محمد بن راشد متأملاً رحلة طويلة من الكفاح في «قصتي»:

دبي أساسها العدالة والعلاقـات المتوازنة والانفتاح والتنويع الاقتصادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تأمل التجربة وتاريخها، واستخلاص دروسها وقواعدها، مهمّة ليست باليسيرة، ولا يختارها عاديّو التفكير؛ إنها مهمة مبدعيه، الذين يبرعون في ملاحظة الواقع، والتعامل مع معطياته. وهي مهمّة تعادل ابتكار التجربة نفسه، وتوازي اجتراحها هي نفسها..

في كتاب «قصتي»، بكل جوانبه، يمضي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بثبات نحو تأمل تجربة دبي، وتفكر هويتها، وأسس شخصيتها؛ فيستخلص دروسها، ويستنبط قواعدها..

وقارئ «مبادئ دبي الثمانية» و«وثيقة الخمسين»، يقع في كتاب «قصتي» على لحظات التأمل المديدة، والتَفَكُّر العميقة، التي كانت وراءهما، وسبباً في خروجهما بذلك الإحكام والدقة والوضوح.

وهذه المرحلة. مرحلة التأمل والاستنباط النظري من الواقع العيّاني العملي هي، كما نعرف، مرحلة عليا من القيادة.

في الفصول التي يتناول فيها سموه نموذج دبي الفريد، من جوانبه الاقتصادية، بالذات، ومنظومتها في الإدارة، يودع أربعة من دروس دبي وأسس نهضتها، تشكل جزءاً من دستور التجربة غير المكتوب، الذي يتضمن العدل التام، والعلاقات المتوازنة، والانفتاح على العالم، وتنويع المصادر.

في جزء آخر من هذه الفصول، يتناول سموه مقومات أخرى، منها إيجاد المرافق الحيوية، واستغلال الموارد وتحويل الظروف المحلية (الشمس والصحراء، مثلاً) إلى موارد تنموية، وعدم الرضوخ للإرادات الجائرة (قصة تأسيس طيران الإمارات)، أو الخوف من المنافسة، وتكييف القوانين والقواعد الاقتصادية بما يتناسب مع حركة وواقع الاقتصاد المحلي (قوانين العرض والطلب).

ويقدم سموه في «قصتي» الإجابة الوافية عن من تدفعهم حيرتهم بنموذج دبي إلى تفسيره بـ«الحظ»، فيسرد الوقائع، التي تدل على أن دبي ليست لمعة حظ، ولا ابتسامة طارئة من الزمان، ولا هي صدفة؛ ولكنها نتاج قصة طويلة من الكفاح والعمل والاجتهاد.

وفي الكفاح والعمل والاجتهاد هناك درس أساس وجوهري، يقول إن دبي لم تبنِ نموذجها مستفيدة من ظروف مثالية، ولكنها كرست تجربتها عبر تحويل التحديات إلى فرص.

قيم وقواعد

1 دبي بالنسبة للكثيرين حلم ولغز من ألغاز النجاح المحير؛ وفي كتابه يميط سموه اللثام عن أسرار هذا «اللغز» ويكشف عن حقيقته وبعض قواعده، فما هي دبي في حقيقة الأمر؟

دبي ليست صدفة. دبي هي ثمرةُ رحلة استمرت أكثر من 185 عاماً. دبي هي قصةٌ طويلةٌ من الكفاح والتغلُّب على مخاطر هدّدت وجودَها واستمراريَّتها. دبي اليوم دانةٍ الدنيا، وستبقى بإذن الله.

بدأت رحلة دبي مع الشيخ مكتوم بن بطي في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وهو الحاكم الذي رسّخ الإرث الحالي للعائلة ووضع حجرَ الأساس لإمارة دبي. وكان هدفه الأول جعل دبي مكاناً آمناً لكلّ سكانها.

ثم خلفه شقيقه سعيد بن بطي الذي أرسى عدالةً مطلقةً في الإمارة الناشئة. عاملٌ رئيسيٌ في استمرارية دبي عدالتها مع القريب والبعيد، وجزءٌ أساسيٌ من إرث الأسرة الحاكمة في دبي هو العدالة. لا نَظلِم ولا نُظلَم. العدالةُ التامة هي الدرس الأول في دستور دبي غير المكتوب.

