مالكوم مور - جورج ستير
تتبارى الشركات في إنشاء محطات صغيرة لكي توضع في مواقع تتراوح بين مراكز البيانات وحتى منصات التنقيب عن النفط
تسعى شركات الطاقة النووية إلى تصغير حجم المفاعلات لتكون بحجم حاويات السفن، في مسعى منها للتنافس مع البطاريات الكهربائية كمصدر للطاقة الخالية من الانبعاثات الكربونية.
وتقود شركة «ويستنجهاوس» سباق تطوير «المفاعلات المصغرة» الذي يستند إلى فكرة أنه يمكن استخدام هذه التقنية كبديل عن مولدات الطاقة التي تعمل بالديزل أو الجازولين، والمستخدمة في مختلف المجالات، بدءاً من مراكز البيانات، مروراً بالمجتمعات النائية التي تفتقر إلى شبكة الكهرباء، وصولاً لمنصات التنقيب عن النفط والغاز.
وقال جون بال، رئيس برنامج «إي فينشي» للمفاعلات المصغرة لدى «ويستنجهاوس»: «في البداية، كانت الفكرة هي أن هناك أجزاء من الاقتصاد يصعب جداً إزالة الكربون منها، خاصة في المجتمعات النائية التي تعتمد على الديزل القابل للنقل، والمكلف للغاية». وتابع: «لكن الاهتمام بالفكرة تزايد لاحقاً، ونعتقد أن هذه المفاعلات ستكون مجالاً مهماً للنمو».
تمر صناعة الطاقة النووية بنهضة، مع سعي الحكومات وشركات التكنولوجيا إلى الحصول على مصادر نظيفة للطاقة للوفاء بالتزاماتهم المناخية. ويجري العمل بالفعل على عشرات المشروعات لتطوير مفاعلات نمطية صغيرة يمكنها توليد نحو 300 ميجاواط.
أما المفاعلات المصغرة، فلديها قدرات توليد أقل كثيراً تصل إلى 20 ميجاواط لكنها كافية لإنارة 20,000 منزل، ومن المرجح أن تعمل مثل البطاريات الكبيرة، وبذلك، لن تكون في حاجة إلى غرفة تحكم أو عمال في الموقع الذي تتواجد فيه. ومن شأن هذه المفاعلات أن تكون قابلة للنقل إلى موقع ما، ثم يتم توصيلها وتترك بعد ذلك لتعمل لأعوام قبل إخراجها من الخدمة وإعادتها للشركة المصنعة لتعيد تزويدها بالوقود.
وفي ديسمبر الماضي، حصلت «ويستنجهاوس» على موافقة الجهات الأمريكية المنظمة للطاقة النووية بشأن نظام تحكم سيسمح بتشغيل مشروع «إي فينشي» من بعد، وتبلغ قدرته 5 ميجاواط، ويستخدم المفاعل، الذي يحتوي على أجزاء متحركة قليلة، أنابيب مليئة بالصوديوم السائل لسحب الحرارة من الوقود النووي ثم نقله إلى الهواء المحيط، ما يمكنه بعد ذلك من تشغيل توربين لتوليد الكهرباء أو ضخه في أنظمة التدفئة.
وأوضح بال: «هدفنا هو أن نكون قادرين على تشغيل المفاعلات من بعد عبر موقع مركزي، لمراقبة المفاعلات التي سيتم نشرها حول العالم».
أما المفاعل، فيستخدم قدراً ضئيلاً من وقود تريسو المغلف بالسيراميك، والمصمم لتحمل درجات حرارة شديدة الارتفاع بدون أن ينصهر.
ومشروع «إي فينشي»، هو أول مفاعل مصغر يتجاوز برنامج اختبار الدراسات الهندسية في مختبر أيداهو الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع أن يبدأ عام 2027، وقد وقعت «ويستنجهاوس» اتفاقاً مؤخراً مع شركة «كور باور»، وهي شركة ناشئة تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها وتسعى لتطوير محطات طاقة نووية بحرية.
ذكر ميكال بو، الرئيس التنفيذي لدى «كور باور»: «يتجه المشروع صوب الحصول على رخصة تشغيل من اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية. ونعتقد أن عام 2029 سيكون الوقت الذي سيكون فيه المفاعل جاهزاً للتشغيل، وسيكون ذلك أسرع وقت يمكن أن تستقبل فيه السوق أي شيء». ويأمل بو أن تبدأ الشركتان في التمتع بسجل طلبات في عامي 2027 و2028.
ولفت بال إلى أن اثنين من الأسواق المستهدفة لمشروع «إيفينشي» هما مراكز البيانات وصناعة النفط والغاز، سواء كانت المفاعلات ستعمل على البر أو في البحر. وأوضح أن القدرة على تشغيل عدة مفاعلات مصغرة جنباً إلى جنب سيجعل مراكز البيانات أكثر مرونة مقارنة بالاعتماد على مصدر وحيد للطاقة.
ورجح إيان فارنان، أستاذ المواد الأرضية والنووية لدى جامعة كامبريدج، استخدام صناعة التعدين للمفاعلات المصغرة هي أيضاً، خاصة في استخراج الكوبالت والمنجنيز ومعادن حيوية أخرى التي كثيراً ما تكون في مواقع نائية.
