أخيراً.. «عراف أوماها» يتقاعد بعد أكثر من 6 عقود في دهاليز عالم المال


بينما يحتفل العالم أجمع بأعياد الميلاد بعد يومين، يشهد عالم المال في الحادي والثلاثين من ديسمبر الجاري، تقاعد وارن بافت، أو كما يلقب بـ«عراف أوماها» من منصب المدير التنفيذي لمجموعته الاستثمارية العملاقة «بيركشاير هاثاواي» تاسع أكبر الشركات الأمريكية من حيث القيمة، منهياً مسيرته المهنية الاستثنائية بعد أكثر من ستة عقود قضاها في قيادتها مسلماً زمام الأمور إلى خليفته، جريج أبيل، اعتباراً من الأول من يناير 2026.
فلطالما صرح بافت بأن فكرة التقاعد لا يمكن تصورها بالنسبة له وأنه يفضل الاستمرار في العمل لأطول فترة ممكنة، لكن في عمر الخامسة والتسعين، قرر التخلي عن منصب المدير التنفيذي، ما يعني انتهاء صلاحياته في اتخاذ القرارات اليومية والبقاء رئيساً لمجلس إدارة الشركة بدلاً عن التقاعد نهائياً، وصرح في مقابلة أجريت معه بعد إعلان قرار التنحي في مايو من هذا العام: لن أجلس في المنزل وأشاهد المسلسلات، اهتماماتي لا تزال كما هي.
ورغم إقراره بأن تقدمه في العمر قد أثر في بعض قدراته، إلا أنه أكد أنه لا يزال يمتلك ثمن مواهبه وأكثرها ندرة كمستثمر وهي أنه سيكون مفيداً حال حدوث ذعر في السوق لأنه لا يشعر بالخوف عندما تنخفض الأسعار أو حينما ينتاب الجميع الخوف، وأشاد بخليفته أبيل، البالغ من العمر 63 عاماً، وأنه مستثمر ناجح أيضاً.
تحولت «بيركشاير» تحت إدارة بافت، عندما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، من شركة نسيج متعثرة إلى كيان ضخم يمتلك سيولة نقدية هائلة بقيمة 380 مليار دولار، وأصبحت بمثابة مجموعة استثمارية مترامية الأطراف إذ تسيطر على حوالي 200 شركة.
ومنذ تولي بافت إدارة «بيركشاير» في ستينيات القرن الماضي، حققت أسهمها عوائد تفوق بكثير مكاسب مؤشر السوق الأمريكية «إس آند بي 500»، لذلك فإن بتسليمه القيادة ستتوجه الأنظار لمراقبة أداء السهم خلال عملية انتقال الإدارة إلى خليفته المختار.
ويعرف بافت بحكمته، حتى إنه لُقب بـ«عراف أوماها» واقتناصه للفرص الاستثمارية في مختلف الأسواق، ويعد شراؤه لسهم «آبل» في الفترة بين عامي 2016 و2018 من بين أكثر الاستثمارات ربحية في تاريخ مجموعته، إلى جانب اقتناصه محفظة أسهم ضخمة في العديد من الشركات منها «كوكا كولا» و«بنك أوف أمريكا» و«فيزا» والتي تتغير دورياً حسب ظروف السوق.
ولا يتميز بافت، الذي لم يشعر بالشيخوخة إلا عندما بلغ التسعين من عمره، بالقرارات الاستثمارية الصائبة في أغلبها فحسب، بل بصراحته التامة بشأن أسرار نجاحه، وأسلوب حياته البسيط والمتواضع، إلى جانب الخطابات والرسائل السنوية التي يوجهها للمستثمرين، ومشاركة الدروس الحياتية القيمة لمساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات مناسبة.
ويدير أبيل حالياً أنشطة «بيركشاير» غير التأمينية، ورغم أنه ليس خبيراً في انتقاء الأسهم، إلا أنه وعد بالحفاظ على ثقافة المجموعة ونهجها الاستثماري، كما أن بافت أشاد به في رسالته السنوية للمساهمين بمناسبة «عيد الشكر»، وسعى لطمأنة المساهمين بشأن عملية انتقال قيادة المجموعة، من خلال تعهده بالاحتفاظ بحصة كبرى، لكن بالطبع قد يستغرق الأمر سنوات حتى تتضح مدى كفاءة أبيل.