العملات المستقرة ليست بديلاً للنقود رغم التوسع في استخدامها

كريس غايلز

قال دونالد ترامب، الخميس الماضي، إن جيروم باول «أحد أغبى وأكثر الأشخاص تدميراً في الحكومة»، ثم صعّد من انتقاده في عطلة نهاية الأسبوع بقوله، إن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي «معتوه تماماً».

في المقابل تكاتف مسؤولو المصارف المركزية مع الاحتياطي للفيدرالي، وقال فرانسوا فيليروي دي جالو، محافظ البنك المركزي الفرنسي، إن باول «يظهر وبشكل مثير للإعجاب ما يجب أن يفعله محافظ البنك المركزي المستقل، وهو قول الحقيقة وضمان الاستقرار المالي واستقرار الأسعار».

كذلك فقد انضم بنك التسويات الدولي، المعروف بأنه «بنك البنوك المركزية»، إلى حملة مضادة للرئيس الأمريكي، بتحليل مفصل ينتقد بشدة العملات المستقرة، المشروع النقدي المفضل لترامب. وكان ترامب وقّع أمراً تنفيذياً في يناير الماضي بدعم تطوير وانتشار العملات المستقرة عالمياً، وخلال الأسبوع الماضي أقر مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة «قانون جينيوس»، الذي ينظم ويضفي شرعية على إصدار الكيانات الخاصة بالولايات المتحدة للعملات المستقرة.

من جانبه، عبر بنك التسويات الدولية عن عدم رضاه، وجاء النقد حاداً، لكنه كان في الوقت نفسه شديد الحذر والتحفظ. وذكر في فصل خاص من تقريره السنوي أن العملات المستقرة ستظل دائماً بديلاً ضعيف الأداء للنقود.

وخلص إلى أن المجتمعات هنا أمام خيارين إما تحديث نظام المدفوعات بحكمة، وإما سلوك مسار العملات المستقرة، وإذا اختارت المسار الثاني «فيمكن لهذه المجتمعات أن تعاود تعلم الدروس التاريخية عن عيوب المال غير السليم، وما يترتب عليها من تكاليف اجتماعية حقيقية، إذا اتجهت إلى عملات رقمية خاصة لا تحقق نجاحاً في الاختبار الثلاثي المتمثل في: التفرد، والمرونة، والموثوقية».

وتقع مسألة «تفرّد النقود» في صميم الانتقادات التي وجهها مصرف التسويات الدولية إلى العملات المستقرة، والفكرة هنا أن الدولار الواحد سيساوي دولاراً واحداً دوماً، بغض النظر عما إن كان ممثلاً بعملة ورقية، أو في حساب مصرفي، أو لدى الاحتياطي الفيدرالي.

ومن خلال إصدار الأوراق النقدية وتسوية المدفوعات بين البنوك المختلفة يضمن الاحتياطي الفيدرالي أننا لا نضطر أبداً للتساؤل عما إذا كنا نحمل دولاراً من «بنك وادي السيليكون» أو دولاراً من «بنك أوف أمريكا»، فكلها دولارات أمريكية.

أما العملات المستقرة فهي أصول مشفرة، وترتبط عموماً بالدولار، ومدعومة بأصول بالدولار، لكن بنك التسويات الدولية شدد على أن العملات المستقرة ليست دولارات فعلية، بالتالي فإن قيمتها غير مضمونة، وبدلاً من أن تمتلك دولارات، وربما عن طريق وساطة بنك تجاري ستمتلك عملات «تيثر» أو «يو إس دي سي»، التي تحتاج لتحويلها إلى دولارات أمريكية إذا كنت ترغب في إنفاقها. وكما تكشف بيانات 5 سنوات فإن هذه العملات لم تكن مستقرة.
لكن لماذا تزدهر العملات المستقرة؟

إن المال السيّئ يطرد المال الجيد من السوق، ورغم أن العملات المستقرة ليست بدائل مثالية للدولار، لكنها تنمو بقوة. وتكشف البيانات أنه تم إصدار عملات مستقرة تزيد قيمتها على 200 مليار دولار، ويرتفع تداولها بسرعة.

وفي حين يعتبر هذا الحجم ضئيلاً إذا قورن بمبلغ 18.7 تريليون دولار من الدولارات الورقية والعملات والودائع السائلة في البنوك إلا أنه ينبغي علينا أن نتساءل لماذا تنمو الأصول الرقمية بهذه السرعة، فقد نشأت العملات المستقرة لتكون بوابة يمكن العبور من خلالها إلى عالم الأصول المشفرة، ما يسهل الاستثمار في مختلف العملات المشفرة وسحب الأموال منها لمن يرغبون في ممارسة هذا النشاط، لكن تعتبر الجريمة عنصراً واضحاً في نمو العملات المستقرة، إذ يمكن لمستخدميها أن يكونوا مجهولين، وأن يتداولوا خارج البورصات الرئيسية.

