الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين دفعة إيجابية للاقتصاد العالمي
رسوم السيارات تضر بالاقتصاد الياباني.. والوضع مع أوروبا غير واضح
كندا تلغي رسوم شركات التكنولوجيا الأمريكية.. وتدرس دعم منتجي الألمنيوم
باريس تأمل في اتفاق قبل نهاية الأسبوع أو إظهار أوروبا قوتها
تترقب الأسواق العالمية بحذر ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة من التفاهمات التجارية، في ظل تصاعد التصريحات الأمريكية وتباين الرسائل القادمة من البيت الأبيض، فبين وعود بالنجاح في إبرام المزيد من الاتفاقات وتهديدات بفرض الرسوم، تعيش الأسواق حالة من عدم اليقين، وسط رهان المستثمرين على انفراجة قد تجنب الاقتصاد العالمي مزيداً من التوترات.
يتزامن هذا الترقب مع ما تصفه بعض الدوائر الاقتصادية بـ«اللحظة الحرجة»، حيث يقترب موعد انتهاء المهلة التي حددتها الإدارة الأمريكية (في التاسع من يوليو) لحسم عدد من الملفات التجارية المعقدة، لا سيما مع الصين واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي. وفيما تشير بعض التصريحات الرسمية إلى قرب التوصل لاتفاقات، فإن غياب التفاصيل الملموسة يبقي الغموض قائماً.
وفي قلب هذا المشهد المتقلب، يبرز الاتفاق الإطاري الأخير مع الصين - والذي سبقه الاتفاق مع المملكة المتحدة - بوصفه نقطة تحول محتملة، يمكن أن تعيد تشكيل ملامح العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم.
لكنه، رغم إشاعته لأجواء من التفاؤل، لم يبدد بعد المخاوف من عودة التوتر إذا ما تعثرت المفاوضات الأخرى أو طغت الحسابات السياسية على المسارات الاقتصادية.
ورغم آمال الأسواق في تمديد المهلة المحددة من قبل إدارة ترامب لفرض الرسوم الجمركية، إلا أن الرئيس الأمريكي قد بدد تلك الآمال عندما قال إنه لا ينوي التمديد إلى ما بعد التاسع من يوليو، وذكر أن دولاً عدة من بينها الهند على سبيل المثال يتوقع التوصل لاتفاق معها قريباً.
وينظر إلى الفترة الحالية بأنها «فترة ترقب وعدم وضوح بالنسبة للأسواق العالمية»، خصوصاً في ظل التباينات القائمة في الاتفاقات التجارية.
ووفق وزير التجارة هوارد لوتنيك، فإن اتفاقيات التجارة مع عشرة شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة «باتت وشيكة»، وذلك في الوقت الذي تكافح فيه دول مثل اليابان للوصول إلى اتفاق مع واشنطن.
كما يقول وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، إن بلاده «قد تكمل ما تبقى من محادثاتها التجارية الأكثر أهمية بحلول عيد العمال الأمريكي (في الأول من سبتمبر)».
ترقب
في هذا السياق، يشير رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، إلى أن التركيز الأبرز حالياً ينصب على العلاقات التجارية، لا سيما بين الولايات المتحدة وكل من اليابان والصين والاتحاد الأوروبي.
فيما يتعلق باليابان، لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بشأن الرسوم على قطاع السيارات بشكل خاص، في وقت يصر فيه الرئيس ترامب على فرض رسوم بنسبة 25%، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً لاقتصاد اليابان الذي يعتمد بشكل حيوي على هذا القطاع.
أما مع الصين، فقد تم التوصل إلى بعض الاتفاقات، خصوصاً فيما يتعلق بالمعادن النادرة. ومع أوروبا، لا يزال من غير الواضح مدى التقدم نحو اتفاق تجاري واضح.
ويقول يرق لـ «البيان»: إن الاقتصاد الأمريكي يواجه تحديات مالية متفاقمة، أبرزها ارتفاع الدين العام دون خطة واضحة لزيادة الإيرادات، ما يثير مخاوف بشأن الاستقرار طويل الأمد. ويحذر من أن حالة الغموض قد تعود بعد سبتمبر، مما يضغط على أسواق الأسهم، مشيراً إلى أن موجة البيع الواسعة في السندات والدولار تعكس هذا القلق وتدفع نحو مرحلة ترقب حذرة للتطورات المقبلة.