وجاء ـ سنونٌ شداد في عهد سعيد بن بطي، انتشرت فيها الحروب بين القبائل، بين أبناء الدم وأبناء العم. رسّخ الشيخ سعيد الأمن الداخلي بقوة، واستطاع إبرام تحالفات مع أبوظبي وبقية الإمارات الأخرى المجاورة، واستطاع أيضاً التعاملَ مع البريطانيين الذين حكمت علاقتنا معهم معاهدة. حفظنا حقّنا بالسيادة الفردية تحت بنود المعاهدة. وكانت لندن تشرفُ على الشؤون الخارجية والدفاع. العلاقات المتوازنة مع الجميع والتحالفات المستمرة هي الدرس الثاني في دستور دبي غير المكتوب. لا نعادي أحداً ولا عذر لأحدٍ أن يعادينا.

نظرة اقتصادية

2 يصف سموه كيف راكمت دبي تجربتها مرحلة بعد أخرى، وكيف ترجمت هذه التجربة إلى قواعد عمل وحياة يعتمد عليها، وأسهمت في بناء نموذجها الفريد، فماذا تضم دروس دبي أيضاً؟

جاء الشيخ حشر بن مكتوم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث استمر حكمه سبعة وعشرين عاماً شهدت خلالها دبي مزيداً من الاستقرار والتمكين، وعُرف بحكمته وحزمه.

ومن بعده جاء مكتوم بن حشر الذي استلم مقاليد الحكم أواخر القرن التاسع عشر. وكان مكتوم صاحب نظرة اقتصادية عبقرية، حيث حقّقت دبي في عهده ازدهاراً اقتصادياً لافتاً، مرسياً قواعد التجارة والاستثمار فيها.

في العام 1902، على إثر زيادة في فرض الضرائب عبر أرجاء الخليج عند ميناء لنجة ألغى الشيخ مكتوم بن حشر جميع الرسوم الجمركية على الواردات، وفتح ميناء دبي للجميع، ورحّب بجميع التجار.

ونتيجة لسياسته التحريرية هذه، تدفّقت البضائع الهندية إلى ميناء المدينة، وباتت دبي خلال فترة وجيزة مركز الخليج لإعادة التصدير إلى الموانئ والأسواق المجاورة. وسرعان ما انتقل عددٌ كبير من تجار الخليج الرئيسيين إلى دبي، واتّخذوها مقرّاً إقليمياً لهم. وهذا هو الدرس الثالث في دستور دبي غير المكتوب؛ الانفتاح على الجميع، وتحرير التجارة أمام الجميع، والترحيب بكل من يريد أن يضيف شيئاً لاقتصادنا.

تنويع المصادر

3 يشير سموه إلى وصية الجد، الشيخ سعيد بن مكتوم، باعتبارها واحدة من القواعد والركائز الأساسية التي قام عليها نموذج دبي، فما هي هذه الوصية التي لا تزال إلى اليوم نافذة؟

بدأ جدّي الشيخ سعيد بن مكتوم فترة حكمه التي استمرت نحو خمسة عقود في العام 1912.

واصلت دبي رحلة كفاحها ورحلة البحث عن مستقبلها. واصلنا التركيز على ما نجيد فعله أكثر من أي شيء آخر: التجارة بشكل عام، وإعادة التصدير على وجه الخصوص.

وصيةُ جدي لنا هي التنوع الاقتصادي وعدم الاعتماد على مصدر واحد؛ وهو ما سار عليه أبي الشيخ راشد من خلال بناء الموانئ، وتوسيع الخور، وتطوير المناطق الحرة والمطار، وإطلاق الشركات الكبرى.

كثيراً ما يسألني الناس بانبهار لماذا تطلق دبي باستمرار مشاريعَ جديدةً ومختلفة؟ مناطق للإعلام، ومدينة للإنترنت، ومسرعات للتقنية، وموانئ في كل أنحاء العالم، ومطارات جديدة، وشركات في قطاع الطيران والألمنيوم والعقارات والتقنيات المتقدمة والصيرفة الإسلامية والتقليدية وغيرها؟ لماذا كان هذا؟

الإجابة هي في دستور دبي غير المكتوب؛ تنويع المصادر هو القاعدة الرابعة لنجاح دبي، هو وصيَّةٌ تتوارثها الأسرة الحاكمة، هو الضمان أن ما وصلنا إليه بعد رحلة كفاح استمرّت أكثر من 185 عاماً لا يمكن أن تتخلّى عنه بالاعتماد على مصدر واحد للدخل، ومصدر واحد فقط للحياة.

