حراس السندات يضعون المملكة المتحدة نصب أعينهم

أصبح انعدام الثقة في الاقتصاد البريطاني معدياً، وانتقل من قطاع الأعمال إلى الأسواق المالية. في الأسبوع الماضي، تخلص المستثمرون من سندات الخزانة البريطانية وباعوا الجنيه الاسترليني، مع تزايد المخاوف بشأن الاستدامة المالية للمملكة المتحدة.

وحالياً، تقترب عوائد السندات الحكومية لمدة عشر سنوات من أعلى مستوياتها منذ 16 عاماً. وإذا لم تنخفض، فسيتم خرق القاعدة المالية «الصارمة» التي وضعتها وزيرة الخزانة راشيل ريفز، لتحقيق التوازن في الميزانية الجارية خلال خمس سنوات. ولاستعادة المصداقية، يجب على حكومة حزب العمال أن تعلن بسرعة عن خطط تفصيلية ذات مصداقية لرفع النمو الاقتصادي وكبح الإنفاق.

البيع المكثف الأخير لسندات الخزانة البريطانية اندلع بسبب التطورات في الولايات المتحدة. فقد أدت توقعات التضخم المرتفعة في أكبر اقتصاد في العالم، والمرتبطة بأجندة الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية والبيانات الاقتصادية القوية، إلى رفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وهي المعيار للاقتراض العالمي.

وقد أثار ذلك مخاوف بشأن استدامة الديون في اقتصادات أخرى. لكن الحديث السلبي عن توقعات «الركود التضخمي» في بريطانيا، عقب ميزانية الخريف، التي رفعت الضرائب في أكتوبر الماضي، والمساحة المحدودة التي تركتها ريفز مقابل قواعدها المالية، جعلت المملكة المتحدة هدفاً رئيسياً لحراس السندات.

ما الذي يمكن للحكومة فعله؟ ما لم تبدأ العوائد في التصاعد بشكل خارج عن السيطرة، فإن الإعلانات المتسرعة عن خفض التكاليف أو زيادة الإيرادات في الوقت الحالي تفوح منها رائحة اليأس، بل وقد تدفع العوائد إلى الارتفاع.

وتقلب عوائد السندات، والبيع المكثف الحالي لم يكن فوضوياً. والمقارنة مع إصابة السوق بالذعر الذي أثاره رئيس الوزراء السابق ليز تروس بـ «الميزانية المصغرة» في سبتمبر 2022 بعيدة عن الواقع.

لكن عدم القيام بأي شيء ليس خياراً أيضاً. وطبيعة ترامب تعني أن أسواق السندات العالمية ستظل مثقلة بالمخاطر.

والرسالة الواردة من المستثمرين هي أن ثقتهم في قدرة بريطانيا على خفض التكاليف ورفع النمو في هذه البيئة المتقلبة منخفضة للغاية.

يجب على حزب العمال إذن أن يضع استراتيجية اقتصادية مفصلة، بدلاً من التحدث بشكل غامض عن وفورات الكفاءة المستقبلية والتشجيع على النمو. فقطاع الأعمال والمستثمرون يريدون معرفة كيف ستتحسن آفاق بريطانيا بشكل ملموس على المدى القريب.

هذا يعني أنه يجب على الحكومة في بريطانيا مضاعفة الجهود لإزالة العوائق أمام التوظيف والاستثمار وتوسع الأعمال. وتعتبر الخطط التي أعلنت أول من أمس عن إنشاء «مناطق نمو» للذكاء الاصطناعي بداية جيدة. لكن قطاع الأعمال يريد أيضاً أن يعرف كيف ستسرع الإصلاحات المعلنة لنظام التخطيط الحضري عمليات البناء في جميع أنحاء البلاد.

وتعد الاستراتيجية الصناعية - المقرر وضعها في الربيع - أيضاً فرصة لتحفيز الثقة من خلال تحديد سلسلة مشاريع للبنية التحتية الرئيسية، وخطط طموحة لتحسين اقتناص المواهب ذات المهارات العالية. ويمكن لريفز تحديد نواياها بشأن الإعفاءات الضريبية والتبسيط قبل ميزانية الخريف، التي ستكون الحدث المالي الرئيسي هذا العام. فقد يساعد ذلك في تحفيز شهية الأعمال.

رغم ذلك، سيبحث متداولو السندات عن دليل على وجو تحسن قريب للوضع المالي لبريطانيا أيضاً.

ووزيرة الخزانة محقة في استبعاد المزيد من الزيادات الضريبية، التي ستكون كارثية بالنسبة للثقة. لكن هذا يعني أنه يجب أن يكون حزب العمال مستعداً لتحقيق وفورات في المجالات ذات التكلفة العالية، والحساسة سياسياً، مثل إعانات الرعاية الاجتماعية، والخدمة المدنية، ومدفوعات معاشات التقاعد.

في الواقع، إذا لم تتحسن الحسابات المالية بشكل ملحوظ، فيمكن للحكومة إجراء تخفيضات لتضاف إلى التوقعات التالية لمكتب مسؤولية الميزانية في 26 مارس.

ويعتبر ارتفاع عوائد السندات بمثابة جرس إنذار. يجب على حزب العمال أن يحافظ على هدوئه، ويتجنب الإعلانات المتسرعة، لكن لا يمكنه الاستمرار بالطريقة البطيئة والغامضة التي بدأ بها. لقد حان الوقت كي توضح الحكومة البريطانية - بسرعة وبالتفصيل - استراتيجيتها لتحقيق النمو وخفض التكاليف.