تيم برادشو
أكد نيكلاس زينستروم، رائد الأعمال والمستثمر التقني البارز وأحد مؤسسي تطبيق «سكايب»، أن الشركات الأوروبية الناشئة لا تزال تمتلك فرصة حقيقية للمنافسة وتحقيق النجاح في قطاع الذكاء الاصطناعي، رغم التفاوت الكبير في حجم التمويل المتاح مقارنة بنظيراتها الأمريكية.
وقال زينستروم، في تصريحات خاصة إن الطريق الأمثل لنجاح الشركات الناشئة الأوروبية يكمن في التركيز على تطوير تطبيقات مبتكرة تستفيد من منصات الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل شركة «أوبن إيه آي»، وشركة «جوجل».
وضرب زينستروم في المقابلة مثالاً توضيحياً لرؤيته قائلاً: «تأملوا ما حدث في قطاعي الهواتف المحمولة والحوسبة السحابية: نجد عدداً محدوداً من مزودي الخدمات السحابية في العالم، لكنهم يمكنون آلاف الشركات من العمل والنمو».
وأضاف: «لا يحتاج الجميع إلى تطوير نموذج لغة كبير خاص بهم... يمكن للشركات خلق قيمة كبيرة من خلال تطوير تطبيقات مبتكرة تعتمد على النماذج القائمة».
وتكتسب تصريحات زينستروم - وهو من أبرز الأصوات المؤثرة في قطاع التكنولوجيا الأوروبي - أهمية خاصة في هذا التوقيت، حيث يتزايد القلق لدى صناع السياسات والمستثمرين في أوروبا من اتساع الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي.
ويشعر كثيرون بالقلق من أن أوروبا قد تعاني مرة أخرى من خطر التخلف عن نظيراتها في وادي السيليكون، حيث تستثمر الشركات العملاقة ذات الموارد المالية الهائلة في تكنولوجيا جديدة قادرة على إحداث تحول جذري، ما يهدد تنافسية القارة وأمنها القومي بشكل كبير.
وأشار زينستروم إلى أن قطاع التكنولوجيا الأوروبي نجح في إنشاء مئات الشركات الناشئة المتميزة التي تتجاوز قيمة كل منها مليار دولار- شركات «اليونيكورن» - كما تمكن من تقليص الفجوة مع الولايات المتحدة في مجال تمويل المراحل المبكرة، لافتاً أن هذا النجاح تحقق رغم عدم امتلاك أوروبا لكثير من البنى التحتية التكنولوجية الخاصة بها.
وتابع: «الشركات الأوروبية قادرة على تطوير منتجاتها وخدماتها باستخدام منصات الذكاء الاصطناعي المتاحة، بغض النظر عن كون هذه المنصات فرنسية أو أمريكية المنشأ».
وكشفت شركة «أتوميكو»، المختصة في الاستثمار والمملوكة لرائد الأعمال السويدي نيكلاس زينستروم منذ عام 2006، في تقريرها السنوي عن «حالة التكنولوجيا الأوروبية» تراجعاً غير مسبوق في ثقة رواد الأعمال الأوروبيين بمستقبل القطاع التكنولوجي في المنطقة خلال عام 2024. وأظهر الاستطلاع الأخير الذي أجرته الشركة أن 40 % من مؤسسي الشركات الناشئة باتوا «أقل تفاؤلاً» حيال مستقبل القطاع التكنولوجي الأوروبي مقارنة بالعام السابق.
ورغم إقرار زينستروم بأن الشركات الناشئة والمستثمرين على حد سواء «واجهوا صعوبات كثيرة» في عام 2024، خصوصاً مع التوقعات التي تشير إلى استمرار تراجع حجم الاستثمارات في القطاع التكنولوجي الأوروبي للعام الثالث على التوالي، إلا أنه يرى أن النظرة التشاؤمية السائدة حول مستقبل المنطقة تتجاوز حدود الواقع.
وأضاف زينستروم: إن المشكلة في أوروبا هي الميل إلى الحديث عن المشكلات دون التركيز على الحلول. واستطرد: هناك مؤشرات وبيانات عدة مشجعة تثبت أننا نقلص الفجوة بالفعل مع الولايات المتحدة، وأن أداءنا يتحسن بشكل ملحوظ. ويشهد قطاع التكنولوجيا في أوروبا تطوراً ملحوظاً، لكن مقارنة مع الولايات المتحدة يكشف فارقاً كبيراً في حجم الاستثمارات الموجهة للشركات الناشئة التي تعمل في الذكاء الاصطناعي.
ووفقاً لتقرير نشرته شركة «أكسيل»، إحدى أبرز شركات رأس المال المغامر، في أكتوبر الماضي، فإن حجم الاستثمارات الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي قد وصل إلى نحو 48 مليار دولار خلال العامين الماضيين. وهذا الرقم يتجاوز بأكثر من خمسة أضعاف مجموع الاستثمارات في أوروبا وإسرائيل مجتمعتين، والتي بلغت نحو 9 مليارات دولار فقط.
وتستحوذ الشركات الناشئة المختصة في تطوير ما يعرف بنماذج «الأساس» على النصيب الأكبر من الاستثمارات في السوق الأمريكي، وهي أنظمة ذكاء اصطناعي باهظة التكلفة ومعقدة تستخدم كأساس لتشغيل روبوتات المحادثة العامة وخدمات إنشاء المحتوى الإعلامي، مثل نموذج «جي بي تي» من «أوبن آيه آي»، في حين تضم أوروبا عدداً قليلاً من الشركات الناشئة المختصة في تطوير نماذج الأساس، مثل شركة «ميسترال» الفرنسية، وشركة «بلاك فورست لابس» الألمانية.
ونجحت الشركات الأمريكية «أوبن إيه آي»، و«أنثروبيك»، و«إكس إيه آي» في جمع تمويلات تتجاوز نظيراتها الأوروبية بعشرات المليارات من الدولارات. في الوقت نفسه، تستثمر شركات التكنولوجيا العملاقة «مايكروسوفت»، و«جوجل»، و«أمازون»، و«ميتا» بكثافة في تطوير نماذج لغوية ضخمة خاصة بها.
ونجحت شركة «أتوميكو» للاستثمار في إنشاء صناديق جديدة بقيمة 1.24 مليار دولار خلال عام 2024، حيث تستثمر الشركة في مشاريع أوروبية تطور نماذج ذكاء اصطناعي مختصة في مجالات محددة. ومن أبرز استثماراتها شركة «كورتي» الدنماركية التي تطور مساعدين رقميين مختصين في القطاع الصحي، وشركة «ديب إل» الألمانية المتخصصة في تقديم حلول الترجمة الآلية المتقدمة.
وأكد زينستروم أن الأمر لا يتوقف عند خمس شركات تعمل على تطوير النماذج اللغوية الكبيرة؛ فهناك كثير من الابتكارات والقيمة المضافة التي يتم تطويرها في مجالات متنوعة من هذا القطاع.
غير أن زينستروم أقر أن «الحكم لا يزال مبكراً» فيما يتعلق بقدرة أوروبا على تطوير نماذج لغوية ضخمة متعددة الأغراض تستطيع منافسة نظيراتها العالمية على المدى الطويل.
وشدد على أن تطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب ثلاثة عناصر أساسية: تمويل ضخم، وكمية هائلة من البيانات، وشبكة واسعة للتوزيع، وهو ما يفسر تفوق شركات التكنولوجيا الكبرى بفضل ميزاتها التنافسية. واختتم بقوله: «في النهاية، الواقع يؤكد أن الأثرياء يزدادون ثراءً».