هل تعود لعبة «سقف الدين» الأمريكي للواجهة مجدداً رغم رفعه؟

آيدن رايتر - روبرت آرمسترونغ – هاكيونغ كيم

هناك رؤية جماعية لميزانية ترامب على أنها ستزيد المسار المالي للولايات المتحدة سوءاً، وأن هذا أمر غير جيد. وتتفق هذه المقالة مع هذا الرأي، إلا أن قانون الميزانية، بغض النظر عن سيئاته الأخرى، قلل مخاطر تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها بطريقة مهمة.

فقد تضمن القانون زيادة قدرها 5 تريليونات دولار في سقف الدين، وهي أكبر زيادة قانونية لمرة واحدة في التاريخ، وبذلك يصل الحد الأقصى للاقتراض الأمريكي إلى 41 تريليون دولار.

واستمر انخفاض سعر مبادلة مخاطر الائتمان الأمريكية لسنة واحدة منذ مايو، ليهبط بشدة منتصف الأسبوع الماضي، وهو تحوط مباشر ضد احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها السيادية.

وكان آخر تعليق لسقف الدين الأمريكي قد انتهى في يناير، ما أدى لتحديد سقف الاقتراض عند 36 تريليون دولار. ومنذ ذلك الحين تقوم وزارة الخزانة، الممنوعة من إصدار صافي ديون جديدة، بالإنفاق من رصيدها لدى الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على ملاءة البلاد.

وكان من المتوقع أن ينفد هذا الرصيد في وقت ما أواخر الصيف الجاري. وكما يوحي انخفاض سعر مبادلة مخاطر الائتمان منذ مايو، كانت الأسواق تتوقع بالفعل حلاً، ويبدو أنها راضية عما تم التوصل إليه.

اتخذت زيادة السقف شكلاً مثيراً للاهتمام، حيث يتردد الكونغرس، دون سبب أو منطق واضح، بين زيادة سقف الدين بموجب قانون وتعليقه لفترة ثابتة. وفي الحالة الأخيرة، يصبح مستوى الدين في نهاية التعليق هو سقف الدين الجديد.

وخلال السنوات العشر الماضية، وخصوصاً في الولاية الأخيرة لترامب، اتجه الكونغرس نحو خيار التعليق، تزامناً مع جائحة «كوفيد 19»، التي كانت في منتصف فترة التعليق.

وقد أدت الاستجابات الفيدرالية المختلفة لتلك الأزمة إلى زيادة ديون الولايات المتحدة بمقدار 5.7 تريليونات دولار خلال عامين، وهي أسرع وتيرة اقتراض في تاريخ البلاد بالقيمة الاسمية.

وقد وفرت زيادة الـ5 تريليونات دولار الأسبوع الماضي بعض الراحة للسوق؛ حيث يعرف المستثمرون الآن مدى المساحة المالية المتاحة للحكومة. وقال ألكسندر أرنون، من نموذج «بن وارتون للميزانية»:

من الجيد حقاً أن يكون لدينا زيادة كبيرة وحقيقية في سقف الدين. إنها تزيل الخلافات حول سقف الدين من على الطاولة لبضع سنوات. ومن الجيد رؤية رقم فعلي، بدلاً من التعليق.

لكن، على أرض الواقع، لا تملك الولايات المتحدة مساحة مالية كبيرة. وكما ذكر أرنون، فإن الإنفاق الذي يتضمنه مشروع الموازنة الجديد سيدفع البلاد إلى بلوغ السقف الجديد بسرعة نسبية.

وقد قدر مكتب الموازنة في الكونغرس أن الخطة ستضيف أكثر من 3 تريليونات دولار إلى الدين خلال العقد المقبل، ما يعني أن الولايات المتحدة ستبلغ السقف الجديد بحلول منتصف 2027، لتعود مجدداً لعبة «سقف الدين» للواجهة، ما سيثير استياء الأسواق، في وقت أقرب مما يتوقعه كثيرون.

