المملكة المتحدة بحاجة للمضي قدماً في مواجهة التحديات الضريبية

محمد العريان - رئيس كلية كوينز في كامبريدج، ومستشار في شركتي أليانز وغرامرسي

لم يمر وقت طويل بعد الدراما المالية التي شهدتها المملكة المتحدة منذ أيام حتى ظهرت الاستجابة السياسية النموذجية. فقد شهدنا تحولاً سريعاً من التركيز على ما حدث - تفكيك مشروع قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية الحكومي ومشاهد زعزعة استقرار السوق في البرلمان - إلى دراسة كيفية حدوثه.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ الاقتصادي تأجيل معالجة «السبب» في وقت من المتوقع أن تستمر فيه القضايا المالية في جذب اهتمام عالمي كبير، من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة وخارجها، فالسبب الجذري للأزمة المالية التي شهدتها حكومة المملكة المتحدة الأسبوع الماضي كان يتشكل على مدى سنوات. فقد أصاب النمو ركود في ظل تزايد الطلب على الإنفاق العام، بما في ذلك الأمور المرتبطة بالجائحة. ورغم أهمية الضرائب المرتفعة، إلا أنها لم تكن كافية لكبح جماح المديونية، مما زاد من ضعف الاقتصاد أمام تقلبات أسواق السندات الدولية.

وكما حذر مكتب مسؤولية الميزانية منذ ايام، تواجه المملكة المتحدة مخاطر «هائلة» على المالية العامة، إذ يؤدي ارتفاع أعباء ديونها إلى «تآكل كبير» في قدرتها على الاستجابة للصدمات المستقبلية. وفي الوقت نفسه، أدت مساعي المسؤولين الاقتصاديين المتكرر لاستعادة السيطرة على كل من النمو والديناميكيات المالية إلى تآكل كبير في نفوذهم ومصداقيتهم في عملية صنع القرار السياسي.

وليست المملكة المتحدة وحدها التي تعاني من مشاكل مالية. ففي الأسبوع الماضي، أقرّ الكونجرس الأمريكي ما وصفه الرئيس دونالد ترامب بـ«مشروع القانون الضخم والجميل»، وهو إجراء وصفه مستشاره المقرب السابق، إيلون ماسك، بأنه «مجنون ومدمر تماماً». وتبرز قضايا مماثلة في العديد من الاقتصادات الأخرى، بما في ذلك أوروبا، حيث يوجد اهتمام كبير بزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، ولكن التقدم محدود في المبادرات المهمة على مستوى المنطقة.

ومما يزيد الأمور تعقيداً، أن هذا التركيز المالي المتزايد يتزامن مع ظروف اقتصادية ومالية غير مواتية. فقد شهدت مستويات العجز والديون ارتفاعاً تاريخياً، ولم يعد التضخم بعدُ إلى مستوياته المستهدفة من قِبَل البنوك المركزية بشكل مريح. في غضون ذلك، ارتفعت أسعار الفائدة السوقية. ويبدو أن مفاهيم رفع حدود الإنفاق المالي - بما في ذلك تلك التي روّج لها مؤيدو النظرية النقدية الحديثة - أصبحت من الماضي البعيد. ففي ظل بيئة عالمية كهذه، لا سبيل لتهميش القضايا المالية. وبدلًا من محاولة إعادة ضبط الأمور من خلال تحويل الانتباه لأسباب سياسية، تصح الحكومة باستعادة السيطرة على الخطاب المالي في سياق النمو الاقتصادي. ويتضمن ذلك ثلاثة عناصر رئيسية: أولًا، الاعتراف بأن السياقات المحلية والدولية المتغيرة تستلزم إعادة النظر في الوعود الانتخابية المتعلقة بزيادة مصدر أو أكثر من مصادر الإيرادات الأساسية للميزانية: ضرائب الدخل، وضريبة القيمة المضافة، ومساهمات التأمين الوطني للموظفين.

ثانيًا، وضع سياسة الابتكار في صميم استراتيجية نمو أكثر جرأةً وتركيزاً.

ثالثًا، تحسين جودة التواصل الاقتصادي بشكل ملحوظ لضمان تأييد القطاع الخاص للإصلاحات الموجهة نحو النمو. الخبر السار هو أن هناك عوامل إيجابية للحكومة. فالمملكة المتحدة تفتخر بالفعل بريادتها العالمية في ابتكارات معينة، مثل الذكاء الاصطناعي وعلوم الحياة، والتي تحمل وعودًا هائلة لتعزيز الإنتاجية والنمو. ولا يقتصر تحويل هذا الوعد إلى واقع على وضعه في إطار سياسة صناعية رجعية، بل يتطلب، على أقل تقدير، نهجاً مدروسًا ومستدامًا لتوسيع نطاق هذه الابتكارات - خشية انتقالها إلى الولايات المتحدة - واستراتيجية أفضل لربط التجمعات والنظم البيئية.

وعلى الرغم من حالة الترقب التي سادت سوق السندات الأسبوع الماضي، فقد أظهرت الأسواق قدرةً خارقةً ليس فقط على تذكير المستثمرين بأن «الاقتصاد ليس الأسواق»، بل أيضًا على التمييز بشكل جذري بين الحكومة والشركات. وبالتالي، أصبح قطاع الشركات أقل تأثراً من ذي قبل بمخاوف الدين والعجز الحكومي. وتؤكد هذه الظروف ضرورة مضي حكومة المملكة المتحدة قدماً في تحقيق ما لا مفر منه على الصعيدين المالي والنموي، فانتظار توضيح ما يراه غالبية الاقتصاديين زيادات ضريبية لا مفر منها يُهدد بمزيد من الضرر لاستهلاك الأسر واستثمارات الشركات والنمو الإجمالي. وإذا تأخرت في اتخاذ الإجراءات اللازمة، فسيكون من الصعب استغلال نافذة الابتكار الحالية لتحقيق الرفاه الاقتصادي والمالي الشامل، وستصبح الشركات أكثر عرضة للتأثيرات السيادية. هذا آخر ما تحتاجه الحكومة والاقتصاد.