بين الانتعاش والتصحيح المفرط.. إلى أين تتجه الأسواق؟

روبرت أرمسترونج - هاكيونج كيم - إيدن رايتر

يبدو أن الأسواق تميل نحو المخاطرة، فالرسوم البيانية الرئيسية تكشف استمرار هذا الوضع لبعض الوقت حالياً. ولم يكتف مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بالتعافي من صدمة «يوم التحرير» في أبريل الماضي سواء من حيث السعر أم التقييم، بل تجاوز أيضاً ذروة فبراير، عندما كان الذكاء الاصطناعي يعتبر «خيراً مطلقاً»، وكانت التوقعات أن فترة الرئاسة الثانية لدونالد ترامب ستشبه رئاسته الأولى.

ويتزامن انتعاش أسهم الشركات الكبرى مع فروق ائتمانية شديدة الانكماش، وتراجع عوائد السندات، وتوقف صعود الذهب. وأصبح من الصعب رصد أي أثر للمخاوف المرتبطة بالرسوم الجمركية والتضخم الناتج عنها، وتباطؤ الاقتصاد.

وتدهور معنويات الشركات والمستهلكين، وأي شيء آخر، على أي من أسعار السوق. وتؤكد البيانات الداخلية للسوق هذه الصورة أيضاً، فالتكنولوجيا بشكل عام تتصدر المشهد، وقطاع التكنولوجيا الذي يعتمد على المضاربة (أسهم عالية المخاطر) هو المتصدر الأكبر في السوق.

وصعد صندوق «آرك»، التابع لـ«كاثي وود»، ويركز على أسهم التكنولوجيا عالية المخاطر، لأعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، كما ازدهرت استراتيجيات التقلب والزخم المرتفع. وتكشف البيانات الأداء النسبي أن الأسهم ذات التقلبات العالية حققت أداءً متميزاً بشكل عام منذ أواخر 2020، لكن موجة الصعود الحالية تنافس حتى الاندفاع الذي شهدناه خلال فترة التعافي من الجائحة.

والسؤال هو: كيف يمكن تفسير الاتجاهات اللافتة خلال الأشهر الثلاثة الماضية؟ هل تعكس شهية حقيقية ومستدامة للمخاطرة وزخماً مستداماً؟ أم أنها مجرد تعاف من لحظة خوف شديدة؟

حسب التفسير الأول، فإن الذعر من الرسوم الجمركية كان مبالغاً فيه، وإن المقومات الأساسية القوية عادت للسيطرة على الوضع، وإن السوق لديه مجال أكبر للصعود.

أما التفسير الثاني فهو أن السوق يستجيب فقط لانحداره الربيعي الحاد من خلال تصحيح مبالغ فيه بالاتجاه المعاكس. فخلال الفترة من أواخر فبراير حتى منتصف أبريل، بدت الآفاق قاتمة، ولم تكن نزعة ترامب للتراجع عن مقترحاته السياسية الأكثر ضرراً قد ترسخت بعد.

وكان هناك صوت مسموع ببيع الأصول الخطرة في المحافظ الاستثمارية عالمياً. غير أنه منذ ذلك الحين، فشلت السيناريوهات الأسوأ باستمرار في التحقق.

لذا كانت المحافظ شديدة التحفظ، تمت إعادة شراء الأصول عالية المخاطر. إلا أن عملية إعادة التوازن هذه مؤقتة بطبيعتها. وهنا أوجه سؤالي إلى القراء: نود معرفة التفسير الذي تميلون إليه والأسباب التي تدفعكم لذلك؟

وبالنسبة لمبيعات السيارات، أدت مخاوف فرض الرسوم الجمركية إلى ارتفاع مفاجئ في شراء السيارات بالولايات المتحدة مطلع عام 2025، إلا أن هذه الطفرة انتهت الآن، وعدنا إلى مستويات المبيعات الضعيفة لعامي 2023 و2024.

واللافت أن هذا التراجع حدث قبل أن تقدم شركات صناعة السيارات على زيادة أسعارها بشكل واسع النطاق استجابة للتعريفات الجمركية، إذ فضلت اللجوء إلى تدابير أقل إزعاجاً للمستهلك، مثل تقليص العروض التحفيزية.

