هل حان وقت التخلص من الانخداع بمرجعية الأرقام؟

جوناثان غوثري

هيا بنا نلعب «نمبر وانغ»! في هذه اللعبة، يلقي فيها المتسابقون أرقاماً اعتباطية كما لو كانت تحمل معنى مهماً، وقد ابتكرت هذه اللعبة في المسلسل التلفزيوني الساخر «ذات ميتشل آند ويب لوك»، الذي عرض على قناة «بي بي سي».

ورغم مرور وقت طويل على عرض المسلسل، إلا أن لعبة التلاعب بالأرقام لا تزال تمارس في الواقع، فقد بدأت الحكومة البريطانية الجديدة ممارسة هذه اللعبة منذ توليها السلطة هذا الصيف، ولم تقتصر على الحكومة فقط، بل انضم إليها المحللون الذين بدأوا في التنبؤ بمستويات السوق في عام 2025 مع اقتراب موسم الأعياد.

وحينما كنت أعمل في تبويب «ليكس»، بالصحيفة، كان الهتاف بـ«هذه لعبة نمبر وانغ» طريقة للتنديد باستخدام الأرقام لتبرير فرضيات ضعيفة، وعادة ما تعتمد مناورة الفرضيات الضعيفة هذه على «التثبيت»، وهو مصطلح في علم السلوك المالي يصف الميل البشري إلى ربط تفكيرنا بشأن أمر ما بأرقام بعينها.

في بعض الأحيان يكون الرقم المرجعي مفيداً، وساق بين كومار، رئيس استراتيجية الأسهم لدى «سفن آي إم»، مثالاً على ذلك، وهو أربع ساعات، هذا هو الهدف التحفيزي الذي يسعى العديد من العدائين الهواة في سباقات الماراثون إلى تحقيقه.

في أغلب الأحيان، لا تكون الأرقام المرجعية في مصلحتنا، حيث يسعى السياسيون ورجال المبيعات في كثير من الأحيان إلى تثبيت تفكيرنا على رقم ثابت، بهدف دفعنا لقبول ما يناسبهم، ويكون ذلك عن طريق «التهيئة»، وهو نوع من التحفيز، وهي خدعة مشابهة، وفيها يقوم الرقم المرجعي بتليين موقفنا تجاه سياسة غير شعبية أو سعر شراء باهظ. لننظر إلى ثلاثة أمثلة من عالم السياسة، وقد وقع اثنان منها العام الجاري:

أول الأمثلة هو ثقب أسود بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني الذي تحدثت عنه وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز، حيث زعمت أن هذا المبلغ هو قيمة العجز المتوقع في المالية العامة، الذي فوجئت به لدى توليها مهام منصبها. وكانت هذه الفجوة مبرراً لفرض زيادات ضريبية حادة.

ولم تعلن ريفز حسابات داعمة لزعمها في البدء، ولم تكن الحسابات مقنعة حينما نشرت، إذ اشتملت على تضخيم مبالغ فيه قدره 5.3 مليارات إسترليني مرتبط بزيادة أجور القطاع العام، ولم تكن حكومة حزب المحافظين السابقة مسؤولة عنه.

المثال الثاني هو الـ«500 مزرعة» التي تحدثت عنها وزارة الخزانة، كانت الحكومة الجديدة تهدف إلى إقناع الجمهور بأنها تفرض ضريبة على المواريث على حفنة صغيرة من الأقلية الثرية من ملاك المزارع. لذلك، انتقت الحكومة رقماً سنوياً من البيانات المتاحة لها.

ورغم أن قرار الحكومة بفعل ذلك كان مصيباً وفقاً لمقياس ضيق، لكنه كان خاطئاً وفق العديد من المقاييس الأوسع نطاقاً.

أما المثال الثالث فهو مبلغ 350 مليون إسترليني، الذي أراد بوريس جونسون توجيهه إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وغالباً ما كان يبالغ رئيس الوزراء الأسبق في بيان الحقيقة.

وفي الفترة التي سبقت التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» في عام 2016، ادعى جونسون أن المملكة المتحدة تدفع 350 مليون إسترليني أسبوعياً إلى الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، فقد ثبّت ذلك التصريح مخاوف الجماهير بشأن تكاليف عضوية الاتحاد الأوروبي بصورة أكثر إقناعاً مقارنة بالرقم الصافي البالغ نحو 175 مليون إسترليني.

ويعد التثبيت والتهيئة استراتيجيات شائعة في عالم التمويل أيضاً، ففي منتصف العقد الماضي، اختبرت كثير من الشركات ذات رأس المال المتوسط اهتمام السوق في المملكة المتحدة بالإدراجات المحتملة عن طريق تحفيز تقارير صحافية بشأن المسألة.

