سباق بمئات الملايين لخطف المواهب في سوق الذكاء الاصطناعي

ميليسا هيكيلا - كلارا موراي - كريستينا كريدل
يشتعل السباق لاستقطاب أبرز الباحثين والمهندسين العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي في ظل منافسة محتدمة أدت إلى قفزات كبيرة في مستويات الأجور، خصوصاً مع سعي عمالقة التكنولوجيا مثل «ميتا» و«أوبن آيه آي» إلى تعزيز تفوقها وقدرتها التنافسية في سوق هذه التقنية سريعة التطور.

وكشفت شركة «أوبن آيه آي» أخيراً عن السعي لابتكار «أساليب إبداعية للاعتراف بالكفاءات المتميزة ومكافأتها»، وذلك في أعقاب خسارتها عدداً من الكوادر البارزة لصالح منافسيها، رغم أن مؤشرات القطاع تؤكد أن الشركة المطورة لنموذج «تشات جي بي تي» تتصدر سوق الأجور بعروضها المالية المغرية.

وتأتي هذه الخطوة عقب تصريحات أدلى بها رئيسها التنفيذي، سام ألتمان، كشف فيها عن عروض تقدمها «ميتا» وصلت إلى مكافآت انضمام بقيمة 100 مليون دولار لاستقطاب نخبة مهندسي الذكاء الاصطناعي في السوق.

ويشهد قطاع التكنولوجيا حرباً ضروساً على استقطاب المواهب، حيث تغري الشركات العملاقة كبار علماء أبحاث الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون بعروض مالية تتجاوز بكثير ما يمنح لمهندسي البرمجيات، وذلك وفقاً لما يؤكده خبراء التوظيف في القطاع التقني والبيانات الحديثة لأسواق التوظيف.

وفي حين يتقاضى بعض مهندسي النخبة في مجال الذكاء الاصطناعي رواتب تتجاوز 10 ملايين دولار سنوياً، فإن متوسط حزم التعويضات المالية يتراوح بين 3 و7 ملايين دولار، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 50% مقارنة بمستويات عام 2022.

ويقول كايل لانجوورذي، الشريك المتخصص في استقطاب كفاءات الذكاء الاصطناعي بشركة «ريفييرا بارتنرز»: «لقد تحولت المنافسة إلى حالة هوس جنوني خلال السنوات القليلة الماضية، حتى بات بعض اللاعبين في السوق على استعداد لاتخاذ أي إجراء مهما كان، لجذب المواهب النادرة إلى صفوفهم».

على صعيد متصل، كثف الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، مارك زوكربيرج، حملته لاقتناص الأسماء اللامعة في هذا المضمار، لا سيما بعد أن جاء نموذجها اللغوي الضخم «لاما 4» دون توقعات النقاد، إثر أدائه المخيب للآمال في اختبارات الاستدلال المنطقي ومعايير البرمجة.

وضخت الشركة العملاقة، التي تبلغ قيمتها السوقية 1.8 تريليون دولار، الشهر الماضي استثمارات هائلة بلغت 15 مليار دولار في شركة «سكيل آيه آي» الناشئة المتخصصة في تصنيف البيانات، كما استقطبت مؤسسها المشارك ألكسندر وانج لقيادة فريق متخصص في تطوير «الذكاء الفائق».

وأعرب مارك تشين، كبير مسؤولي الأبحاث في «أوبن آيه آي»، أخيراً عن استيائه العميق في مذكرة داخلية، قائلاً إن شعوره أشبه «بمن اقتحم منزله وسرقت مقتنياته الثمينة» في إشارة واضحة إلى موجة المغادرات الأخيرة التي ضربت الشركة.

ومنحت «أوبن آيه آي» موظفيها إجازة أسبوعية للراحة واستعادة النشاط، حسبما أفاد مقربون من الشركة، فيما أشار تشين إلى أن «ميتا» سعت لاستغلال هذه الفترة للضغط على الموظفين لحسم موقفهم من عروض العمل المقدمة إليهم.

