ليس مسموحاً لمن هم على شاكلتنا ممن يعيشون في بلدان مثل المملكة المتحدة، التي ستتوجه إلى صناديق الاقتراع في يوليو، باختيار قادتهم مباشرة، هكذا النظام البرلماني للحكومات، إذ يؤول البحث عن رئيس الوزراء إلى الساسة المُنتخبين المفترض منهم أن يمثلوا مصالح المصوتين، وتلك مسألة موفرة للوقت.
ولكن هل هذا النظام هو الأفضل للشركات العامة، أي أن يكون أعضاء مجلس الإدارة المنتخبون مسؤولين عن تعيين الرئيس التنفيذي؟ والمستثمرون لا يحصلون على قائمة تضم المرشحين ولا يُطلب منهم التصويت عليها.
ولا يُعمل بهذا النظام حتى في الولايات المتحدة، ويُعد ذلك غريباً، بالنظر إلى المكانة الرفيعة التي يحظى بها المساهمون في البلاد، ناهيك عن الولع بالانتخابات الرئاسية، كما أن هناك شركات كبيرة بحجم الدول، ولذلك، نجد في الولايات المتحدة عدداً من الشركات التي قد تضعها إيراداتها في قمة قائمة أعلى خمسين دولة على وجه الأرض، قياساً بالناتج المحلي الإجمالي.
وبطبيعة الحال، يمكن للمستثمرين معارضة الانتخابات أو إعادة انتخاب المديرين الذين عادة ما يكون الرئيس التنفيذي أحدهم، وأعلن صندوق المعاشات التقاعدية الأمريكي العملاق «كالبرز»، منذ أيام اعتزامه التصويت ضد كامل أعضاء مجلس إدارة شركة «إكسون موبيل» البالغ عددهم 12 عضواً، ومن بينهم الرئيس التنفيذي.
هذا منصف، ولا يختلف الأمر عن عدم تمكّن رئيس الوزراء البريطاني أو الأسترالي أو الكندي من قيادة البلاد إذا ما خسروا مقاعدهم البرلمانية في الانتخابات، بغض الطرف عن النتيجة الإجمالية. وعموماً، فهذه الأمثلة تأتي في سياق استذكاري، فبادئ ذي بدء، لم يتسنَّ للمساهمين اختيار الرئيس التنفيذي لكبرى شركات الطاقة الأمريكية، ولم يكن للناخبين رأي حينما أصبح ريشي سوناك رئيساً لوزراء المملكة المتحدة.
إن الشركات تعد من بين أكثر المؤسسات قوة، إذ تولّد هذه الشركات كميات مهولة من الثروة، ولذلك، من الغريب أننا نسمح لها بالابتعاد عن الديمقراطية عند اختيار قادتها، وخاصة مع اختيار الشركات تبني نسخة فظيعة من النظام البرلماني.
وبينما تحكم الأمم والأحزاب السياسية قواعد ما عند اختيار القادة من المجلس التشريعي، فإن الشركات العامة تمر بفوضى عارمة حينما يتعلق الأمر بالعثور على رئيس تنفيذي، وقد تختار مجالس الإدارة في بعض الأحيان أناساً من خارج الشركات، ليسوا معروفين للمساهمين والموظفين على حد سواء، وربما يقع اختيارهم على شخص من صناعة أخرى تماماً، ويُعد انتقال ألان مولالي من «بوينغ» إلى «فورد» مثالاً على ذلك؛ فهل طُلب رأي المستثمرين في ذلك؟ لا، لم يحدث بالتأكيد.
وتُعد التعيينات الداخلية أكثر شيوعاً، ولكن الاختيار ليس أكثر انفتاحاً. وعند حديثه عن خليفته المُحتمل في قيادة «جيه بي مورغان»، قال جيمي دايمون: «هناك في حقيقة الأمر بعض الرؤساء التنفيذيين المُحتملين الرائعين حقاً»، وإذا كان ذلك صحيحاً، إذن دعهم يتحدثون عن أنفسهم ولتسمح للمساهمين بالاختيار. وبالنظر إلى مشواري المهني الذي يمتد ثلاثين عاماً، فلو كان هناك تصويت على الرؤساء التنفيذيين الذين عملت معهم، أعتقد بأن غالبيتهم لم يكن ليحصلوا على الوظيفة.