أسرار التفوق

4 يتحدث سموه عن ثلاثة دروس تعلمها من والده تتمثل بالاستماع للمشورة وصناعة القادة و«الابتعاد عن ضوضاء السياسة وتشابكاتها ومعاركها الصفرية»، ولكن ما هي أسرار تفوق دبي؟

امتازت فترة حكم والدي بكثرة المشاريع التي تضمّنت خور دبي، وشركة هاتف دبي، وشركة الكهرباء، ومطار دبي، والتحسينات التي أجراها على مستشفى آل مكتوم، وغيرها من المشاريع. وهذه هي فكرتي عن الحاكم، هو شخصٌ يتحرك، ويبتكر، ويبني، ويخدم الآخرين.

تعلمتُ من راشد منذ نعومة أظفاري بأن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً والأقدر على تنفيذ المشاريع بكل كفاءة. تعلمتُ من راشد بأن كلَّ درهم في دبي له قيمة كبرى ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم التي رسّخها راشد بن سعيد هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة والابتعاد عن التبذير الحكومي أياً كان شكله.

أحد أهم أسرار تفوق دبي هي القيم التي أرساها الشيخ راشد في منظومة الحكم.

عظمة المدينة

5 يعد مطار دبي واحداً من أهم الروافع الاقتصادية لنموذج دبي الفريد. ولكن المطار نفسه كان قصة تحدٍ قبل أن يصبح نبعاً للفرص. فما هي قصة هذا التحدي؟

شكلت رحلتي الأولى إلى لندن في صيف عام 1959 مع والدي محطة فارقة في طفولتي.

كانت الطائرات القادمة إلى دبي تنزل في مياه الخور، ولم يكن ممكناً استقبال الطائرات التجارية الكبيرة من خلال الخور. كنا نستخدم مطار الشارقة. وكان والدي يريد بناء مهبط للطائرات مكان المطار الحالي. كان البريطانيون يرفضون إعطاء دبي حق إنشاء مطار بحجة كفاية المطار في الشارقة، حيث توجد قاعدتهم العسكرية؛ كانت نظرتهم أمنية وكانت نظرتنا تنموية وكانت رحلة لندن محورية لحسم هذا الملف.

وصلنا إلى لندن، وقفتُ خلف والدي أترقّب باب الطائرة وهو يُفتح، وقبل أن أراها من وراء قامة والدي الطويلة، رحّبت بي إنجلترا بطريقتها الخاصة؛ بنفحة من الهواء البارد الجاف.

كان المطار كأنه مستعمرة نمل، يكتظّ بأعداد هائلة من الناس، يمشون بسرعة للحاق برحلاتهم. وكانوا يقفون في صفوف طويلة لدخول لندن أو الخروج منها. كان منظر المطار مذهلاً ومهيباً، منظراً يعبّر عن قوة لندن وعن ضخامة حركتها الاقتصادية. كان يكفي أن ترى المطار لتحترم هذه الدولة.

لا أدري لماذا ارتبطت حركة المطار النشطة في ذهني منذ ذلك الحين بقوة الدولة أو المدينة التي يمثلها.

الوجهة دبي

6 سجلت دبي انطلاقة هائلة مع اقتحام سموه ميدان العمل العام. وهذه قصة مثل غيرها من القصص المؤثرة لها بداية، وتستند إلى فكرة وفكر. فما هي قصة نهضة دبي الحديثة؟

كنتُ في حديث مسائي مع والدي عندما أخبرته بأننا لا بدَّ أن نطور طيراننا المدني بشكل أكبر، ونستثمر في المطار بشكل مختلف، ونبدأ تسويق دبي بشكل جديد. نظر والدي في عيني. رأى جدّيتي في الموضوع، قال لي: تعالَ بخطة خلال يومين.

عندما دخلتُ مكتبه بعد يومين، كنتُ أعرف أنه سيسمع شيئاً غير الذي كان يتوقعه.