وفوجئت خلال إحاطات غير رسمية بعدد المرات التي حاول فيها مستشارو الاكتتابات العامة الأولية تثبيت عبارة «نحو مليار إسترليني»، باعتباره تقييماً متوقعاً يريدون من الصحفيين إقناع المستثمرين به، وكانت تقييماتي الخاصة، والمترددة، تشير إلى «نحو 890 مليون إسترليني» أو «نحو 930 مليون إسترليني»، كأرقام أقرب إلى الحقيقة.

وكانت مصادر معلوماتي في هذا الوقت تسير على نهج قديم في تقديم التوصيات، وهو تثبيت توقعات المشترين عند مستويات أعلى، وسألت مرة أو مرتين عن المجموعة التي اقترحت تقييماً «نحو مليار جنيه استرليني»، وكانت المصادر تشير بإبهام إلى أنشطة تتضمن شركات مدرجة في الولايات المتحدة، حيث توجد مضاعفات ربحية مرتفعة.

وحالياً، يجهز أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية أحياناً الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا لاكتتاب عام مربح بوسائل مماثلة. يشترون شرائح جديدة من الأسهم بأسعار أعلى من التمويلات السابقة.

وتولد هذه «الزيادات التصاعدية» تقييماً مرجعياً ضمنياً أعلى للشركة بأكملها، حتى لو كانت النسبة المئوية للأسهم المباعة صغيرة جداً بحيث لا تمثل بشكل قاطع الشركة بأكملها.

وبصفتنا مستثمرين أفراد، فإننا نميل إلى ترسيخ تفكيرنا في الاتجاه الصاعد. فمن الألطف بالنسبة لنا أن نفكر بشأن المكاسب وليس الخسائر، ويساعدنا في ذلك محللون محترفون.

يكسب الكثير منهم قوت يومهم بصورة غير مباشرة عن طريق مستثمرين يشترون ويتداولون الأسهم. ومن المرجح أن يميل الناس إلى فعل هذا إذا كانوا يؤمنون بأن الأسهم بمثابة رهان في اتجاه واحد وهو الربح.

قد يساعد هذا الأمر على تفسير السبب وراء توقع شخص واحد فقط في مجموعة من 16 شخصاً جمعت «ياهو فاينانس» آراءهم أن يختتم مؤشر «إس آند بي 500» عام 2025 عند مستويات أقل من 6000 نقطة، وهو المستوى الذي سجله المؤشر بالفعل في منتصف ديسمبر، وكانت التوقعات الأكثر شيوعاً هو تسجيل المؤشر مستوى 6500 نقطة بحلول بداية عام 2026.

يمكن لمثل هذه التوقعات أن تكون خطيرة، إذ قد تجعلك، على سبيل المثال، ترجئ سحب استثماراتك. وبدلاً من ذلك، فإنك تنتظر بصبر بلوغ مؤشر «إس آند بي 500» مستوى 6500 نقطة وهو ما توقعه المحللون اللطيفون لدى «جولدمان ساكس»، لكن ذلك لن يحول دون انخفاض الأسهم من جديد في الوقت نفسه.

وتعد أسعار الشراء نقاط تثبيت سيئة، إذ أن بإمكانها هي أيضاً أن تحفزنا على التمسك بالمكاسب التي قد لا تتحقق. وقال جيوم رامبورج، الذي عمل مديراً سابقاً لدى صندوق تحوط:

«إن السعر الذي دفعته مقابل ورقة مالية لن يكون ذا أهمية بعد شرائك لها». وتابع: «الشيء الوحيد الذي سيهمك منذ ذلك الوقت هو الاتجاه الذي سيسلكه السعر من بعد ذلك».

ولعل سبباً من بين أسباب استمرار احتفاظ حكومة المملكة المتحدة بحصة في مصرف «ناتوست» هو رغبة الإدارات المتعاقبة في تفادي بيع الحصة عند مستويات أقل من السعر الذي اشترت به الأسهم في وقت الأزمة عند نحو 500 بنس.

ويشير التردد إلى أن الوزراء لا يدركون الفرق بين الأسعار الحقيقية والاسمية، ولا يفهمون تكاليف الفرصة البديلة أو الفرق بين الاستثمار والإنقاذ.

رغم ذلك، من الجيد معرفة أن الساسة بإمكانهم تثبيت تفكيرهم بصورة خاطئة على رقم لا صلة له بالموضع حتى وهم يحاولون خداعنا بالحيلة نفسها.