وننتقل بالمقال إلى موضوع آخر، وهو أسواق النحاس، التي كانت تتصرف بغرابة لبعض الوقت، فقد أدت تهديدات ترامب الجمركية لزيادة واردات المعدن إلى الولايات المتحدة ورفع السعر الأمريكي، ما أوجد فرصة للمضاربة بين الأسعار الأمريكية والعالمية.

ومنذ يومين، أصبحت التهديدات أكثر وضوحاً، حيث قال ترامب إنه سيفرض تعريفات على النحاس، وإنه يعتقد أن التعريفة ستكون 50%. ولم يتضح متى سيبدأ فرض هذه التعريفة بالضبط، إن بدأت. لكن خلال ساعة، ارتفع سعر النحاس الأمريكي بنسبة 11%، وأنهى اليوم عند مستوى قياسي.

وبحسب آندي كول، من شركة «فاست ماركتس»، فإن نسبة 50% كانت أعلى مما تتوقعه الأسواق، وإن أسعار النحاس في السوق الأمريكية ارتفعت تحسباً.

ورغم ذلك، تحركت أسهم شركات تعدين النحاس الكبرى ضمن نطاق ضيق. وسجلت أسهم شركات التعدين الكبرى المكاسب بشكل محدود أيضاً؛ فشركة «فريبورت-ماكموران»، أكبر منتج للنحاس في الولايات المتحدة، ارتفعت أسهمها بنسبة 2.6%.

وتتسق هذه الحركة المحدودة في الأسعار مع عوامل العرض والطلب، فالولايات المتحدة تمتلك إمدادات كافية من النحاس للأشهر المقبلة. ووفقاً لبيانات «إس آند بي جلوبال»، فقد استوردت أمريكا 44% من احتياجاتها من النحاس المصقول خلال الفترة من 2019 إلى 2023.

ويقدر كول، من «فاست ماركتس»، أن نحو نصف مليون طن ربما تم استيرادها أو هي في طريقها إلى البلاد، وهي كمية كافية تقريباً لتغطية ثلث الاستهلاك السنوي للنحاس في السوق الأمريكي.

واللافت أن أسهم الشركات التي تعتمد على النحاس تحركت بالكاد. صحيح أن أسهم شركات المرافق تراجعت أمس، لكن معظم هذا التراجع كان سابقاً على إعلان ترامب. أما أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تستهلك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التابعة لها كميات هائلة من النحاس، فلم تتأثر.

ويقدر روجان كوين، من مجموعة «روديوم»، أن النحاس يشكل نحو 10% من تكلفة المواد في مشاريع البناء، ومع ذلك لم تبدِ شركات البناء السكني مثل «بولتي» و«لينار» أي رد فعل يذكر. أحد الأسباب المحتملة لذلك هو سبب مألوف ومجهد؛ سوق الأسهم لا يملك معلومات كافية لتقييم تأثير التعريفة، وهذا ما قاله كوين:

سلسلة توريد الأسلاك والكابلات الحالية في أمريكا الشمالية تمر عبر المكسيك والولايات المتحدة وكندا. تستورد أمريكا معظم النحاس المكرر من تشيلي. وغالباً ما ينقل النحاس المكرر من أمريكا إلى كندا ليتحول إلى قضبان نحاسية، قبل إعادة استيراده وتحويله إلى أسلاك وكابلات في أمريكا.

فإذا انتقل النحاس من تشيلي وتم فرض تعريفة عليه قبل دخوله مستودع «كومكس» ثم أُرسل إلى كندا، فهل ستفرض عليه تعريفة مرة أخرى عند إعادة دخوله الولايات المتحدة؟ هناك حاجة إلى وضوح إضافي بشأن تفاصيل التعريفات المتوقعة.

ومن المحتمل أيضاً أن تكون الأسواق تعتقد أن ترامب قد يغير رأيه قبل أن تنفد المخزونات الأمريكية. وكما أشرنا بالأمس، لا يزال الوقت مبكراً.