عرضتُ عليه مشروعي الذي أسميته «الوجهة دبي» (Destination Dubai). لم يكن المشروع تطويراً للمطار فحسب بل للمدينة كوجهة. حدثته عن تطوير المطار، وعن إطلاق سياسة الأجواء المفتوحة في دبي لتمكين أي شركة طيران من تسيير رحلة من وإلى مطار دبي، وعن إطلاق حملات لتسويق دبي، وبناء فنادق جديدة في الإمارة، وإقامة فعاليات كسباقات الخيل لجذب الناس. حدّثته عن الدخل الذي يمكن أن يعود على الإمارة من كل ذلك لم يكن حديثاً طويلاً، لكنه كان مركزاً، ويحمل الكثير من الطموحات، طموحاتي واندفاعي وأفكاري التي تبدو مجنونة أحياناً. أنهيتُ حديثي وانتظرت جوابه.

ومن ذلك اليوم، تم تعييني مسؤولاً عن كافة شؤون التجارة والتسويق السياحي وتطوير المطار في دبي.

بدأنا الرحلة ولم نتوقف حتى اليوم.

التنمية الغائبة

7 يشخص سموه موقع الخلل في الاستراتيجيات العربية التي فشلت في إحداث نهضة تنموية شاملة وإخراج العالم العربي من واقعه الصعب، ويستذكر في هذا المجال قصة معبرة، فما هي؟

على هامش أحد اجتماعات مجلس التعاون في بداية الثمانينيات، وبينما كان الوزراء يتناقشون في الأزمات والتحديات وغيرها طرحت مقترحاً؛ كنتُ في منتصف الثلاثينيات من عمري. كنتُ أصغر مَن في الجلسة سناً، وأكثرهم مللاً من حديث السياسة الذي لا ينتهي. قلتُ لهم: لماذا لا نحاول أن نطوِّر المنطقة، وبصورة خاصة دبي، كوجهة سياحية لجذب الناس من كافة أنحاء العالم؟

شعرتُ أن الأنظار تتَّجه نحوي. ساد الصمتُ لبضع ثوانٍ قبل أن تخترقه ضحكةُ أحد وزراء الخارجية الأكبر سناً.

قال: ماذا سيجد السيّاح في دبي؟ من سيأتي إلى الصحراء؟ من سيأتي للحرارة والرطوبة التي في دبي؟ ضحك الباقون.

ثم أضاف على حديثه نبرة الخبرة: ثم يا شيخ محمد، ما هو الإرث الثقافي الذي سيتعرّف إليه السياح؟! ما هي المعالم التي سيزورونها؟ الرمال من ورائهم، والبحر أمامهم، والشمس فوق رؤوسهم.

لم أشأ أن أجادله بعدما أغلق ذهنه حتى عن سماع تفاصيل المقترح. ولم يزدني تعليقه إلا تحدياً وقناعة بمشروعي وخطتي التي تدور في ذهني.

أفكر أحياناً، لعلّ منظوماتنا التعاونية سواء الخليجية عبر مجلس التعاون أو العربية عبر الجامعة العربية بحاجة لإعادة نظر في هيكلتها وطريقة عملها. هذه المنظومات يديرها رجال سياسة، وزراء الخارجية بالدرجة الأولى، الوزراء المعنيون بالأزمات السياسية، وبالتالي ستظل تدور في نطاق السياسة على ما فيها من خلافات واختلافات.

ربما حان الوقت ليتولى رجال الإدارة والقيادة ورجال الأعمال والمال والصناعة قيادة هذه المنظمات بدلاً من وزراء الخارجية. ربما! لماذا لا نجرب؟

طريق دبي

8 يصف سموه كيف واجه التحديات وموجات التشكيك مؤمناً بمقومات دبي ومستقبلها. فكيف يسرد سموه حكاية دبي الناهضة إلى صنع مستقبلها وطريقها الخاص؟

تعزّزت لدى تلك القناعة، وترسَّخ إيماني بأننا نمتلك ثروة سياحية اسمها الشمس والصحراء، وأهم ميزاتها الأمان والسلامة المطلقة، وأهم عوامل الجذب فيها الفنادق الجميلة والخدمات الراقية.

أطلقنا الكثير من الحملات السياحية، واجتذبنا الكثير من الزوار. وكنتُ أعرف أن المفتاح الرئيسي لترسيخ قطاع السياحة لدينا هو المطار، وأجتذب المزيد من شركات الطيران لتستخدم مطار دبي. في ذلك الوقت بلغ عدد الخطوط الجوية التي تستخدم المطار 40 شركة، ونجحت سياسة الأجواء المفتوحة التي اتبعناها في اجتذاب المزيد من الشركات.