وبحسب الرئيس ترامب، فإنه يتوقع التوصل لاتفاقات جديدة قبل شهر أغسطس المقبل، وذلك لدى حديثه مع شبكة «فوكس نيوز»، وهو الحديث الذي أبرز فيه الاتفاق مع الصين واصفاً إياه بأنه «أمر جيد جداً».
وأعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، أن الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية ستبدأ من 30%. وستبلغ الرسوم الجمركية الصينية على الواردات الأمريكية 10%.
الاتفاق مع الصين
فيما يخص الاتفاق مع الصين بشكل خاص، يقول استراتيجي الأسواق المالية في شركة First Financial Markets، جاد حريري لـ «البيان»: إن الاتفاق «التاريخي» الذي تم التوصل إليه بين بكين وواشنطن يمكن أن يمثل نقطة تحول محورية في مسار العلاقات الاقتصادية والسياسية بين أكبر اقتصادين في العالم، مشدداً على أن هذا الاتفاق «شكل دفعة إيجابية للاقتصاد العالمي وللأسواق الأمريكية على وجه الخصوص، فقد سجلت المؤشرات الأمريكية مستويات قياسية جديدة، مما عزز حالة من التفاؤل والثقة لدى المستثمرين تجاه هذا التفاهم، وفتح المجال أمام المزيد من التعاون البناء بين الأطراف المعنية».
ويوضح حريري أن هذا الاتفاق يخدم المصالح المشتركة للبلدان المعنية، سواء من الجانب الاقتصادي أو السياسي، ويضع الأساس لمرحلة جديدة من الاستقرار والتقدم، مردفاً: «الأسواق تعكس اليوم حالة من اليقين بأن مرحلة من الغموض أصبحت خلفنا، وهذا ينعكس بشكل مباشر وإيجابي على الاقتصاد العالمي ككل، كما يعزز من أداء الأسواق الأمريكية بشكل خاص».
لكن وعلى الرغم من التوصل إلى هذا الاتفاق، لا تزال الأسواق العالمية تترقب بحذر ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة، إذ إن الغموض لا يزال يكتنف تفاصيل عدد من الاتفاقات التجارية المنتظرة، في وقت بدأ فيه العد التنازلي لانتهاء المهلة الزمنية التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنجاز تفاهمات أكثر شمولاً قبل فرض الرسوم الجمركية.
ويخشى المستثمرون من أن تعود التوترات إلى الواجهة ما لم يتم تثبيت هذه التفاهمات بإجراءات ملموسة وخطط واضحة، الأمر الذي يبقي المشهد الاقتصادي العالمي معلقاً بين التفاؤل الحذر والترقب المتأهب.
تهدئة من كندا
ألغت كندا ضريبة الخدمات الرقمية التي فرضتها أخيراً على شركات؛ كشركتي «ميتا وألفابت»، في خطوة لاستئناف محادثات التجارة مع الولايات المتحدة.
وقال وزير الدخل القومي فرانسوا فيليب شامبين في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت متأخر الأحد بالتوقيت المحلي: إن إلغاء ضريبة الخدمات الرقمية سيسمح للمفاوضات بإحراز تقدم مهم وتعزيز عملهم على خلق فرص العمل وبناء الرخاء لجميع الكنديين.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن، إنهاء جميع مناقشات التجارة مع كندا، أحد أكبر شركائها التجاريين، رداً على الضريبة الرقمية كما هدد بفرض رسوم جمركية جديدة خلال أسبوع.
قال الرئيس التنفيذي لرابطة الألمنيوم الكندية جان سيمار، إن الحكومة الكندية أجرت محادثات بشأن إمكانية تقديم دعم مالي لمنتجي الألمنيوم الكبار، مثل شركة ريو تينتو، في حال استمرت الرسوم الأمريكية البالغة 50% التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على واردات الألمنيوم على المدى المتوسط.
أمل في باريس
أعرب وزير الاقتصاد الفرنسي إريك لومبار، عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة «خلال نهاية الأسبوع» لتجنب تطبيق الرسوم الجمركية العقابية، معتقداً أنه في حال فشل المفاوضات سيتعين على الاتحاد الأوروبي الرد «بقوة أكبر».
وقال الوزير، خلال لقاءات «إيكس أون بروفانس» الاقتصادية، «فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، من المرجح أن تحسم الأمور خلال نهاية هذا الأسبوع، نظراً لوجود وفد من المفوضية الأوروبية في واشنطن».
وأضاف لومبار: «آمل أن نتوصل إلى اتفاق خلال نهاية الأسبوع. وإن لم يحدث ذلك، فسيتعين على أوروبا بلا شك أن تظهر قوة أكبر في ردها لاستعادة التوازن».