التطور السريع الذي تشهده دبي، يفتح أبواباً جديدة أمام الشركات العالمية والصينية لتتواجد في مركز عالمي رائد، حيث تشهد دبي حالياً طفرة هائلة في البنية التحتية، تضعها في موقع «النجمة القطبية» للتجارة العالمية، فالطرق أصبحت أوسع، ومباني المكاتب أكثر، والمناطق السكنية أكثر كثافة في جميع أنحاء الإمارة، وذلك وفقاً لتقرير نشره موقع «كي آر آسيا» الصيني.
وقال التقرير إن دبي تعمل أيضاً على توسعة مطار آل مكتوم الدولي، الذي من المقرر أن يصبح أكبر مطار في العالم بعد إنجاز مشروع «برج زعبيل وان» الذي يضم أطول جسر معلق في العالم.
تقود خطة دبي الاقتصادية D33 كل هذه التنمية، بحسب الموقع. تم الإعلان عن هذه المبادرة الطموحة عام 2023، وتهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للإمارة بحلول عام 2033، وذلك بدعم من 100 مشروع تحولي ضخم.
خطة D33
وأشار التقرير الى أن دبي التي يبلغ عدد سكانها 3.5 ملايين نسمة حاليا، تسعى الى مزيد من النشاط في البنية التحتية لتحقيق أهدافها الطموحة؛ حيث تسعى الإمارة إلى زيادة جاذبية الابتكارات في مجال الأعمال التجارية، للتوسع في نظام تجارة إعادة التصدير والانشطة التجارية عموماً.
ووفقاً لمحمد الكمالي الرئيس التنفيذي لتطوير التصنيع والتصدير في دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، فإن نجاح خطة دبي الاقتصادية «D33»، يعتمد على البنية التحتية القوية والتجارة الحرة والتعاون التجاري، ومن أهدافها الرئيسية مضاعفة حجم التجارة الخارجية لدبي. وتتوافق طموحات دبي مع الصين، التي لطالما كانت أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي؛ ففي عام 2023، وسط التحديات الاقتصادية العالمية، واصلت التجارة التوسع بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الأسواق الناشئة الأخرى مثل أفريقيا.
ومع تحول دبي نحو التنوع الاقتصادي، أصبح للشركات الصينية فرصة كبيرة للتعاون؛ فمثلاً في أغسطس 2024، عقدت غرف دبي منتدى للأعمال في بكين، وتظل الصين الدولة الوحيدة التي تمتلك 3 مكاتب لغرف دبي التجارية ـــ تقع في شنغهاي وشنزن وهونغ كونغ.
ويشير التقرير إلى أن دبي كانت من بين أولى مدن الخليج التي هدمت الحواجز التجارية، وسرعان ما أصبح سوقها المفتوح مركزاً عالمياً للتجارة والاستثمار؛ ومنذ ذلك الحين، أقامت الشركات متعددة الجنسية مقراتها الإقليمية في دبي، واليوم، تعد شعارات وعلامات الشركات الصينية شائعة ومنتشرة في مباني المكاتب في جميع أنحاء الإمارة. وتضم غرف دبي التجارية الآن أكثر من 5100 عضو نشط من أهم وأكبر الشركات الصينية؛ فوفقاً لمحمد علي راشد لوتاه، مدير عام غرف دبي، بينما كانت الاستفسارات تأتي سابقاً في الغالب من القطاعات التجارية التقليدية، فإن المزيد من الشركات في مجال الإنترنت والتكنولوجيا المالية، مثل شين وتيمو، تحصد حصة كبيرة من السوق في الشرق الأوسط.
في 2022، استؤنفت المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وبحلول عام 2023، كان الطرفان قد اتفقا على تسريع المفاوضات. وبمجرد توقيعها، يمكن أن تصبح الاتفاقية ثاني أكبر اتفاق تعاون إقليمي في العالم.
وجهة للشركات
وأكد التقرير أن دبي تعد أرضاً مستقطبة للشركات العالمية، وسمحت بملكية أجنبية بنسبة 100%، حيث تسهل الصادرات إلى الأسواق العالمية الرئيسية بمعدلات ضرائب أقل، بوجود عوامل جذب أخرى، أبرزها انعدام ضريبة الدخل الشخصية، وعوامل جذب أعلى لاستقطاب المهارات، حيث نجد في قطاعات مثل البنوك والتأمين والاتصالات، الكفاءات الأجنبية من كافة دول العالم.
