أنجلي رافال
يتعرض المسؤولون في القطاع الحكومي لانتقادات مستمرة من قادة القطاع الخاص، حيث يرون أن البيئة التشريعية والتنظيمية الحالية لا توفر الحوافز الكافية لدعم نمو شركاتهم وتوسعها. رغم ذلك قد يحتاج كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع الشركات إلى مراجعة أوضاعهم الداخلية، وتقييم سياساتهم المؤسسية عند البحث عن حلول لمشكلة الركود الاقتصادي وضعف النمو.
ويُعد امتلاك الثقة اللازمة لاتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، خاصة خلال فترات الركود الاقتصادي، عاملاً أساسياً لتحقيق النمو في عالم الشركات، غير أن الإقدام على المخاطرة في ظل الظروف غير المستقرة أصبح أكثر تعقيداً في السنوات الأخيرة، حيث يجد المديرون التنفيذيون أنفسهم في مواجهة سلسلة متصلة من الاضطرابات، بدءاً من التوترات السياسية الدولية، ومروراً بالتحديات المُتعلقة بالموارد البشرية والقوى العاملة، وصولاً إلى التغييرات الجذرية، التي يحدثها التطور التكنولوجي المتسارع في بيئة الأعمال.
وكشفت دراسة أعدها المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة تراجع سمات الشخصية «الكاريزمية»، والتفكير الاستراتيجي لدى المديرين التنفيذيين منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مقابل تركيز متزايد على الجوانب التنفيذية للعمل. وباستثناء قطاع التكنولوجيا يبدو أن العصر الحالي هو عصر خبراء خفض النفقات وليس المبتكرين.
وأكد نتائج هذا التحليل الخبير النفسي المتخصص في دراسة تأثير غرائز المخاطرة على القرارات التجارية، جيوف تريكي، قائلاً: «نشهد تحولاً عاماً في سلوك المجتمع نحو تجنب المخاطر، خاصة في ظل التحديات المتعددة التي نواجهها من أزمات وأوبئة وحرائق وتغير مناخي، وبشكل خاص منذ جائحة كوفيد».
ويمثل تحقيق النمو المستدام تحدياً كبيراً للشركات، خاصة على المدى الطويل. وتكشف دراسة حديثة أجرتها شركة ماكنزي أن نسبة الشركات المدرجة في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، التي نجحت في تحقيق معدلات نمو تتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمدة تزيد على 30 عاماً لا تتعدى 10 % في عام 2022، ورغم وجود نماذج ناجحة مثل «إير بي إن بي»، و«مايكروسوفت»، و«برغر كينغ»، حيث تمكنت هذه الشركات من الصعود أو إعادة ابتكار نفسها خلال فترات الاضطراب الاقتصادي، ويبقى السؤال: كم من الشركات تسير دون وعي نحو مصير مشابه لشركتي كوداك وبلوكبستر اللتين فشلتا في مواكبة التغيرات التكنولوجية والسوقية؟
ورغم الأداء القوي للشركات الأمريكية في تقارير الأرباح العالمية الأخيرة يكشف استطلاع حديث أجرته شركة ماكنزي، شمل 500 من الرؤساء التنفيذيين وكبار القادة، عن فجوة ملموسة بين الطموحات المعلنة للنمو والقدرة الفعلية على تحقيق الأهداف المرجوة، وكشف الاستطلاع أن 29 % فقط من المشاركين يخصصون أكثر من ثلث وقتهم للمشاريع والمبادرات طويلة المدى، والأكثر إثارة للقلق أن 30 % فقط من القادة يقومون بتوجيه موارد إضافية نحو المشاريع الجديدة ومحركات النمو، خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي، أما فيما يتعلق بالموارد البشرية، فتبدو الصورة أكثر قتامة، إذ أعرب 8 % فقط من المشاركين عن ثقتهم بقدرة مؤسساتهم على استقطاب المواهب المطلوبة.
