بين الثبات والتباطؤ.. إلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي؟

روبرت أرمسترونج - هاكيونج كيم - إيدن رايتر
كشف تقرير سوق العمل الأمريكي لشهر يونيو – الصادر منذ أيام – عن أداء تجاوز التوقعات، حيث تمت إضافة 147 ألف وظيفة جديدة، في حين تراجع معدل البطالة من 4.2% إلى 4.1%. 

وقد دفعت هذه البيانات القوية المستثمرين إلى تعديل توقعاتهم بشأن خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، وباتت سوق العقود المستقبلية ترجح خفضين فقط حتى نهاية العام الجاري بدلاً من ثلاثة.

كذلك، فقد تراجعت احتمالات خفض الفائدة في يوليو بشكل حاد من 24% إلى أقل من 5% عقب صدور هذه الأرقام.

وعند التمعن في تفاصيل بيانات الوظائف، تتضح صورة أقرب إلى الاستمرارية منها إلى الزخم، إذ انخفضت نسبة المشاركة في سوق العمل بشكل طفيف، مواصلة نمطاً تواصل في الفترة الأخيرة.

والأهم من ذلك أن نمو الوظائف خلال يونيو جاء مدفوعاً في المقام الأول بوظائف القطاع الحكومي وقطاع الرعاية الصحية، في حين سجلت القطاعات الدورية أداءً باهتاً على نحو لافت.

ولأن بيانات التوظيف الشهرية تتسم بالتقلب، يفضل دائماً الاعتماد على المتوسطات في التحليل.

وبالنظر، مثلاً، إلى سلة الصناعات الدورية (البناء والتشييد، والتصنيع، والترفيه والضيافة، والنقل، والعمالة المؤقتة)، نجد أن قطاعي العمالة المؤقتة والتصنيع - رغم ضعفهما الملحوظ - بدآ يشهدان تحسناً طفيفاً، بينما تظهر قطاعات الضيافة والنقل والإنشاءات نمواً إيجابياً لكنه آخذ في التراجع.

وعند جمع كل هذه القطاعات، يبرز تباطؤ واضح في الفترة الأخيرة - لكن فقط بالمقارنة مع الطفرة التي شهدتها هذه القطاعات في أواخر الخريف والربيع، إذ إن المستوى الحالي لنمو الوظائف (نحو 20 ألف وظيفة شهرياً) يتماشى تماماً مع ما شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية.

وبالنسبة للقطاعات غير الدورية، لا يختلف المشهد كثيراً، إذ تشهد القوى العاملة الفيدرالية انكماشاً هذا العام لأسباب معلومة للجميع، فيما تتزايد أعداد العاملين في حكومات الولايات والحكومات المحلية بوتيرة بطيئة، مع استقرار في قطاع الرعاية الصحية.

ويظهر المجموع الإجمالي اتجاهاً نزولياً طفيفاً في الآونة الأخيرة.

وتتماشى هذه المؤشرات مع ما تعكسه المؤشرات الاقتصادية الرئيسية الأخرى، فهي تتسق مع المستويات المنخفضة لعمليات التوظيف والتسريح والاستقالات، ومع الصعوبات المتزايدة التي يواجهها المتعطلون حديثاً في العثور على فرص عمل جديدة.

وفي الوقت ذاته، تواصل أرباح الشركات نموها بمعدلات معقولة، وإن كانت أبطأ مما كانت عليه قبل عام أو عامين.

وتشير تقديرات مؤشر «جي دي بي ناو» الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا وإجماع المحللين إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني سينمو بنحو 2%، وهو معدل يتجاوز بشكل طفيف إمكانات النمو طويلة الأجل للاقتصاد الأمريكي.

وعموماً، يبدو الاقتصاد متماسكاً لكنه يتسم بالجمود باستثناء ميل خفيف نحو التباطؤ. ويتمثل التحدي القادم في موسم إعلان نتائج أرباح الربع الثاني، والذي ستستهله البنوك الكبرى الأسبوع المقبل.

على صعيد آخر، أنهت النسختان الصادرتان عن مجلسي الشيوخ والنواب لقانون الميزانية الإعفاءات الضريبية التي ظلت قائمة لفترة طويلة والمخصصة لتصنيع مكونات الطاقة المتجددة - الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات وغيرها - فضلاً عن الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة.

وقد فعلت نسخة مجلس النواب ذلك بشكل فوري ومفاجئ، بينما اتسمت نسخة مجلس الشيوخ - التي أصبحت الآن قانوناً نافذاً - بالتدرج، حيث تظل المشروعات التي تدخل مرحلة الإنشاء في 2026 مؤهلة للائتمان الضريبي الكامل، فيما تبقى حوافز التصنيع سارية حتى عام 2028.

