صعوبة متزايدة لأرباب العمل في تحديد الرواتب بسوق تنافسية عالمية

كلارا موراي - روهان بانيرجي

تواجه الإجابة التقليدية لسؤال كيفية دفع رواتب الموظفين في مختلف المناطق ضغوطاً جديدة بسبب تزايد التنافسية على المواهب العالمية. ومع ازدياد عدد الشركات التي تعمل في مناطق عالمية مختلفة، أصبح اجتذاب أفضل الموظفين والاحتفاظ بهم تحدياً كبيراً أمام سياسات الموارد البشرية متعددة الجنسيات. علاوة على ذلك، يثير بروز العمل عن بُعد تساؤلات ملحة حول كيفية تعديل الأجور في حال قرر الموظف الانتقال إلى مدينة أو دولة أخرى.

وحسبما يشير باويل أدرجان، مدير التوظيف لدى منصة «إنديد»، فإن العمالة الأكثر مهارة «أكثر قابلية للتحرّك ومن المُرجح أن يكونوا سعداء للانتقال للعيش في مُختلف المناطق للحصول على وظائف برواتب أعلى».

وأوضح أن المحامين، ومهندسي البرمجيات، والمصرفيين المتخصصين في الاستثمار، ينجزون العمل ذاته في لندن أو سنغافورة أو برلين، ما يعني أن الشركات ربما «لا يوجد لديها خيار سوى تحديد الرواتب على مستوى عالمي تنافسي». ويؤدي توجّه الشركات الأمريكية إلى دفع رواتب تفوق الراتب المحلي في بعض البلدان، إلى زيادة الرواتب لأعلى المستويات عالمياً. ونتيجة لذلك، تشهد بعض القطاعات ميلاً للأجور إلى أن تكون خارج المألوف.

وعلى سبيل المثال، اضطرت صفوة مكاتب المحاماة في مدينة لندن إلى زيادة الرواتب الأساسية للمحامين الجدد المؤهلين إلى 150,000 جنيه إسترليني هذا العام في ضوء منح الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها راتباً أساسياً قدره 175,000 إسترليني في الوقت الحالي. ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» إعلاناً مؤخراً عن وظيفة لصحافي للأخبار العاجلة، في مكتبها بلندن، براتب يصل إلى 85,000 إسترليني، ما يقترب مما اعتادت شركات الإعلام بالمملكة المتحدة تقديمه لكبار المحررين.

وفي الوقت ذاته، كثيراً ما تتخطى حزم الرواتب التي تعرضها شركات تكنولوجيا تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، مثل «ميتا» و«غوغل»، المعدلات السائدة أينما أقامت أعمالها. وقال أندرو كورسيو، الرئيس العالمي للمكافآت والمزايا لدى «بي دبليو سي»: «لا مفر من أن تتسبب فروق الأجور في خلافات واحتكاكات، لأنها تقييم شخصي لما هو عادل بالنسبة لك كفرد. ويمكن أن يتزايد الأمر عندما تكون لديك سياسات أجور مختلفة وفق البلد».

ويشير تحليل «فاينانشال تايمز» للبيانات الحكومية إلى اتساع الفجوة بين متوسط الرواتب السنوية قبل خصم الضرائب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لوظائف العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أو ما يُطلق عليه «ستيم»، والوظائف الإدارية. وينطبق ذلك حتى حينما نأخذ بعين الاعتبار اختلاف تكاليف المعيشة في كل بلد، باستخدام حسابات صندوق النقد الدولي لتعادل القوى الشرائية، أي مقدار ما ستحصل عليه بقيمة أموالك في أي مكان حول العالم.

وأردف كورسيو قائلاً: إن الشركات العالمية اعتادت معالجة هذا الأمر بإحدى طريقتين، فإما أن تحدد نطاقات للرواتب مركزياً، ثم تحولّها حسب تكلفة المعيشة بكل سوق، أو يمكن للشركات السماح بأن تكون لكل دولة مقاييسها الخاصة. والخيار الأول يفتقر إلى المرونة، بينما يمكن للخيار الثاني أن يكون شديد التعقيد وصعباً في إدارته.

ولفت كورسيو إلى زيادة تبني الشركات لنظام هجين تتماشى فيه الأجور عالمياً بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين وكبار الموظفين، غير أن المكاتب المحلية تتمتع بحرية أكبر في تحديد حزم الرواتب الخاصة بها. ويسمح هذا للمكاتب المحلية بالتكيّف مع الفروق الدقيقة لكل سوق، مع الحفاظ على عمل كبار الموظفين كفريق واحد.