تكشف نتائج استطلاع، أجرته شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» عن صورة قاتمة للغاية في المملكة المتحدة، حيث أعرب ثلث الرؤساء التنفيذيين البريطانيين عن شكوكهم في قدرة شركاتهم على البقاء اقتصادياً خلال السنوات العشر المقبلة، ناهيك عن تحقيق النمو المنشود.
ويمتلك قادة الأعمال مبررات وجيهة لإلقاء اللوم على البيئة المحلية في فشلهم بتحقيق النمو، بدءاً من عدم الاستقرار السياسي، وصولاً إلى العقبات التي تعترض التوظيف والاستثمار، كما أسهمت عوامل أخرى مثل ارتفاع أسعار الفائدة، والتوترات الجيوسياسية، والمخاوف التنظيمية في تراجع حاد في صفقات الاندماج والاستحواذ خلال السنوات الأخيرة.
وفي حين يرى كثيرون أن الحل لضعف النمو يكمن في التبني الشامل لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذا التوجه وحده لن يحل مشكلة العقلية المترددة، فغياب الثقة يقلل احتمالية إقدام القادة على اتخاذ خطوات جريئة مثل عمليات الاستحواذ، أو الاستثمار في أسواق جديدة، أو تبني التحول الرقمي، أو إدارة التغيير الجذري، أو قيادة مؤسساتهم نحو آفاق النمو المستدام.
يؤدي التراجع المستمر في متوسط المدة، التي يقضيها الرؤساء التنفيذيون في مناصبهم إلى تعزيز توجههم نحو التركيز على النتائج قصيرة المدى بدلاً من الالتزام بالاستثمارات طويلة الأجل. وهذا يفسر لماذا يتردد كثير من القادة في تخصيص موارد كافية للبحث والتطوير، كما يفسر فشلهم في بناء ثقافة مؤسسية تشجع الإبداع وتكافئه. وقد أدت الإخفاقات المؤسسية الكبرى، التي شهدتها السنوات الأخيرة، والتي كان لها تأثير مدمر على الجانبين المالي والسمعة، إلى تنامي نفوذ إدارات الامتثال والشؤون القانونية والعلاقات العامة بشكل غير مسبوق.
في هذا السياق يفترض بمجلس الإدارة الاضطلاع بدور محوري كحارس للمصالح طويلة الأجل للمؤسسة، من خلال المساعدة في تحديد وتجاوز العقبات المختلفة، مثل ضعف نظام تطوير المواهب، وتأهيل القيادات المستقبلية، غير أن العديد من أعضاء مجالس الإدارة أنفسهم باتوا يخشون التدقيق والمساءلة - سواء من أقرانهم أو المساهمين أو وسائل الإعلام - مما يدفعهم في كثير من الأحيان إلى تعيين مستشارين قانونيين خاصين بهم، بشكل منفصل عن المديرين التنفيذيين للشركة. وفي هذا الصدد يقول أحد محامي التحقيقات في المملكة المتحدة: «الجميع أصبح يشعر بالقلق الشديد من احتمال ارتكاب أي خطأ، مهما كان صغيراً».
لا شك في أن التركيز على تحقيق نمو محدود على حساب مصالح الموظفين أو المجتمع ككل يعد مقاربة غير مجدية. في المقابل هناك قيمة حقيقية في تبني نموذج موسع يؤدي إلى تحريك طاقات المؤسسة، وتوحيد جهود الموظفين خلف رؤية مشتركة، ورفع سقف الطموحات الجماعية.
هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى تعظيم القيمة للمساهمين، ومساعدة الشركات في استقطاب أفضل المواهب، وتعزيز الابتكار، وخلق المزيد من فرص العمل، لذا يتعين على قادة الأعمال، الذين يوجهون انتقاداتهم لجمود السياسات الحكومية أن يحرصوا على عدم الوقوع في نفس المطبات، التي ينتقدونها.