هل تنجح الصين ببلوغ هدفها للنمو في منتصف العام؟

ويليام ساندلوند – كيت دوغيد – فالنتينا رومي

تُنشر اليوم أرقام الناتج المحلي الإجمالي للصين عن النصف الأول من عام 2025، وهو ما سيوفّر مؤشراً جديداً عن مدى تأثير الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاقتصاد الصيني.

ورغم التوترات التجارية والضغوط الانكماشية، يُتوقّع على نطاق واسع أن تسجل البلاد رقماً قوياً، إذ لا تزال توقعات استطلاع أجرته وكالة «بلومبرغ» لآراء عدد من الاقتصاديين تشير إلى أن الصين ستحقق نمواً بنسبة 5.3% خلال الأشهر الستة الأولى من العام، وهو ما يتماشى مع هدف الحكومة المعلن بـ«نمو بحدود 5%» خلال عام 2025.

لكن هذا النمو القوي قد تم تعزيزه بـ«أنشطة التحميل المسبق»، حسبما أوضح دويتشه بنك في مذكرة حديثة، فقد دفعت التعريفات الجمركية الحقيقية والمتوقعة من جانب ترامب الشركات في جميع أنحاء العالم إلى تسريع الشحنات وزيادة الطلبات قبل دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، مما عزز الأرقام الاقتصادية قصيرة الأجل في الاقتصادات المعتمدة على التصدير مثل الصين.

لذلك، فإن التوقعات السائدة حالياً تشير إلى أن البلاد لن تحقق نمواً بنسبة 5% خلال العام بأكمله، إذ تُقدّر التوقعات – بحسب بلومبرغ – أن يصل النمو السنوي إلى 4.6% فقط. كما أكدت بيانات الأسعار الأخيرة أن الصين لا تزال تواجه ضغوطاً انكماشية، في وقت تظل فيه مستويات الطلب في الاقتصاد ضعيفة.

ورغم تزايد الحديث بين المحللين عن الحاجة إلى «إصلاحات على جانب العرض» لمعالجة بعض جوانب المنافسة السعرية الحادة التي تُسهم في الانكماش، فإن هذه الجهود قد لا تنجح في تحفيز الطلب في اقتصاد ما زالت ثقة المستهلكين فيه عند مستويات متدنية قياسية، وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن المكتب الوطني للإحصاء. فقد تراجعت ثقة المستهلكين في عام 2022 إثر انهيار سوق العقارات والقيود الصارمة التي فرضتها جائحة كورونا، ولم تُظهر أي بوادر تعافٍ حتى الآن.

في المقابل، من المتوقع أن تُسجّل الولايات المتحدة ارتفاعاً في معدلات التضخم خلال شهر يونيو، ما قد يُقلّص فرص إقدام الفيدرالي الأمريكي على خفض معدلات الفائدة في وقت لاحق من العام.

ويُصدر مكتب إحصاءات العمل الأمريكي اليوم تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر يونيو، والذي يُتوقع أن يُظهر ارتفاعاً في المعدل السنوي الرئيسي إلى 2.6%، مقارنة بـ2.4% في شهر مايو، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة «بلومبرغ» لآراء عدد من الاقتصاديين. كما يُنتظر أن تُسجّل القراءة الأساسية –التي تستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة – ارتفاعاً أيضاً، إذ يُتوقّع أن يبلغ معدلها 2.9% في يونيو، مقارنة بـ2.8% في مايو.

ويُواصل مسؤولو الفيدرالي التأكيد على أن التضخم يبقى دون المستويات المستهدفة، إلا أنهم يحتاجون إلى مزيد من الأدلة قبل اتخاذ قرار بخفض تكاليف الاقتراض. وتشير تسعيرات الأسواق الآجلة حالياً إلى احتمال تنفيذ خفضين لمعدلات الفائدة قبل نهاية العام، مع تسعير لأول خفض بحلول شهر أكتوبر، لكن عدداً من المحللين لا يزالون غير مقتنعين، وقد يتغير المشهد بناءً على بيانات التضخم المرتقبة.