ما الخطأ الذي تقع فيه مجالس الإدارة إذن؟ أحد هذه الأخطاء الاستسلام لضغوط المرشح الداخلي الذي تحقق أعماله أو منطقته أعلى الأرباح، وعادة ما ينطوي الأمر على الحظ وليس المهارة، ولهذا ترقى رؤساء أقسام الخدمات المصرفية الاستثمارية بصورة متكررة إلى منصب الرئيس التنفيذي لأكبر المقرضين على مستوى العالم، وكان من شأن أي اختبار روتيني للشخصية أن يكشف سريعاً أنهم غير ملائمين للمنصب.
ويعلم المساهمون أيضاً أن التلكّؤ في تصعيد المدير المالي إلى منصب الرئيس التنفيذي ليس معقولاً، وشكّل المديرون الماليون 8% من تعيينات الرؤساء التنفيذيين الجدد في الشركات المُدرجة في «إس آند بي 500» في العام الماضي، بحسب البيانات الصادرة عن «كريست كولدر أسوسيتس»، ولكن إعداد الحسابات ليس بالضرورة استعداداً لبلوغ القمة.
ولم يكن دور الرئيس التنفيذي بهذا الاتساع قط، وشأنهم شأن قادة الدول، يتعيّن عليهم أن يكونوا متعاطفين تارة، وقساة تارة أخرى، ويجب عليهم أن يكونوا رائعين عند تعاملهم مع العملاء، وأن يكونوا فطنين سياسياً وحاسمين، ولكن ليني العريكة في الوقت ذاته.
وحده الاستفتاء بين المساهمين المتنوعين يحمل في طياته أمل العثور على الشخص المناسب، ومجالس الإدارة عينة صغيرة، وفي إمكانهم أن تُسند إليهم مهمة إعداد قائمة بالمُرشحين، مثلما يفعلون، ولكن لِم لا نتخذ خطوة إضافية إلى الأمام بالسماح لأي شخص بالتقدّم؟
يمكن بجرة قلم أن تزيد نطاق المُرشحين للمنصب، ومن شأن هذه الأمر أيضاً أن يضع ضغوطاً لخفض أجور الرؤساء التنفيذيين، وهذا مشكلة اجتماعية محورية ومن ناحية الحوكمة أيضاً، في ظل تنافس الطامحين إلى المنصب على تقديم عروض أجور أقل من البقية. إن الحُجج المناوئة للانتخاب المباشر للرؤساء التنفيذيين تتسم بالضعف؛ فهل تتسم العملية بالصعوبة الشديدة؟ هناك أنظمة قائمة للتصويت، وماذا عن مشكلة تركّز حصص كبيرة في أيدي حفنة ضئيلة من كبار المديرين مثلما الحال في «بلاك روك» و«فانغارد»؟ الأمر سهل، فإما أن يسمح لهم الملّاك الأساسيون بالتصويت نيابة عنهم وإما أن يجب استفتاؤهم.
هناك مشكلة تتمثل في الأسهم غير المتمتعة بحقوق تصويت متساوية، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالأسهم الشهيرة مثل «ميتا» و«ألفابيت»؛ إذ تُعد هذه الشركات، التي يكون مؤسسوها الأعلم بالأمور، مناهضة للديمقراطية، ولكن على الأقل قد يُفضي تصويت المساهمين إلى قدر ما من الضغوط، وقد تثني الانتخابات الحرة والمفتوحة المُرشحين من الخارج عن التقدّم إذا ما كانوا مُوظفين، ولكن أليس الصدق أفضل من التسلل خلسة لإجراء مقابلات؟
ثمّة سببان أخيران للخوف من الانتخابات المباشرة، وهما الخطر الكامن في أن ينتهي الأمر بالشركة إلى تعيين رئيس تنفيذي إما شعبوي وإما ناشط، ولكن إن كان كلاهما مفيداً لسعر سهم الشركة، فلم التعلل؟ الأسوأ من ذلك الرؤساء التنفيذيون المملون الذين يشغلون غالبية المناصب العليا اليوم، ويضيف عدد قليل منهم قيمة للشركة، ولكن تتسم مجالس الإدارة بالتحفّظ، ويعلم الباحثون عن الكفاءات أنهم لن يُطردوا من الشركات لتوصيتهم بهؤلاء الأشخاص.
إن الأمور يمكن أن تكون أفضل إذا كان القرار في أيدي المساهمين، ولذا، يتعين منحهم فرصة للمحاولة.