ومع ذلك، قد تنشأ تعقيدات أخرى حينما ينتقل الموظف من مكان إلى آخر، سواء لإعارة وجيزة أو دائمة. ولا تظهر الفروقات في الأجور فحسب، بل في المزايا أيضاً، مثل الإجازات، وإجازات الوالدين، والتأمين الصحي.

ذهبت هيلين ميلدريد، رئيسة الاستشارات لمجموعة إي سي إيه إنترناشونال التي تقدم المشورة والبيانات للشركات بشأن سياسات التحرك العالمية، إلى أن النهج النموذجي يتمثل في إضافة بدلات للتكاليف الأعلى والصعوبات التي يلاقيها الموظفون الجدد في البلد الجديد فوق الراتب الذي كانوا يتقاضونه في بلدهم الأصلي.

ويمكن أن يكون هذا معقولاً، إذ خَلُصَت بحوث «إي سي إيه» إلى أن المملكة المتحدة هي أكثر الأماكن تكلفة لابتعاث مدير متوسط بمتوسط تكلفة يبلغ نحو 400,000 إسترليني.

وتُعد الرواتب مشكلة أيضاً حينما ينتقل الموظفون إلى موقع تكون فيه التكاليف أرخص. وعادة ما لا يرغب الموظفون في خفض رواتبهم، لكن تُظهر البحوث أن الأنظمة التي يحصل فيها المُبتعَثون على رواتب أعلى من الرواتب المحلية يمكنها أن تسفر عن استياء. وأشارت ورقة بحثية ألّفها أكاديميون من جامعة مدينة هونغ كونغ، إلى أن مقارنة السكان المحليين الصينيين أجورهم بأجور المُبتَعثين تجعلهم أكثر عُرضة لاعتبار أنفسهم «ضحايا للظلم الفادح».

ويتمثل أحد الحلول التي اكتسبت شهرة في عصر العمل عن بُعد في تلقّي الموظفين الأجر ذاته بغض الطرف عن مكان عيشهم.

وتُعد «ريديت» و«إير بي إن بي» من بين الشركات التي تتبنى سياسات «الحياد الجغرافي». ويوجد لدى الشركتين مقياس واحد للأجور لكل دولة يعملان بها، ما يعني أن الموظفين أحرار للانتقال إلى مناطق أرخص مع استمرار الحصول على حزم رواتب المدن الكبرى.

ومع ذلك، تطبق قلة قليلة من الشركات هذا النهج على مستوى العالم. وتُعد شركة 27 سيغنالز الأمريكية للتكنولوجيا أحد الاستثناءات، إذ تدفع لكافة الموظفين الأجور التي يحصل عليها زملاؤهم في سان فرانسيسكو.

وكتبت الشركة على موقعها الإلكتروني: «ينتج الشخص ذاته القدر عينه من العمل، بغض الطرف عن المكان الذي يعيش فيه». ومع ذلك، يستبعد دانيال سيليغمان، الرئيس التنفيذي لشركة تالنتلي للتوظيف في الخارج، أن يشيع استخدام مثل هذه السياسات على نطاق أوسع. وينظر الكثير من الشركات في أشكال أخرى من الأجور لكي تظل تنافسية.

وسلّطت بحوث «بي دبليو سي» الضوء على انخفاض نسبة الموظفين الذين أعربوا عن كون الأجور الأعلى هي طريقتهم المُفضّلة للحصول على المكافأة إلى 20 % على مدى العقد الماضي، لصالح المزايا، وفرص التطوير، وخلق توازن بين العمل والحياة الشخصية. ووجدت دراسة أجرتها جامعة جنوب أستراليا أن نصف الموظفين تقريباً سيقبلون بخفض أجورهم من أجل العمل عن بُعد.

ويتوقع كورسيو أن تحتاج الشركات إلى مواصلة إعادة النظر في استراتيجيات تحديد الرواتب، في ضوء تصاعد ضغوط التكاليف على الشركات، مثل التضخم، والزيادة الأخيرة في الإسهامات الضريبية على أرباب الأعمال بالمملكة المتحدة، وعدم اليقين بعد الانتخابات الأمريكية، علاوة على التأثير المستمر للعمل الهجين. وأضاف: «أعتقد أن كل هذا سيكون محل عدم يقين خلال الأشهر الـ12 إلى الـ18 المقبلة».