السوق أخطأ بشأن الفائدة في 2025

ثانوس باباسافاس - مؤسس شركة «إيه بي بي إنفست» ورئيسها التنفيذي

رغم الضجيج المثار حول عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أنه ما زال هناك تفاوت كبير بين التحفيز المتوقع على نطاق واسع للنمو تحت إدارة الرئيس، والتقديرات حول أسعار الفائدة الأمريكية.

وأثار آخر اجتماع عقده مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر قلق الأسواق، بسبب التوقعات «المتشددة» حول احتمال حدوث المزيد من الخفض في أسعار الفائدة. وعدلت الأسواق توقعاتها إلى خفضين للفائدة بدلاً من أربعة خلال 2025. وحول التوقيت ترجح الأسواق الآن احتمالاً بنسبة 25% أن يقرر الفيدرالي خفض الفائدة في اجتماع مارس، وترتفع هذه الاحتمالية لأكثر من 60% في اجتماع يونيو، وتقارب 84% في اجتماع ديسمبر. وبصفة عامة تتوقع السوق خفض الفيدرالي للفائدة بنحو 0.40 نقطة مئوية.

لكننا لا نتفق مع هذا الرأي، ولا نعتقد أن الفيدرالي سيخفض الفائدة في 2025، ولا نعتقد حتى أنه انتهى من رفع الفائدة. في حقيقة الأمر نتوقع أن تؤدي مرونة اقتصاد الولايات المتحدة، وسياسات ترامب إلى دفع توقعات التضخم إلى الارتفاع، وستجبر جيروم باول، رئيس الفيدرالي، على رفع الفائدة اعتباراً من اجتماع شهر سبتمبر فصاعداً. وتستند رؤيتنا إلى ثلاثة عوامل، أولها الاقتصاد الأمريكي. تشير المؤشرات الاقتصادية، والبيانات المتعلقة بثقة المستهلكين، وأرباح الشركات، ونشاط الخدمات، إلى أن الشركات كانت في طور واضح للتوسع منذ أغسطس الماضي.

وفيما يتعلق بالتوظيف تشير كل القطاعات الاقتصادية إلى تحليها بالمرونة. وتاريخياً، وباستثناء عام 1973، كانت هناك ثلاثة قطاعات تنبئ بوقوع ركود، وهي التصنيع، والتشييد السكني، وخدمات المساعدة المؤقتة. وباستثناء تلك الأخيرة يبدي القطاعان الآخران مرونة كبيرة، ما يقلل احتمالية ضعف اقتصاد الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع البطالة.

أما قطاع «المعلومات»، الذي يغطي مجالات مثل النشر والاتصالات، وهي أكثر ارتباطاً بمجتمع اليوم المعاصر خلافاً لما كان الوضع عليه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فقد ظل معدل الوظائف الجديدة مستقراً عند نسبة تقل عن الذروة الدورية الأخيرة بما يتراوح بين 3% و4%، وهي أفضل حالاً مقارنة بشهر أكتوبر عام 2023. وإجمالاً يظل التوظيف مرناً دون وجود أي نذير بضعف اقتصادي وشيك قد يؤدي إلى ركود، وسيظل التضخم الأمريكي هذا العام في نطاق يراوح بين 2.5% و3.5%، سواء بمساعدة الفيدرالي أو دونها.

والآن دعونا نلقي نظرة على العامل الثاني، وهو سياسات ترامب، والتي عندما نضيفها إلى الاقتصاد المرن فإننا نتوقع أن يؤدي ذلك إلى رفع معدلات الفائدة. وبالنسبة لـ«مجهولات المعلومة»، أي السياسات التي سينفذها ترامب، ومدى صرامته في تنفيذها، ومتى سينفذها، إن فعل، فقد أضفى حفل التنصيب بعض الصبغة على المشهد، لكنه لم يضف أي وضوح. رغم ذلك فإن القاسم المشترك هو أن كل السياسات قيد النظر يحتمل أن تكون تضخمية، مثل التخفيضات الضريبية لزيادة الإنفاق المالي، والتعريفات الجمركية، وتخفيف القيود التنظيمية لتعزيز النمو، وترحيل العمال المهاجرين غير المسجلين.

ويقودنا هذا إلى السبب الثالث، وهو مصداقية الفيدرالي، فإذا لم يؤدِ الجمع بين الاقتصاد الأمريكي وسياسات ترامب إلى دفع الضغوط التضخمية إلى الارتفاع، سواء لأن الاقتصاد سجل أداء أقل من المتوقع، أو لأن مرشح وزير الخزانة سكوت بيسنت شجع ترامب على تبني سياسات أكثر تقليدية، فإننا لا نرى أن الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى رفع الأسعار، لكن إذا تمكن الاقتصاد الأمريكي من تلقاء نفسه، أو بالاشتراك مع سياسات ترامب، من زيادة ضغوط التضخم، والأكثر أهمية، إذا ارتفعت التوقعات بشأن ازدياد الأسعار، فسيتخذ الفيدرالي في هذه الحالة إجراء فورياً، وسيكون ذلك في البدء عن طريق تبني خطاب متشدد (موجه إلى كل من الأسواق وصانعي السياسة خلف الكواليس)، وسيتبع ذلك تشديد للسياسة النقدية.

ومن أجل تفصيل هذه النقطة فإننا نتوقع أن ينصت الفيدرالي ويراقب الوضع في الربع الأول من هذا العام، وأن يحذر من التشديد المحتمل في الربع الثاني، وأن يتخذ القرار في الربع الثالث.

كان الفيدرالي متأخراً للغاية في الفترة بين عامي 2020 و2021، في تصديه للتضخم، ما أدى إلى التحول الشائن الذي اتخذه باول في ديسمبر 2021، أما هذه المرة فليس بإمكان باول المخاطرة بفعل هذا للمرة الثانية، لذلك سيكون الاحتياطي الفيدرالي محافظاً للغاية، وسيختار السيطرة على التضخم على حساب التوظيف، إذا اضطر إلى اتخاذ القرار. علاوة على ذلك وربما يكون هذا أكثر إثارة للجدل، فإننا نعتقد أن الرئيس التالي للفيدرالي، الذي سيحل محل باول في مايو من العام المقبل، سيظل محافظاً في سياسته النقدية رغم أنه سيكون معيناً من قبل ترامب.

رغم ذلك سيعد الرئيس التالي للفيدرالي العدة للتغيير اللاحق لمستهدف التضخم، ليكون 3% بدلاً من 2% في خضم «المراجعة الإطارية» الثالثة للمصرف المركزي في عام 2030. وسيقتضي تأثير التوترات الجيوسياسية والحاجة إلى معالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية مستوى تخضم أعلى بشكل طفيف، لضمان التوظيف الكامل، ومن شأن ذلك أن يمهد الطريق لمصارف مركزية أخرى لتحذو حذو الفيدرالي.