ويرى محللو بنك «بي إن بي باريبا» أن بيانات يونيو ستكون أول مؤشر واضح على تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على معدلات التضخم. وظلت معدلات الرسوم الفعلية، التي تشمل كلاً من الرسوم الاسمية على المنتجات والضرائب المفروضة على مدخلات الإنتاج، مستقرة في شهري أبريل ومايو، لكنها ارتفعت في يونيو مع بدء تمرير الشركات لكلفة هذه الرسوم إلى المستهلكين.

وكتب محللو «بي إن بي باريبا» أن «تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر يونيو يُعدّ الأول من بين ثلاثة تقارير تسبق اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في سبتمبر، والتي ستُسهم في تشكيل تقييم اللجنة لمدى مرور الرسوم الجمركية إلى الأسعار، وستؤثر بشكل كبير على قراراتها بشأن سياسة معدلات الفائدة». وأضافوا: «نعتقد أن تأثير مرور الرسوم الجمركية بشكل واضح خلال فصل الصيف، والمخاطر المرتبطة به، سيُبقي الفيدرالي في حالة ترقّب دون اتخاذ إجراءات حتى نهاية العام».

وبالنسبة لبريطانيا، يُراقب المستثمرون عن كثب بيانات التضخم التي ستُنشر غداً الأربعاء، لتقييم المسار المحتمل لمعدلات الفائدة قبيل قرار بنك إنجلترا بشأن السياسة النقدية الشهر المقبل. ويتوقع اقتصاديون استطلعت وكالة «رويترز» آراءهم أن يرتفع معدل التضخم السنوي في بريطانيا إلى 3.5% خلال شهر يونيو، مقارنة بـ3.4% في مايو، وهو ما يتجاوز بكثير الهدف المحدد من بنك إنجلترا والبالغ 2%.

ومن المتوقع أن ينخفض تضخم الخدمات –الذي يُعدّ مؤشراً رئيسياً يراقبه البنك كمقياس أفضل للضغوط التضخمية الأساسية– بشكل طفيف إلى 4.6% في يونيو، مقابل 4.7% في الشهر السابق.

وتزايدت المخاوف من الضغوط التضخمية الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء، حيث أفاد اتحاد التجزئة البريطاني بأن وتيرة ارتفاع الأسعار في هذا القطاع تسارعت، ويرجع ذلك جزئياً إلى الأحوال الجوية الدافئة. كما أن ارتفاع أسعار الغذاء قد ينعكس على أسعار المطاعم، في ظل زيادة مساهمات أصحاب العمل في التأمينات الوطنية.

ومن شأن أي قراءة أعلى بشكل ملحوظ خلال شهر يونيو أن تُعيد إشعال المخاوف من ترسّخ التضخم المرتفع في الاقتصاد، ما يُعزّز مبررات الحذر لدى صانعي السياسات النقدية إزاء خفض معدلات الفائدة. غير أن الاقتصاد البريطاني انكمش خلال شهري أبريل ومايو، بعد بداية قوية للعام، ما يشير إلى فقدان الزخم، وقد تُظهر البيانات الرسمية التي ستُنشر الخميس مؤشرات أوضح على تراجع في سوق العمل وتخفيف في ضغوط الأجور. ويتوقع الاقتصاديون أن يتباطأ نمو الأجور الأساسية –التي لا تشمل المكافآت– إلى 5% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في مايو، مقارنة بـ5.2% في الفترة المنتهية في أبريل. كما يُتوقع أن يكشف عدد الموظفين على جداول الرواتب، والذي بدأ في التراجع منذ نوفمبر 2024 بوتيرة متسارعة، عن تأثير تباطؤ النمو وارتفاع الضرائب على سوق العمل.

وقالت إيلي هندرسون، كبيرة الاقتصاديين في بنك «إنفستيك»: «إن استمرار التراجع في ظروف سوق العمل وسط نمو اقتصادي ضعيف من شأنه أن يُخفف ضغوط الأجور، وهو ما سينعكس بدوره على تضخم قطاع الخدمات. ونعتقد أن الارتفاع الأخير في تضخم أسعار الغذاء هو ظاهرة مؤقتة».