ويصف بنك التسويات الدولية العملات المستقرة بأنها «خيار أمثل للاستخدام غير القانوني»، ولا يوجد ضمان بأن المستخدمين يتبعون لوائح «اعرف عميلك» أو مكافحة غسل الأموال. وبينما يستخدم النقد أيضاً في الجريمة، إلا أن هذا الأمر يعد أحد الأسباب المهمة لنمو العملات المشفرة، لأنها جديدة نسبياً على الساحة.

وليست الجريمة وحدها السبب وراء جاذبية العملات المستقرة، فقد وفرت أوجه القصور في أنظمة المدفوعات المحلية والعابرة للحدود بالولايات المتحدة فرصة لنمو العملات المستقرة، ورغم أن التحويل بين العملات المستقرة والنقود الورقية يمكن أن يكون مكلفاً، ويمكن أن تكون الأنظمة غير عملية، إلا أن إجراء مدفوعات مشروعة غالباً ما يكون أرخص عن طريق الأصول المشفرة مقارنة بالنظام المصرفي الأمريكي. كما أن الأصول الرقمية أرخص كثيراً في الاستخدام في حالة التحويلات النقدية العابرة للحدود. ويشكل هذا تحدياً خطيراً لمشغلي أنظمة الدفع الحالية، ويبرهن على فوائد التكنولوجيا الجديدة.

وبالنسبة للأخطار فإن توفير القطاع الخاص للنقود ليس بالأمر الجديد بالطبع، ففي حقبة الصيرفة الحرة بالولايات المتحدة من ثلاثينيات القرن التاسع عشر وحتى ستينياته كانت هناك عدة أشكال من الدولار الأمريكي شهدت نجاحات متفاوتة، غير أنها مرت بأزمات متكررة.

وقد تفتق عن هذا النموذج الفاشل عن النظام الذي تشكل فيه المصارف المركزية قلب إصدار العملات. وذكر باري إيخينغرين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أن قانون جينيوس، الذي يدعمه ترامب يشكل تهديداً بإعادتنا إلى الحقبة الفوضى المصرفية.

فقط تخيل أنه إذا انخفضت أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى الصفر مرة أخرى يمكن لمقدمي العملات المستقرة من القطاع الخاص أن يفلسوا بسهولة، مع تجاوز التكاليف للعائدات، ما سيسفر عن هروب جماعي.

والجريمة وعدم الاستقرار المالي النابعين من إخفاق المزودين ليسا الخطرين الوحيدين وفقاً لبنك التسويات الدولية، فمن دون دعم بنك مركزي لا يمكن للعملات المستقرة ضمان معالجة مدفوعات كبيرة للغاية، وهو ما يسهله الفيدرالي باستعداده لإقراض قدر غير محدود من الدولارات إلى المصارف خلال اليوم مقابل ضمانات عالية الجودة.

وفي حال اتجه حاملو العملات المستقرة إلى الهروب سريعاً منها فإنها كبيرة حالياً بما يكفي للتسبب في تقلبات بأسواق كبيرة، مثل سوق أذون الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل، وذلك يعود إلى أن مزوّدي العملات المستقرة كانوا ثالث أكبر مشترٍ لأذون الخزانة هذا العام.

كذلك يمكن لنمو العملات المستقرة العابر للحدود أن يقوض السيادة النقدية لدول أخرى، وستكون الاقتصادات الكبرى ذات التضخم المستقر بمأمن من ذلك، لكن يمكن للعملات المستقرة أن تشكّل أخطاراً على الدول النامية. وبرغم وجود فوائد للمنافسة التي توفرها العملات المستقرة، مثل تقويضها للقيود على الصرف الأجنبي، وإجبارها لبعض الدول على تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، إلا أن التهديد الأوسع نطاقاً الذي تمثله للسيادة النقدية والإدارة المحلية للاقتصاد يظل قائماً.

وإن لم تكن العملات المستقرة، فماذا إذن؟ تحتاج أنظمة الدفع للتحديث لمواجهة التهديد، الذي تمثله العملات المستقرة. ويدعو بنك التسويات الدولية إلى نظام يعتمد الرموز، ويستند إلى البنوك المركزية من شأنه أن يحافظ على تفرد النقود مع إجراء معاملات مالية محلية، وعابرة للحدود على نحو أكثر كفاءة، وقد انتهى البنك بالفعل من المرحلة المفاهيمية لمشروع «أجورا» الخاص به، ويتجه حالياً إلى تأسيس نموذج أولي. وسيجمع هذا النموذج بين مزايا نظام يقوم على الرموز، والمفاهيم التقليدية للنقود التجارية والبنك المركزي.

وستكون الفوائد الرئيسة لهذا المشروع هي تحسين السرعة، وضمان ألا تصبح النقود عالقة على طول سلسلة بنوك المراسلة، التي تنفذ فحوصات ضرورية مثل مكافحة غسل الأموال و«اعرف عميلك»، ولأن هذه بنية دفع وليست رسمياً عملة رقمية فإن الاحتياطي الفيدرالي سيشارك فيها، كما أن إدارة ترامب لم تحظر مشاركة الفيدرالي في هذه الجهود، لذا، يجب أن نتمنى التوفيق لبنك التسويات الدولية، والبنوك المركزية، فهي في سباق مع الزمن.