الشركات تصنع ثرواتها بنفسها، ولا يمكن أن تدعي «بي بي» ببساطة أنها غير محظوظة. الخيط الذي يربط تاريخها الحديث هو إحساس كبير بالطموح لتحقيق هدف يتجاوز قدرتها على تنفيذه، وبينما تلتزم «إكسون موبيل» بالتعامل مع العالم كما هو، تميل «بي بي» إلى التفكير غير الواقعي.
يعود هذا إلى اللورد جون براون، الذي حول الشركة كرئيس تنفيذي من خلال الاستحواذ على «أموكو» و«أركو» في الولايات المتحدة وإبرام صفقة «تي إن كيه-بي بي».
كما أضفى لمسة فكرية على الاستراتيجية، بما في ذلك فكرة غير مدعومة جيداً بأن «بي بي» ستتجاوز النفط. لم يدم الشعار طويلاً، إلا أن إرثه هو أن كل قائد في «بي بي» يتوق إلى رؤية ما.
«بي بي» ليست شركة رعاة بقر. ويتم إدارة عملياتها بشكل جيد بشكل عام، ورغم إخفاق «ديب ووتر هورايزون»، إلا أنها تأخذ الامتثال بجدية، لكن لديها عقل أكبر من الغريزة، «هناك كثير من الأشخاص الأذكياء هناك».
كما يقول أحد المراقبين، دون أن يعني ذلك كمديح بالكامل. ويصفها آخر بأنها «أشبه بدولة منها بشركة»، تفتقر إلى دافع تحقيق الأرباح الشرس الذي يتمتع به المنافسون.
كانت التزامها بإزالة الكربون مدفوعاً جزئياً بالضغوط الاجتماعية والحكومية بعد اتفاقية باريس لعام 2016 لتقليل الاحتباس الحراري، كما كانت تأمل في جذب الاستثمار من صناديق الاستثمارات المستدامة والمسؤولة بيئياً، والاستفادة من التحول المالي، لكن ذلك فشل ولم تتفاعل بسرعة مثل «شل» في تغيير المسار. لقد تقطعت بها السبل بسبب النتائج المالية السيئة، والاضطرابات التنفيذية، والتردد الاستراتيجي.
تواجه «بي بي» الآن عالماً يقول فيه ترامب لشركات النفط: «احفروا يا أعزائي، احفروا»، ويسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، في الوقت نفسه، تتهمها «جرينبيس» بالغسل الأخضر لعدم إزالة الكربون بسرعة كافية، إذا كانت السنوات القليلة الماضية تثبت أي شيء، فهو أنه من المستحيل إرضاء كلا الجانبين، خاصة كشركة طاقة يقع مقرها الرئيس خارج الولايات المتحدة.
قبل 3 أشهر من حادثة «ديب ووتر هورايزون»، تجاوزت قيمة «بي بي» السوقية، لفترة وجيزة، قيمة «شل»، لكنها الآن متأخرة كثيراً. وسيكون هناك العديد من المصرفيين الذين يتساءلون عما إذا كان بإمكانهم ترتيب عملية اندماج أو استحواذ.
إذا كانت «بي بي» ستظل مستقلة، فيجب أن تظهر للمستثمرين أنها قادرة على تحقيق الأشياء، بدلاً من التحديق في المستقبل. هناك شيء اسمه «لا تكن ذكياً أكثر من اللازم»، فلا داعي لتعقيد الأمور بشكل غير ضروري.