روبرت أرمسترونج- أيدن رايتر - هاكيونج كيم
تعكس معظم البيانات الرسمية لسوق العمل الأمريكي صورة من الاستقرار والمتانة، حيث تظهر إحصاءات الوظائف الجديدة المضافة شهرياً، نمطاً متماسكاً، يصعب معه تحديد اتجاه تصاعدي أو تنازلي واضح.
وتتعزز هذه الصورة المستقرة، عند النظر إلى مؤشرات الوظائف الشاغرة، والتعيينات والاستقالات والتسريحات، ورغم انخفاض الوظائف الشاغرة والتعيينات قليلاً، مقارنة بما كانت عليه قبل عامين، إلا أنها حافظت على استقرار ملحوظ خلال العام الماضي.
ويتسم كل من معدل البطالة ومعدل المشاركة للفئة العمرية الرئيسة بالثبات نفسه، حيث يبلغان مستويات قوية، مقارنة بالمعدلات التاريخية (4.2 % و83 % على التوالي)، ما يدعم وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأن سوق العمل قوي بما يكفي للتريث في خفض أسعار الفائدة، حتى تتضح تأثيرات الرسوم الجمركية في التضخم.
غير أن هناك مؤشراً رسمياً واحداً يظهر ضعفاً ملحوظاً، فبينما تظل طلبات إعانة البطالة الأولية منخفضة ومستقرة، نجد أن طلبات إعانة البطالة المستمرة - أي الأشخاص الذين ينضمون إلى صفوف العاطلين ويبقون فيها - رغم انخفاضها، إلا أنها ترتفع بوتيرة سريعة.
ويشير هذا الاتجاه إلى أن عدد التسريحات من العمل لا يزال محدوداً، إلا أن من يفقدون وظائفهم يواجهون صعوبة متزايدة في العثور على وظائف جديدة. ورغم أن هذه الأرقام ليست كبيرة بما يكفي للتأثير في الصورة الكلية للتوظيف، إلا أن هذا الاتجاه السلبي يستدعي المراقبة الحثيثة.
وعند الانتقال إلى البيانات الناعمة - أي المستندة إلى استطلاعات الرأي - نجد أنها ترسم صورة مختلفة تماماً، حيث علق سام تومبس من مؤسسة «بانثيون ماكرو» على بيانات الوظائف الشاغرة قائلاً:
«يتعارض الارتفاع في إجمالي الإعلانات عن الوظائف بشكل كامل، مع مجموعة واسعة من الأدلة الأخرى التي تظهر تراجع رغبة الشركات في توظيف المزيد من العاملين.
فقد انخفض مقياس «إنديد» لإجمالي إعلانات الوظائف حتى 20 يونيو، بنسبة 1 % مقارنة بالأسابيع الأربعة السابقة، في حين تشير مؤشرات نوايا التوظيف الصادرة عن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة، واستطلاعات الأعمال للبنوك الفيدرالية الإقليمية، إلى تباطؤ حاد في نمو كشوف الرواتب خلال الربع الثالث».
ويواصل تومبس تحليله، مشيراً إلى تراجع جودة البيانات الرسمية للوظائف الشاغرة بسبب انخفاض معدلات الاستجابة للاستبيانات، وبينما تؤكد بيانات موقع «إنديد» للتوظيف، انخفاضاً في عدد الوظائف الشاغرة، إلا أن هذا الاتجاه التنازلي مستمر منذ عامين.
ولا يمثل تحولاً جديداً، غير أن نتائج استطلاع الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة، تبعث على القلق الحقيقي. كما يرسم استطلاع الرؤساء التنفيذيين الصادر عن «بيزنس راوندتيبل»، صورة قاتمة مماثلة، في ما يتعلق بمستقبل التوظيف.
على صعيد آخر، من المهم الحديث عن أسهم قطاع الرعاية الصحية، والتي شهدت تراجعاً حاداً هذا العام، لتحتل المرتبة قبل الأخيرة في أداء قطاعات مؤشر «إس آند بي 500»، متفوقة فقط على قطاع السلع الاستهلاكية الكمالية.
ويُعزى جزء من هذا الأداء الضعيف، إلى المشاعر السلبية السائدة في السوق، حيث ألقت حادثة اغتيال الرئيس التنفيذي لشركة «يونايتد هيلث كير»، بظلال مخيفة على القطاع.
غير أن الجزء الأكبر من هذا التراجع، يرجع إلى المخاوف المرتبطة بسياسات إدارة ترامب، والتعيينات في المناصب الرئيسة، فقد أثّرت قرارات وزارة الدفاع بتقليص ميزانية المعاهد الوطنية للصحة، وإلغاء ترامب لمنح البحث العلمي للجامعات النخبة.
ومواقف وزير الصحة روبرت إف كينيدي جونيور المتشددة تجاه اللقاحات، بصورة سلبية في أسهم شركات الأدوية. أما المستشفيات وشركات التأمين والشركات المتخصصة في التكنولوجيا الطبية، فكانت تتوقع تخفيضات فيدرالية كبيرة.