وقد شهدت أسهم شركات الطاقة المتجددة انخفاضاً عقب إقرار مشروع قانون مجلس النواب، ثم هبطت مجدداً في منتصف يونيو حين بدا أن مجلس الشيوخ سيفرض ضريبة إضافية على قطاع الطاقة المتجددة.

غير أن معظم أسهم هذا القطاع استعادت عافيتها عندما تم تمرير مشروع قانون مجلس الشيوخ بصيغته المكتوبة، وازداد انتعاشها بعد موافقة مجلس النواب على نسخة مجلس الشيوخ، لتتجاوز قيمة العديد من هذه الأسهم الآن مستوياتها التي كانت عليها في بداية عهد إدارة ترامب الجديدة.

وقد حققت الشركات المتخصصة في المشروعات السكنية، مثل «سولار إيدج»، قفزة كبيرة بشكل خاص.

ويقول جوزيف أوشا من مؤسسة «غوغنهايم بارتنرز»: إن نسخة مجلس الشيوخ من مشروع القانون أدخلت أحكاماً تسهل على المشروعات السكنية التأهل للحصول على الائتمان الضريبي، في حين كان الكثيرون يتوقعون أن يقضي مجلس النواب على هذه الأحكام، وهو ما لم يحدث.

بيد أن هناك بعض السحب الداكنة في الأفق، فمن غير الواضح ما إذا كانت مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة ستتمكن من الوفاء بالموعد النهائي في 2027.

وفي هذا الصدد، يقول غلين شوارتز من شركة «رابيديان إنرجي»: «من شبه المستحيل أن تتمكن معظم المشاريع الجديدة من الربط بالشبكة قبل هذا التاريخ، فرحلة الربط تمتد لسنوات في بعض المناطق، وستواجه الشركات العديد من عقبات التصاريح الأخرى».

وستفيد المهلة الزمنية الأطول في المقام الأول المشروعات التي كانت قيد التنفيذ بالفعل.

وينص مشروع القانون أيضاً على حجب الحوافز الضريبية عن شركات التصنيع والتركيب التي تعتمد بشكل مفرط على سلاسل توريد مرتبطة بالصين.

ورغم الدفعة القوية التي قدمتها إدارة بايدن للتصنيع المحلي، إلا أن الصناعة الأمريكية لا تزال تعتمد بدرجة كبيرة على الصين، مع عدم وضوح مدى قدرة الحكومة على مراقبة هذا القطاع بفعالية.

ويأتي هذا الغموض في توقيت سيئ للغاية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي - وللبيئة كذلك. فالولايات المتحدة تواجه طلباً غير مسبوق على الكهرباء، مدفوعاً بالانتشار المتسارع لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.

ووفقاً لجيسي جنكينز من مركز «آردلينجر» للطاقة والبيئة بجامعة برينستون، فإن الغاز الطبيعي يمثل المصدر الرئيسي لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة، وقد وصلت شبكة الإمداد هذه إلى أقصى طاقتها.

ولا يمكن تحقيق المرونة المطلوبة إلا عبر مصدرين: «إما التوسع في بناء منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات، أو الاضطرار للاعتماد بشكل أكبر على محطات الطاقة الأقل كفاءة والأكثر تلويثاً للبيئة.

وما سنشهده في ظل هذا القانون هو تراجع لمشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وارتفاع تكاليفها، مع زيادة الاعتماد على المولدات الحالية الأقل كفاءة، مما سيترجم حتماً إلى تكاليف أعلى وانبعاثات كربونية أكبر».

ويقدر جنكينز أن متوسط تكلفة الطاقة للأسر الأمريكية سيرتفع بنحو 160 دولاراً بحلول عام 2030، وسيصل الارتفاع إلى 280 دولاراً بحلول عام 2035 في ظل هذا القانون.

غير أنه ليس مؤكداً أن الاستثمار في الطاقة المتجددة سيشهد تباطؤاً. فبينما يتوقع عدد كبير من المحللين ذلك، يبدو البعض الآخر أكثر تفاؤلاً، إذ من الصعب تخيل شبكة طاقة مستقبلية تخلو من المزيد من إمدادات الطاقة المتجددة، وذلك لأسباب عدة.

وصحيح أن قانون الميزانية يضع عائقاً أمام تحقيق ذلك، لكننا نأمل أن يكون هذا العائق قابلاً للتخطي والتجاوز.