وضعنا استثمارات ضخمة من أجل جذب السياح، من خلال بناء المنشآت السياحية والترفيهية، ومراكز التسوق الضخمة، والمرافق والبنى التحتية المتطورة، كان الكثير من الأصدقاء يتساءلون: لمن تبني كل هذا؟ لا توجد لديك أعداد كبيرة من السياح؟

كان ردي عليهم: سنبني، وسيأتون.

كانوا يقولون لي: المنطق العلمي يقول «الطلب قبل العرض»؛ لا بدَّ من وجود طلب لتزيد المعروض وتستثمر فيه. كنتُ أقول: هذه نظرية قد تكون صحيحة، لكننا نعرف كيف نطور بلادنا.

اليوم قطاع السياحة في دبي يستحوذ على ثلث عائدات السياحة الدولية في منطقة الشرق الأوسط حسب تقرير منظمة السياحة الدولية.

أتساءل أحياناً؛ ماذا لو أننا تعاونا مع أشقائنا في قطاع السياحة منذ الثمانينيات؟ هل كنا سننجح بشكل أكبر مما نحن عليه اليوم؟ أم كنا سنبقى في مرحلة دراسة جدوى المشاريع حتى اليوم؟!

شركة طيران

9 في قصة تأسيس الناقلة الوطنية يكمن واحد من التحديات الصعبة التي واجهها سموه بعزيمة وإرادة وثقة بالمستقبل وقوة نموذج دبي، فما هي هذه القصة التي تقف خلف تأسيس طيران الإمارات؟

في عام 1983، نشأ نزاع بين شركة طيران الخليج وباكستان حول حقوق الهبوط مما دفع بالأول إلى القيام بالضغط على عدد من مزوّدي الرحلات في الخليج للتوقّف عن دعم الخطوط الجوية الدولية الباكستانية.

زادت مشكلات شركة طيران الخليج مع مطار دبي حتى طلبت منّي الشركة بشكل صريح أن أنهي سياسة الأجواء المفتوحة لحماية حصتها من السوق. حدّدت لنا مهلة زمنية من بضعة أسابيع للالتزام بطلبها، بأسلوب تحذيري؛ إذا لم نلتزم فإننا ستنسحب من مطارنا، مما يعني أننا سنخسر حوالي 70% من نشاط المطار. اعتقدت الشركة أنها في موقع تفاوضي قوي يمكنها من إجبارنا على الالتزام بطلباتها.

استدعيتُ مدير شركة الخدمات الجوية «دناتا» في دبي موريس فلاناغان في العام 1984 إلى مكتبي لأستشيره في حلم طالما راودني، إنشاء شركة طيران خاصة بنا في دبي؛ شركة طيران لا تكون حكومية بل خاصة، خلافاً لواقع الحال في جميع الدول العربية، شركة تعمل وفق أنظمة القطاع الخاص وتكون لديها الاستقلالية التامة والاستدامة المالية.

اليوم «طيران الإمارات» لديها الكثير من الجوائز العالمية كأفضل ناقل جوي، ولديها تاريخ من الأرباح المتواصلة على مدى 30 عاماً.

أحياناً تجني بعض الشركات على نفسها بخوفها من المنافسة، فتكون النتيجة خلق منافس يخرجها من المنافسة.

الأحلام تكبر

10 محطة جديدة من محطات رفعة دبي وتقدمها تمثلت في نظرة جريئة في طموحها، وتكمن في تأمين تكامل الموارد المتوفرة؛ فما هي هذه المحطة؟

كان العام 1985 مختلفاً. بدأتُ فيه حلمين منفصلين: الأول إطلاق «طيران الإمارات»، وبالتالي إطلاق منطقة حرة ملحقة بميناء لأول مرة في المنطقة؛ «المنطقة الحرة في ميناء جبل علي»، وهي منطقة تجارية وصناعية يمكن للأجانب أن يتملكوا فيها بنسبة 100%، مع الحصول على إعفاءات جمركية لبضائعهم المستوردة والتي سيتم إعادة تصديرها عبر الميناء الضخم الذي شيده الشيخ راشد.

كان المنطق التجاري في ذلك الوقت أن أدخل دبي من رسوم الجمارك هو مصدر رئيسي للميزانية، وهو ما رسخه الشيخ سعيد والشيخ راشد من قبلي. ونحن اليوم ننشئ منطقة معفيةَ من الجمارك، ونسمح للتجار باستيراد ما يريدون عبر دبي دون رسوم جمركية.