وبالفعل، جاء مشروع قانون مجلس الشيوخ الصادر منذ أيام، ليحقق هذه التوقعات، حيث تضمن تغييرات في برنامج «ميديكيد»، وهو برنامج التأمين الصحي الحكومي، الذي يغطي أكثر من 70 مليون شخص ممن يعيشون عند خط الفقر الفيدرالي أو دونه، وكانت هذه التغييرات العنصر الأبرز لخفض التكاليف في مشروع قانون مكلف بصورة عامة.
ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن مكتب الميزانية بالكونغرس - والذي لا يشمل التعديلات التي أُجريت منذ يوم الاثنين - فإن التغييرات في سياسات «ميديكيد»، ستقلص العجز بأكثر من تريليون دولار على مدى عشر سنوات.
وتتضمن أبرز إجراءات خفض التكاليف، تعديل ثغرة ضريبية كانت تستخدمها الولايات للاستفادة من تمويل فيدرالي أكبر، بدلاً من التمويل الحكومي المحلي، لتغطية تكاليف البرنامج.
فضلاً عن تشديد القيود على معايير الأهلية للحصول على التغطية الحكومية، ما قد يؤدي إلى حرمان نحو 16 مليون شخص من البرنامج خلال العقد المقبل، حسب تقديرات المكتب.
وبينما تمثل هذه التغييرات كارثة حقيقية للعائلات والأفراد الذين لن يعودوا مؤهلين للتغطية الصحية، فإن آفاق أسهم الرعاية الصحية تبدو أكثر ضبابية.
فمن المتوقع أن تؤثر تخفيضات «ميديكيد» بشكل أكبر في شركات التأمين التي تدير تغطية البرنامج، مثل «سينتين» و«هيومانا» و«مولينا»، إضافة إلى أنظمة المستشفيات ومرافق الرعاية التمريضية المتخصصة، التي تستقبل مرضى البرنامج، مثل «بروكديل سينيور ليفينغ» و«ناشيونال هيلث كير».
وباستثناء «بروكديل»، التي سجلت أرباحاً جيدة مؤخراً، ظلت أسهم جميع هذه الشركات مستقرة، أو شهدت انخفاضاً طفيفاً منذ بداية العام، لكنها ما زالت فوق مستوياتها المنخفضة التي سجلتها في أبريل ومايو.
ومع تحول اهتمام السوق إلى مشروع القانون خلال الأسبوع الماضي، ارتفعت أسهم جميع مقدمي خدمات التأمين، بل وشهدت الشركات الثلاث جميعها انتعاشة طفيفة، فور إقرار مشروع القانون.
غير أنه من الصعب الخروج باستنتاج قاطع من حركة الأسهم الأخيرة، فقد سحبت شركة «سينتين» توقعاتها المالية لعام 2025 بعد إغلاق السوق، ما أدى إلى هبوط سعر سهمها بنسبة 25 % في تداولات ما بعد الإغلاق، كما تراجع سهم «مولينا» بنسبة 10 % بالتبعية، وهو أمر مثير للقلق بالتأكيد.
ومع ذلك، من المحتمل أن يكون السوق قد وصل بالفعل إلى قاعه، إذ يشير المحللون إلى أن أعضاء مجلس النواب الجمهوريين في المناطق الأكثر فقراً، قد يكونون أكثر استعداداً من نظرائهم في مجلس الشيوخ لمعارضة هذه التخفيضات. كما أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن كيفية تطبيق التغييرات السياسية في الولايات المختلفة.
وكما قال بينيديك إيبوليتو، كبير الباحثين في معهد المشروع الأمريكي،، فإن برنامج «ميديكيد» تديره الولايات والحكومة الفيدرالية بشكل مشترك، وقد تختار الولايات تعويض أي تمويل مفقود بسبب إغلاق الثغرة الضريبية، كما يمكنها بذل جهود للإبقاء على المستفيدين ضمن البرنامج، أو مساعدتهم في العثور على تغطية صحية بديلة.
علاوة على ذلك، ليست كل أحكام الرعاية الصحية في مشروع القانون سلبية بالنسبة للشركات العاملة في القطاع، فالقانون يتضمن توسعات في برنامج «ميديكير» - التأمين الصحي الحكومي للمسنين - في بعض الولايات.
كما يلغي القانون متطلبات التوظيف في مرافق الرعاية التمريضية المتخصصة، وهو ما قد لا يكون جيداً للمرضى، لكنه يخفف العبء المالي عن هذه المرافق، كما أوضح جوناثان بوركس من مركز السياسة الحزبية المشتركة.
ومن المرجح أن تؤثر التخفيضات سلباً في الأرباح الصافية لمعظم الشركات - ناهيك عن الآثار السلبية في صحة ملايين الأمريكيين - حيث ستشهد هذه الشركات انخفاضاً في عدد المرضى، وتراجعاً في التمويل الفيدرالي.
غير أن النقطة الحاسمة هنا، هي أن الضرر الواقع على الشركات، قد يكون أقل مما يخشاه السوق، وهذا يمثل أفضل ما يمكن أن نطمح إليه بالنسبة لأسهم الرعاية الصحية المتعثرة في الوقت الراهن.