لكن إلى أي مدى سترتفع الأسعار في الأشهر المقبلة؟ الإجابة تبدو صعبة، ليس فقط لأننا لا نعرف مدى استعداد المصنعين لقبول انكماش هوامش الربح على المدى البعيد (شركتا تويوتا وسوبارو، مثلاً، امتنعتا عن زيادة الأسعار في البداية لكنهما تزيدان الأسعار الآن تدريجياً في السوق الأمريكي). كما أن هناك متغيرات في الرسوم الجمركية نفسها:

كرسوم الصلب والألمنيوم، والاستثناءات المنصوص عليها في اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وغيرها. وللبدء، إليكم تقديرات مؤسسة «كوكس أوتوموتيف» المبنية على افتراضات السياسة التجارية اعتباراً من 3 يونيو:

يشير بنك «باركليز» إلى أن أكثر من نصف السيارات المباعة في الولايات المتحدة تجمّع محلياً، فيما يجمّع 24% منها في كندا والمكسيك. وإذا استوفت هذه المركبات شروط اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

فإن الرسوم الجمركية البالغة 25% ستطبق فقط على المكونات الأجنبية غير المتوافقة، مثل القطع القادمة من جنوب شرق آسيا. وتقدر مؤسسة «كوكس» أن هذا يخفف تأثير الرسوم الجمركية على السيارات من كندا والمكسيك إلى نحو 15%.

أما تأثير رسوم الصلب والألمنيوم فيتراوح بين 600 و1000 دولار للسيارة الواحدة، وفق تقديرات «كوكس»، أي ما يعادل زيادة سعرية تقارب 2% على السيارة متوسطة السعر. ثم يأتي العنصر الأكثر تعقيداً:

أعباء الرسوم الجمركية على قطع الغيار المستوردة والمستخدمة في السيارات المجمّعة داخل الولايات المتحدة. وتقدر «كوكس» هذا العبء بنحو أكثر من 1000 دولار للسيارة الواحدة، غير أن كلمة «أكثر» هنا تنطوي على الكثير من الاحتمالات غير المحددة.

وأخيراً، بطبيعة الحال، يبقى احتمال قيام ترامب بتغيير قواعد الرسوم الجمركية مرة أخرى قائماً. فهل سيكون المستهلكون على استعداد لتحمل ارتفاعات كبيرة في الأسعار؟ صحيح أن أسعار فائدة قروض السيارات قد انخفضت قليلاً، لكنها لا تزال مرتفعة للغاية، وسيتطلب الأمر أكثر من مجرد بضعة تخفيضات في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي لتقترب من مستويات ما قبل الجائحة:

وتظهر حدة ارتفاع أسعار الفائدة في حقيقة أن الرصيد الإجمالي لقروض السيارات القائمة قد انخفض خلال الربع الأول من العام. ولم يحدث هذا سوى مرة واحدة فقط منذ عام 2011، خلال ذروة الجائحة، عندما لم تكن هناك سيارات متوفرة للشراء أصلاً.

في الوقت نفسه، ارتفع متوسط درجة الائتمان لمقترضي السيارات الجديدة منذ عام 2022. ويبدو أن زيادة عمليات الشراء قبل فرض التعريفات الجمركية كانت مدفوعة بشكل أساسي بالمستهلكين الأكبر سناً، ذوي الدخل الأعلى، والأقل خطورة، مقابل المشترين الأصغر سناً وذوي الدخل الأقل.

ولا تزال حالات التأخر في سداد قروض السيارات بين الشباب في أعلى مستوياتها منذ سنوات. وإذا لم يعد المستهلكون الأيسر حالاً بحاجة إلى سيارات جديدة للفترة المقبلة، فقد تجد شركات صناعة السيارات نفسها مضطرة للاعتماد على شريحة من المستهلكين تعاني ضائقة مالية متزايدة.

ولا تزال عملية تقدير الأثر المالي للرسوم الجمركية على متوسط سعر السيارة الأمريكية تكتنفها صعوبات جمة. إلا أن التمويل المرتفع والمستهلكين الواقعين تحت ضغوط مالية في النصف الأدنى من سلم الدخل يعني أن شركات صناعة السيارات في موقف لا يسمح لها بمرونة كبيرة في التسعير.