عامل الاتصال
وأشار التقرير إلى أن عامل الاتصال والنقل أمر بالغ الأهمية للأعمال التجارية، كما يؤكد محمد الكمالي، وقد أدى دور دبي كمركز اتصال للخطوط الجوية والشركات ورواد الأعمال إلى إنشاء نظم بيئية كاملة بمرور الوقت.
ومن جهة أخرى أشار التقرير الى ما توليه دبي للتحول نحو الطاقة المتجددة والفرص الكبيرة أمام الشركات لتحقيق نجاحات كبيرة، وقالت ليديا ليو رئيس التسويق الاستراتيجي في شركة «لونغي جرين إنرجي»، إن صناعة الطاقة الشمسية في دبي قد بنت بالفعل نظاماً بيئياً قوياً، من منتجي الطاقة المستقلين إلى الشركات الصينية للهندسة والمشتريات والبناء، ومصنعي الوحدات. وبالنسبة لشركة «لونغي»، كان القرب من العملاء سبباً آخر لاختيار دبي؛ فمع أكثر من 400 طريق جوي وبحري، يمكن للمدينة الوصول إلى ثلث سكان العالم في 5 ساعات وثلثيهم في 8 ساعات.
وتمنح هذه الميزة الجغرافية فرق «لونغي» القدرة على تغطية أكثر من 80 دولة مستهدفة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى وباكستان بكفاءة.
ويشير الرئيس التنفيذي لعمليات «جريت كون» في الشرق الأوسط ديلان شن، أن تركيز دبي على الأعمال التجارية والأشخاص يتيح للشركة جمع معلومات قيمة وتعزيز العلاقات؛ بالإضافة إلى المساهمة في إمكانية وصول الشركة إلى خدمة العملاء بشكل أفضل والزيارة بسهولة لمواقع المشاريع للفحوصات أو التنسيق.
اللوجستيات
من الناحية الجغرافية، تقع دبي في موقع متميز بالفعل بالنسبة للشركات متعددة الجنسية لتغطية سوق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لكن طموحات الإمارة تتجاوز ذلك وتتوسع دوما.
يقول الكمالي: «عندما نتحدث عن الأعمال التجارية اليوم، هناك ثلاثة أشياء مهمة - أرخص وأسرع وأفضل، كيف يمكن لدبي أن تكون مركزاً أرخص وأسرع وأفضل للسلع مع الحفاظ على تنافسيتها؟ تكمن الإجابة في اللوجستيات».
في 2021، وافق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على خطة تطوير التجارة لمدة خمس سنوات.
وتهدف هذه الخطة إلى إضافة 200 مدينة دولية إلى شبكة التجارة في دبي وزيادة حجم التجارة السنوي للمدينة إلى 2 تريليون درهم «544.5 مليار دولار».
وكجزء من هذا الجهد، أعلنت دبي عن استثمار بقيمة 35 مليار دولار لتوسيع مطار آل مكتوم الدولي، مما يجعله أكبر مطار مدني في العالم.
ويقع بجوار المطار منطقة «إي زد دبي» (EZDubai) المخصصة للتجارة الإلكترونية في دبي الجنوب، والمصممة للشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الشركات متعددة الجنسية.
ويمكن للشركات في منطقة التجارة الإلكترونية، التركيز على أعمالها الأساسية، والاستمتاع بالإعفاءات الضريبية وغيرها من مزايا المنطقة الحرة، بينما تتولى «إي زد دبي» عمليات التخزين ومعالجة الطلبات والتسليم.
حاضنة الأعمال الصينية
وأوضح محسن أحمد المدير التنفيذي للمنطقة اللوجستية في دبي الجنوب، أن مهمة «إي زد دبي» تتمثل في مساعدة الشركاء الإقليميين والدوليين على توسيع أعمالهم والاستفادة من البنية التحتية المتطورة والنظام البيئي في دبي الجنوب.
وتعد دبي الجنوب مشروعاً ضخماً يتألف من 6 مناطق رئيسية، تضم «مدن» للوجستيات والتجارة والسكن والطيران والغولف، على التوالي، بالإضافة إلى مستودع ذكي يعمل بتقنية «جي فايف» تم إنشاؤه من قبل هواوي الصينية.
