جيروم باول يلمّح لخفض الفائدة في سبتمبر
لاغارد تشيد بسوق العمل الأوروبية
بيلي قلق على معدل النمو البريطاني
أويدا يبحث عن وسيلة لتنشيط سوق العمل في اليابان
شهدت ندوة السياسة الاقتصادية السنوية لبنك الاحتياطي الفيدرالي «جاكسون هول» بولاية وايومنغ، إشارات متباينة من محافظي البنوك المركزية العالمية حول أسعار الفائدة وسوق العمل والنمو الاقتصادي، وسط قلق من تداعيات الرسوم الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
وأشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في خطابه يوم الجمعة، إلى أن البنك المركزي الأمريكي يتجه على الأرجح لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، بعدما أبقى سعر الفائدة المرجعي دون تغيير طوال الأشهر الثمانية الأولى من العام.
ولفت باول إلى «تحول في توازن المخاطر» قد يستدعي تعديل السياسة النقدية، مشيراً إلى بيانات التوظيف الضعيفة التي نُشرت عقب اجتماع السياسة النقدية الأخير.
لكنه شدد أيضاً على المخاطر المستمرة لارتفاع التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب، ما يمهّد لنقاش محتدم عندما يجتمع مسؤولو السياسة النقدية في واشنطن يومي 16 و17 سبتمبر بشأن وتيرة الخفض المناسبة، وما إذا كان ينبغي المضي في التخفيضات من الأساس.
واستغل باول خطابه أيضاً لتقديم تغييرات في الاستراتيجية العامة للسياسة النقدية، معلناً ختام المراجعة الرسمية التي بدأت أواخر العام الماضي.
هذا وقد قرر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي التراجع عن التعديلات التي أُجريت في المراجعة السابقة عام 2020، بما يعكس اختلاف التحديات التي واجهوها في الأعوام الخمسة الماضية عن تلك التي سبقت الجائحة.
فقد تخلى مسؤولو الاحتياطي عن «استراتيجية التعويض» التي أُقرت عام 2020، والتي كانت تسمح للتضخم بتجاوز مستهدف 2% لفترة معينة بعد فترات تراجعه دون الهدف.
كما غيّر المسؤولون صياغة هدف التوظيف الكامل، فلم يعودوا يركزون على «القصور» في بلوغ الهدف، وهو تغيير عام 2020 الذي كان يعني الابتعاد عن ممارسة عقود من «التشديد الاستباقي».
خلال جلسة عُقدت السبت وشارك فيها ثلاثة من كبار محافظي البنوك المركزية، تجنّب محافظا بنك إنجلترا وبنك اليابان الحديث عن آفاق السياسة النقدية، لكنهما تناولا التحديات المرتبطة بتوسيع القوى العاملة في بلديهما.
زيادات الأجور في اليابان
ففي اليابان، حيث يضغط تراجع عدد السكان وشيخوختهم على سوق العمل ويرفع التضخم، قال المحافظ كازو أويدا إن إدماج مزيد من النساء في وظائف بدوام كامل وتوظيف عدد أكبر من العمال الأجانب قد يساعد على مواجهة هذه المشكلة.
توقع محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، استمرار تسارع معدل زيادات الأجور نظراً لتحسن سوق العمل، مشيراً إلى تفاؤله بتوفر الظروف المناسبة لرفع آخر لأسعار الفائدة.
ومن المرجح أن تعزز هذه التصريحات توقعات السوق بأن البنك المركزي سيستأنف دورة رفع أسعار الفائدة، التي تم تعليقها مؤقتاً بسبب القلق من تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد المعتمد على التصدير، في وقت لاحق من هذا العام.
قال أويدا: «من الجدير بالذكر أن نمو الأجور ينتشر من الشركات الكبيرة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، وباستثناء صدمة سلبية كبيرة في الطلب، من المتوقع أن تظل سوق العمل متماسكة وتواصل الضغط على الأجور لرفعها»
قصة محزنة لبريطانيا
أما محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي فقال إن مزيجاً من ضعف الإنتاجية وتراجع المشاركة في سوق العمل ترك المملكة المتحدة أمام «تحدّ حاد لزيادة معدل النمو المحتمل». وأضاف: «إنها قصة محزنة للغاية بالنسبة لبريطانيا».
