التغيّرات المناخية تشعل فاتورة الكوارث الطبيعية في العالم

لي هاريس

أعلنت مجموعة ميونيخ ري الألمانية، وهي أكبر شركات إعادة التأمين عالمياً، أن عام 2024 شهد خسائر قياسية ناجمة عن الكوارث الطبيعية، فقد تجاوزت قيمة الأضرار الناجمة عن الأعاصير والحرائق والكوارث الأخرى 320 مليار دولار، ما يمثل زيادة بنحو الثلث مقارنة بعام 2023.

ويعزى هذا الارتفاع إلى عاملين رئيسين: التغيرات المناخية التي تزداد حدتها عاماً بعد عام، والتوسع العمراني في مناطق معروفة بتعرضها للظواهر الجوية العنيفة، ما يزيد حجم الخسائر المحتملة.

ووفقاً لبيانات «ميونيخ ري»، تحملت شركات التأمين قرابة 140 مليار دولار من إجمالي خسائر الكوارث الطبيعية. وتعد هذه التكلفة هي الأعلى التي يتكبدها قطاع التأمين منذ الكارثة الثلاثية التي ضربت الولايات المتحدة عام 2017، حين تسببت سلسلة من الأعاصير القوية، وهي هارفي وإرما وماريا، في خسائر غير مسبوقة.

ورغم أن نسبة الخسائر المغطاة بالتأمين وصلت إلى 40%، وهي أعلى من المعدل التاريخي المعتاد البالغ 30%، إلا أن هناك ما يسمى بـ«فجوة الحماية التأمينية»، أي الخسائر غير المؤمَّن عليها، التي لا تزال كبيرة. ونتيجة لارتفاع قيمة التعويضات التي تدفعها، بدأت شركات التأمين في الانسحاب من المناطق الأكثر عرضة للكوارث.

في المقابل، ارتفعت أسعار وثائق التأمين على الممتلكات والحوادث بشكل كبير، ما ساعد شركات التأمين في تعويض الزيادة في مدفوعات التعويضات.

وأوضح ديفيد فلاندرو، رئيس قسم تحليل الصناعة في وحدة وساطة إعادة التأمين بمجموعة «هاودن»، أن القطاع تمكن من «استيعاب» تداعيات عام 2024 رغم الارتفاع الحاد في المطالبات. وشهدت منطقة أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي النصيب الأكبر من الخسائر العالمية، حيث تكبدت وحدها خسائر بقيمة 190 مليار دولار، أي ما يعادل ثلثي الخسائر العالمية. وجاءت هذه النسبة المرتفعة غير المعتادة نتيجة مباشرة لإعصارين مدمرين - ميلتون وهيلين - اللذين ضربا ولاية فلوريدا خلال فترة قصيرة لم تتجاوز أسبوعين.

وللمرة الأولى، تجاوز ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، ما أدى إلى تزايد الظواهر الجوية المتطرفة. نتيجة لذلك، يتوقع العلماء أن يدخل عام 2024 السجلات التاريخية كأشد الأعوام حرارة على الإطلاق.

وفي هذا السياق، لفتت شركة ميونيخ إلى أن الظواهر الجوية التي كانت تعتبر ثانوية، مثل العواصف الرعدية، باتت تتسبب مجتمعة في أضرار تعادل ما يخلفه إعصار عنيف، وذلك إضافة إلى الكوارث الطبيعية الكبرى المعتادة مثل الأعاصير.

كما كشف التقرير عن حجم الدمار الذي خلفته سلسلة عواصف رعدية مصحوبة بأعاصير في وسط غرب الولايات المتحدة وولاية تكساس مطلع العام الماضي، حيث تسببت في خسائر هائلة بلغت 13 مليار دولار.

وقال توبياس جريم، كبير علماء المناخ في مجموعة «ميونيخ ري»: إن السبب وراء النصيب الأكبر للولايات المتحدة من الخسائر الاقتصادية العالمية يعود إلى عاملين رئيسين، هما وجود عدد ضخم من المشروعات العقارية الفاخرة ومشاريع البنية التحتية باهظة القيمة، إلى جانب تعرض البلاد المتكرر للأعاصير والعواصف الرعدية وغيرها من المخاطر الطبيعية.

وأضاف جريم: «عندما تضرب عاصفة أو فيضان منطقة ما اليوم، تكون الخسائر أكبر بكثير مما كانت عليه قبل 30 أو 50 عاماً، وذلك لسبب بسيط؛ هناك الآن المزيد من المباني والممتلكات، وضواحٍ سكنية جديدة، ومنتجعات سياحية لم تكن موجودة من قبل».

وتابع: «هذا التوسع العمراني هو السبب الرئيس في تزايد الخسائر، وفوق ذلك نشهد تأثيراً متصاعداً لتغير المناخ».

وفي السياق، ذكرت «ميونيخ ري» أن إعصار ياغي الذي ضرب السواحل الجنوبية للصين وفيتنام في سبتمبر الماضي كان الأعنف من نوعه في تاريخ فيتنام منذ بدء تسجيل البيانات المناخية بشكل منهجي.

وخلف إعصار ياغي خسائر مادية ضخمة بلغت 14 مليار دولار، لكن المفارقة أن المبلغ المؤمَّن عليه من هذه الخسائر لم يتجاوز 1.6 مليار دولار فقط، كما كان الإعصار الأكثر فتكاً بالأرواح بين جميع الكوارث الطبيعية في العام الماضي، حيث أودى بحياة نحو 850 شخصاً. ورغم فداحة هذه الخسائر البشرية، إلا أن إجمالي عدد ضحايا الكوارث الطبيعية في 2024 كان أقل بكثير من عام 2023، الذي شهد مقتل 77,600 شخص في زلازل تركيا وسوريا. وبحسب تقرير «ميونيخ ري»، بلغ عدد الوفيات العالمية نحو 11,000 شخص في 2024، وهو رقم أقل من المتوسط السنوي للعقد الماضي البالغ 17,500 ضحية.