ويربط الممر اللوجستي، وهو شبكة من الطرق السريعة، دبي الجنوب بمنطقة جبل علي الحرة (جافزا)، التي تستضيف أكبر ميناء للمياه العميقة في الشرق الأوسط، ميناء جبل علي.
وتضمن هذه الشبكة المتكاملة الاتصالات بين البحر والبر والجو، مما يقلل من أوقات التسليم.
وقد جعلت المجموعة الصناعية التي تشكلها دبي الجنوب ومنطقة جبل علي الحرة (جافزا) والممر اللوجستي، المنطقة قاعدة مثالية لشركات التجارة الإلكترونية واللوجستيات مثل «يو بي إس»، و«فيديكس» و«دي إتش إل» وأمازون ونون، كما أن عمالقة اللوجستيات الصينية مثل: «جي دي لوجيستيكس»، و«إس إف إنترناشونال»، و«يوندا إكسبريس» أنشأت أيضاً فروعاً لها في دبي.
وفي الماضي، كانت السلع السائبة هي الطريقة الرئيسية التي يدخل بها المصنعون الصينيون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والآن، مع مشاريع البنية التحتية، تلعب دبي دوراً أكبر في التجارة الإلكترونية عبر الحدود.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن استراتيجية التنمية في دبي تتميز دائماً بالنظرة المستقبلية.
فكما قال دينيس ليستر نائب الرئيس الأول للمنتجات والابتكار في «الإمارات للشحن الجوي»، فإن التجارة الإلكترونية هي الموجة الكبيرة المقبلة في التجارة العالمية، وستكون القدرات الجديدة ضرورية لمواكبة عالم يتغير بسرعة أو المخاطرة بالترك وراء الركب.
الإمارات نحو التحول
وتلتزم دولة الإمارات بتسريع انتقالها إلى الطاقة المتجددة على الرغم من كونها واحدة من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم.
ولتقليل اعتمادها على النفط، تركز الإمارات على سياسة التنوع الاقتصادي، وتتجه دبي بشكل خاص إلى القطاعات غير النفطية مثل إعادة التصدير والسياحة والعقارات والمالية.
وفي قطاع الطاقة المتجددة، تعهدت دبي بتوليد 100% من طاقتها من مصادر نظيفة بحلول عام 2050.
وبحلول عام 2030، ستصبح الألواح الشمسية إلزامية على الأسطح، ومن المقرر أن يصل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية إلى إجمالي الطاقة المركبة 5000 ميغاواط.
وفي الاقتصاد الرقمي، أطلقت دبي العديد من المبادرات، بما في ذلك «استراتيجية دبي للبلوكتشين» و«دبي الذكية» و«استراتيجية دبي للميتافيرس»، إلى جانب المشاريع في مجال الروبوتات والتشغيل الآلي.
وفي مجال التصنيع، لاحظ سعود أبو الشوارب، النائب التنفيذي لرئيس مجموعة تيكوم – القطاع الصناعي المدير العام لمدينة دبي الصناعية، أن مبادرة «صنع في الإمارات» التي أطلقتها دولة الإمارات في عام 2021 بقيمة 300 مليار درهم (81.7 مليار دولار)، قد أنتجت بالفعل 197 مليار درهم (53.6 مليار دولار) من الناتج الصناعي.
وكجزء من خطة دبي 2033، تركز الإمارة على بناء نظام بيئي صناعي أكثر اخضراراً وأكثر مرونة، بهدف جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. كما تسمح المبادرة للشركات الصينية بتقليل المخاطر الجيوسياسية والتوسع بسلاسة في الأسواق العالمية.
وبموجب اتفاقيات مثل الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تنتهجها دولة الإمارات، يمكن للمنتجات التي يتم تجميعها في الإمارات دخول الأسواق الرئيسية مثل الهند وإندونيسيا وتركيا، وفي النهاية، دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بتعريفات جمركية أقل. ومن المتوقع أن تدفع هذه المبادرات التحول الاقتصادي في دبي، حيث من المتوقع أن تلعب الشركات الصينية دوراً محورياً في هذه الرحلة.