قال بيلي: إن بريطانيا تواجه «تحدياً كبيراً» بسبب ضعف النمو الاقتصادي وانخفاض مشاركة القوى العاملة منذ جائحة «كوفيد 19». وأشار بيلي إلى أن تقدم السكان في العمر والانخفاض الواضح في عمل البريطانيين الشباب بسبب المرض زادا من الحاجة إلى بذل جهود لتعزيز الإنتاجية الاقتصادية.
وأضاف «بالعودة إلى هذا السؤال حول معدلات النمو المحتملة، فإن ذلك يضع مزيداً من التركيز على زيادة نمو الإنتاجية... فالشيخوخة لن تتبدل في المستقبل المنظور».
وذكر بيلي أن البنك المركزي حول تركيزه من الاتجاهات طويلة الأجل في البطالة إلى النظر في مستويات المشاركة في القوى العاملة بدلاً من ذلك.
وتظهر البيانات الرسمية أن النسبة المئوية لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عاماً النشطين في سوق العمل في بريطانيا أقل مما كانت عليه قبل جائحة «كوفيد 19»، على عكس الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
مرونة سوق العمل الأوروبي
بدورها، قدّمت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد رسالة أكثر تفاؤلاً، إذ قالت إن سوق العمل الأوروبية أثبتت مرونة غير متوقعة في مواجهة صدمة تضخمية «تحدث مرة واحدة في 100 عام» والزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة.
وأضافت: «انخفض التضخم بشكل حاد، وبكلفة منخفضة بشكل لافت على التوظيف». وقالت لاغارد إن تدفق العمال الأجانب قدم لاقتصاد منطقة اليورو دفعة قوية في السنوات القليلة الماضية، ما أسهم في تعويض قلة ساعات العمل وانخفاض الأجور الحقيقية.
وتسببت الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي في ارتفاع عدد سكان التكتل إلى رقم قياسي العام الماضي على الرغم من انخفاض عدد المواليد، لكن الحكومات بدأت في فرض قيود على الوافدين الجدد بسبب الاستياء المحلي. وذكرت لاغارد أن ارتفاع عدد العمال من خارج الدول العشرين التي تشترك في عملة اليورو ساهم في دعم اقتصاد التكتل على الرغم من تزايد تفضيل العمل لساعات أقل وانخفاض مستويات المعيشة في بعض القطاعات.
وأشارت لاغارد: «على الرغم من تمثيلهم حوالي تسعة بالمئة فقط من إجمالي القوى العاملة في 2022، فإن العمال الأجانب ساهموا في نصف نمو (الاتحاد الأوروبي) خلال السنوات الثلاث الماضية... وبدون هذه المساهمة، كانت ظروف سوق العمل ستكون أشد صعوبة والناتج أقل».
وأوضحت أن الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا كان سيكون أقل بنحو ستة بالمئة مما كان عليه في 2019 دون العمالة الأجنبية، وأن الأداء الاقتصادي القوي لإسبانيا منذ نهاية جائحة «كوفيد 19» يعود في الأغلب إلى إسهام العمالة الأجنبية.
وارتفع عدد سكان الاتحاد الأوروبي إلى رقم قياسي بلغ 450.4 مليون نسمة العام الماضي، إذ عوض صافي الهجرة التراجع الطبيعي لعدد السكان للعام الرابع على التوالي.
لكن هذا النمو السكاني جاء بتكلفة سياسية، إذ اتجه الناخبون المحليون بشكل متزايد لدعم الأحزاب اليمينية المتطرفة.
وعلى سبيل المثال، علقت الحكومة الألمانية الجديدة برامج لم شمل الأسرة وإعادة التوطين في ظل سعيها لاستعادة الدعم من الناخبين الذين انجذبوا إلى حزب «البديل من أجل ألمانيا».