وأوضح تشين أنه بالتعاون مع ألتمان يعملان «دون توقف للتواصل مع من تلقوا عروضاً»، مضيفاً: «اتخذنا نهجاً استباقياً. كما نعمل على إعادة هيكلة نظام التعويضات، كما نستكشف طرقاً مبتكرة للتقدير ومكافأة المواهب المتميزة»، وذلك وفقاً للمذكرة التي كشفت عنها مجلة «وايرد» الأمريكية.

وتشهد رواتب قطاع الذكاء الاصطناعي ارتفاعاً متواصلاً، بحسب ما تؤكده شركة «هاريسون كلارك» المتخصصة في التوظيف التقني. ويحصل علماء الأبحاث من المستويين المتوسط والعالي حالياً على حزم تعويضات إجمالية تتراوح بين 500 ألف إلى مليوني دولار لدى عمالقة التكنولوجيا، مقارنة بنطاق تراوح بين 400 ألف إلى 900 ألف دولار في عام 2022. في المقابل، يتقاضى كبار مهندسي البرمجيات الذين لا يمتلكون خبرة في الذكاء الاصطناعي راتباً أساسياً يتراوح عادة بين 180 ألفاً و220 ألف دولار.

وتتصدر «ميتا» قائمة الشركات الأعلى أجوراً لمهندسي الذكاء الاصطناعي، إذ تقدم رواتب تتراوح بين 186 ألف دولار و3.2 ملايين دولار، بحسب موقع «ليفلز» لتتبع الحزم المالية.

بينما تقدم «أوبن آيه آي» نطاقاً بين 212 ألف دولار إلى 2.5 مليون دولار، غير أن متوسط الأجور لديها أعلى، مما يشير إلى أن المهندس في الشركة البالغة قيمتها 300 مليار دولار يحظى بدخل يفوق نظيره في ميتا.

بيد أن الباحثين غالباً ما يولون أهمية أكبر لسمعة قادة الفريق وجودة العمل المنجز، متجاوزين إغراء المبالغ الضخمة المعروضة.

ويقول فراس سوزان، الرئيس التنفيذي لشركة «هاريسون كلارك»: «ما يحفز الباحثين هو طبيعة العمل نفسه، وهناك دائماً مخاطرة بأنك إذا انتهى بك المطاف في شركة مثل «ميتا»، قد لا تحصل على مستوى العمل الذي كنت تقوم به في شركات مثل «ديب مايند» أو «أوبن آيه آي» أو «أنثروبيك»».

وتدفع التكلفة الباهظة للمواهب بعض المجموعات التكنولوجية، مثل شركة «هاجينج فيس» الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، إلى تحويل بوصلة التوظيف نحو القارة الأوروبية.

ويقول توماس وولف، المؤسس المشارك والمسؤول العلمي الرئيسي في «هجينج فيس»: «توظيف مهندس برمجيات واحد في منطقة خليج سان فرانسيسكو حالياً يعادل تكلفة توظيف ثلاثة إلى أربعة أشخاص من المستوى نفسه تقريباً في أوروبا».

من جانبه، يشير يوناس أندروليس، مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «ألف ألفا» الألمانية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تضاعف حجم فريقها ست مرات خلال عام، إلى أن المرشحين للوظائف باتوا يولون اهتماماً متزايداً بقضايا الحرية البحثية، وإمكانية النشر العلمي، والأثر المجتمعي لأعمالهم.

ويضيف: «أصبحت موضوعات مثل الاستدامة، والتوافق الأخلاقي، وحل المشكلات الواقعية تطرح بوتيرة أكبر خلال مقابلات التوظيف»، مؤكداً أن النمو الذي حققته «أليف ألفا» «يمثل شهادة على قيمة لا يمكن للمال وحده شراؤها: الإيمان برسالة الشركة».