وشدد على أن المشكلة تكمن في أنه «يجب عليك تكسير 1,000 طن من الصخور لاستخراج طن واحد من المنتج».
وأضاف: «سيغير هذا كيفية إدارة المناجم. نحن نستخدم الديزل حالياً، وبخلاف تكاليفه وكثافته الكربونية، إلا أن لوجستيات نقل الديزل إلى مناطق نائية تجعل الكثير من هذه المناجم غير قابلة للتشغيل. لكنك ستكون قد قمت بحل جانب الطاقة في المعادلة، إن كان بإمكانك تركيب مفاعل يدوم حتى 10 أو 20 عاماً».
كما وظفت شركة «نانو نيوكلير إنرجي» المدرجة في مؤشر «ناسداك»، فارنان، لمساعدتها في تصميم مفاعل مصغر يعمل بمبرد منخفض الضغط، وتأمل في طرح هذا المفاعل في السوق بحلول عام 2031.
وتشمل الشركات الأخرى التي تمكنت من أن تحل في مراكز متقدمة بسباق المفاعلات المصغرة، «بي دبليو إكس تكنولوجيز» المدرجة في بورصة نيويورك وتعمل بالفعل على بناء مفاعلات نووية لتشغيل غواصات البحرية الأمريكية وحاملات الطائرات. وهناك أيضاً شركة «إكس إنرجي» التي جمعت تمويلاً قدره 500 مليون دولار في سبتمبر الماضي من مستثمرين يشملون «أمازون» وكين غريفين، وهو مؤسس صندوق سيداتل للتحوط.
ووقع الاختيار على كلتا الشركتين لمشروع «بيلي»، وهو مشروع تضطلع به وزارة الدفاع الأمريكية لبناء مفاعل نووي محمول يمكن نقله إلى أي موقع على متن طائرة ويمكن أن يعمل لأعوام عديدة قبل نقله من جديد.
رغم ذلك، يرى جاي كلاي سيل، الرئيس التنفيذي لدى «إكس إنرجي»، أن سوق المفاعلات المصغرة «ما زالت ناشئة».
وقال: «ربما نكون استثمرنا بقدر ما استثمر أي جانب في القطاع»، واستطرد: «لكن الاقتصاديات تصبح أكثر إثارة للتحديات كلما عملت على تصغير الحجم. ستكون بحاجة إلى التوسع بقدر أكبر لتصبح المفاعلات المصغرة ذات جدوى اقتصادية».
وذهب بو إلى أن المفاعلات المصغرة قد تكون منافسة من حيث الأسعار بمجرد زيادة قدرات خطوط الإنتاج. وتابع: «إن كان لديك سجل طلبات يتراوح بين 60 و120 مفاعلاً، فسترى الجدوى الاقتصادية»، مضيفاً أن الهدف يكمن في توليد الكهرباء بسعر يتراوح بين 100 دولار و150 دولاراً للميجاواط في الساعة.
وذكر: «هذا ليس تنافسياً على نطاق الشبكة، لكنه شديد التنافسية للموانئ، ومنصات التنقيب، ومنشآت البتروكيماويات، والجزر، والمواقع النائية»، مضيفاً: «إن تكلفة نقل الديزل والوقود إلى هذه الأماكن باهظة للغاية».
رغم ذلك، أشار رونان تانجاي، مدير برنامج السلامة والترخيص لدى الجمعية النووية العالمية، إلى وجود تساؤلات عن كيفية بناء ونقل وتشغيل المفاعلات المصغرة بصورة آمنة.
وما زال يجب على الجهات التنظيمية وضع قواعد حول ما إذا كان يمكن تشغيل المفاعلات المصغرة عن بعد، وبيان كيفية حماية هذه المفاعلات من الهجمات السيبرانية. وهناك حاجة أيضاً إلى قواعد بشأن نقل هذه المفاعلات، خاصة عبر الحدود الوطنية، وما إذا كان يجب إعادة تزويدها بالوقود داخل المصنع أم في الموقع الذي تتواجد فيه. وبالنظر أيضاً إلى صغر حجم هذه المفاعلات، فذلك يجعلها عرضة بصورة أكبر لأن تكون أهدافاً أسهل لسرقة الوقود النووي.
من جانبها، أعلنت «ويستنجهاوس» أن مشروع «إي فينشي» سيخضع لاختبارات تقييم ذاتها التي تطبق على المفاعلات الأكبر حجماً. لكن تانغاي أشار إلى أن الكثير من القواعد التي تطبق على المفاعلات إما أنها «غير متناسبة أو غير قابلة للتطبيق على المفاعلات المصغرة». وأضاف أنه سيكون من الصعب للغاية ضرب هدف صغير كهذا بواسطة ضربة جوية عن عمد.
وذكر: «من المرجح أن تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية معايير سلامة رفيعة المستوى، وعادة ما تضمن مثل هذه المعايير في اللوائح الوطنية»، وقال: «لن يكون الأمر سريعاً. إذا كان الناس يرغبون في إتمام هذا الأمر، فنعم، يمكن فعل ذلك، لكن ذلك سيتضمن الكثير من العمل».