في حدث منفصل في العام 1991، أمرتُ بدمج إدارة مينائي جبل علي وميناء راشد تحت ما عُرف بـ«سلطة موانئ دبي» لتكوين إدارة أقوى وخبرة أفضل. تشكّلت لدينا عبر السنوات خبرة أكبر. استطعنا التعاقد لإنشاء موانئ خارج حدود الدولة. وتوسّعت شركة «موانئ دبي الدولية»، التي تدير موانئنا الخارجية، فدمجناها مع «سلطة موانئ دبي» لتكوين شركة «موانئ دبي العالمية».

كبرت الأحلام، كبرت شركة «طيران الإمارات»، ومعها كبر مطار دبي ليتعامل مع نحو 90 مليون مسافر سنوياً، كبرت «موانئ دبي العالمية» لتستطيع مناولة 90 مليون حاوية سنوياً.

ربط الأحلام

11 إذا كان قدر دبي أن تكون نقطة وصل تربط العالم بعضه ببعض. فما هو الحلم الذي تحقق في هذا المجال، وما هي الخطوات التي قادت إليه؟

في 2010 أطلقتُ حلماً أكبر، اسمه «دبي ورلد سنترال» يربط بين حلمين قديمين: يربط بين خطوطنا الجوية وخطوطنا البحرية، وهو عبارة عن مدينة لوجستية ستضيف عند الانتهاء منها مليون نسمة. وتحتضن مطار آل مكتوم الدولي الذي سيكون الأكبر دولياً وسيخدم 160 مليون مسافر سنوياً. ترتبط المدينة الجديدة مع منطقة جبل علي التي تضم أكثر من 7000 شركة، وتبلغ حجم تجارتها أكثر من 78 مليار دولار سنوياً. أنشأنا ممراً لوجستياً ضخماً للربط بين الميناء والمطار، بحيث إن أي شحنة بحرية يمكن أن تكون في الجو خلال ساعات فقط.

خطوطنا البحرية تربطنا مع حوالي 200 مدينة حول العالم، وجبل علي يربطنا لوحده مع 140 مدينة حول العالم. بالإضافة إلى 78 ميناء إضافياً نديرها تربطنا مع بقية مدن العالم، ربما قدر دبي أن تربط العالم، عبر دمج خطوطها الجوية مع البحرية. ربما قدرنا أن نكون مطار العالم وميناءه الرئيسي.

تحدي المنافسة

12 المنافسة واحدة من حقائق الحياة الاقتصادية الثابتة، ولكن التعاطي معها يختلف بين منظور وآخر. فما هو منظور دبي للمنافسة كما يحددها سموه؟

يسألونني أحياناً: ألا تخاف من المنافسة؟ وجوابي دائماً: لو كان عالمنا العربي يضم عشر مدن مثل دبي فنحن بخير. عندما تكون دبي في منطقة ناهضة نامية، سيتضاعف نموها ونهضتها. دبي بحاجة لمدن شقيقة قوية تضع يدها بيد دبي لتحقيق معجزات عالمية جديدة؛ هكذا ننظر للمنافسة. فإذا تحسَّن اقتصاد المنطقة، وارتفع دخل الفرد فيها، وزاد عدد المتعلمين والموهوبين فيها، فستكون دبي أفضل بعشرات المرات.

جزءٌ أساسيٌ من إرث الأسرة الحاكمة في دبي هو العدالة. لا نَظلِم ولا نُظلَم.

وصيةُ جدي لنا هي التنوع الاقتصادي وعدم الاعتماد على مصدر واحد.

ارتبطت حركة المطار النشطة في ذهني بقوة الدولة أو المدينة التي يمثلها.

تعلمتُ من راشد أن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً والأقدر على تنفيذ المشاريع.

كنتُ أعرف أن المفتاح الرئيسي لترسيخ قطاع السياحة لدينا هو المطار.

اليوم السياحة في دبي تستحوذ على ثلث عائدات القطاع في المنطقة.

اقرأ أيضاً:

محمد بن راشد: أعشق تحطيم حواجز جديدة أمام شعبي

محمد بن راشد يستشهد بصنوف الإبداع في عِبَر «قصتي»

محطات من الخبرة الشخصــية والتجربة العامة في «قصتي»

Email