ترقّب حذر بالأسواق العالمية في ثالث أسابيع ديسمبر

تعكس حركة الأسواق العالمية في الأسابيع الأخيرة من عام 2025، حالة مركّبة من الترقّب والحذر، في وقت تتداخل فيه عوامل الزخم مع إشارات القلق، وتتشابك القرارات الاستثمارية بين البحث عن العائد والتحوّط من المخاطر.

وتعكس حصيلة الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر، تباينات واضحة في أداء الأسواق العالمية، مع تحركات متباعدة بين وول ستريت والأسواق الأوروبية، بينما خطفت اليابان الأنظار بمسار مختلف، فرضته تطورات السياسة النقدية، في وقت بقيت فيه السلع تحت تأثير عوامل متناقضة.

وتبرز «وول ستريت» كعنوان للتباين، إذ تحركت مؤشرات الأسهم الأمريكية في اتجاهات متباعدة، متأثرة بشد وجذب بين زخم قطاعات بعينها، ومخاوف التقييم المرتفع لأسهم الذكاء الاصطناعي، ما أبقى الأداء محصوراً ضمن نطاقات حذرة. في المقابل، بدت الأسواق الأوروبية أكثر تماسكاً، مدعومة بحالة من الاستقرار النقدي، ما سمح لها بتحقيق مكاسب أسبوعية، عكست ثقة نسبية لدى المستثمرين.

«وول ستريت»

وأنهت «وول ستريت» تعاملاتها الأسبوعية على أداء متباين، عكس حالة شدّ وجذب بين شهية المخاطرة المدفوعة بزخم أسهم التكنولوجيا، لا سيما شركات الذكاء الاصطناعي، وبين مخاوف متنامية بشأن التقييمات المرتفعة، التي باتت تفرض نفسها بقوة على قرارات المستثمرين. وفي أسبوع اتسم بتقلبات ملحوظة داخل الجلسة الواحدة، مالت المؤشرات الأمريكية الرئيسة إلى التحرك في مسارات مختلفة، في إشارة إلى تباين الرؤى حيال اتجاه السوق مع اقتراب نهاية العام.

وكان مؤشر «داو جونز» الصناعي الخاسر الأبرز على أساس أسبوعي، إذ أنهى تداولاته عند مستوى 48134.89 نقطة، مقارنة بإغلاق الأسبوع الماضي عند 48458.05 نقطة، مسجلاً تراجعاً قدره 323.16 نقطة، أي ما يعادل 0.67 %. في المقابل، تمكن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» من الحفاظ على مكاسب محدودة، ليغلق الأسبوع عند 6834.50 نقطة، مقابل 6827.41 نقطة في الأسبوع السابق، بارتفاع بلغ 7.09 نقاط، أو 0.10 %.

أما مؤشر «ناسداك» المركب، الأكثر ارتباطاً بأسهم التكنولوجيا، فقد واصل تفوقه النسبي، منهياً الأسبوع عند 23307.62 نقطة، مقارنة بإغلاق سابق عند 23195.169 نقطة، محققاً مكاسب قدرها 112.45 نقطة، أي 0.48 %.

وشكلت تقلبات أسهم الذكاء الاصطناعي محوراً رئيساً في حركة السوق، إذ بدت هذه الأسهم وكأنها المحرك الأساسي للزخم، لكنها في الوقت نفسه مصدر قلق متزايد. فبعد موجات صعود قوية مدفوعة بتوقعات نمو الإيرادات والإنفاق الرأسمالي، ظهرت عمليات بيع انتقائية، مع ارتفاع الأصوات المحذّرة من أن الأسعار الحالية تعكس سيناريوهات نمو شديدة التفاؤل.

وفي الخلفية، لا تزال مخاوف التقييمات المرتفعة تلقي بظلالها على المشهد، خصوصاً مع مقارنة مضاعفات الربحية الحالية بالمعدلات التاريخية. وقد دفع ذلك شريحة من المستثمرين إلى إعادة توزيع المحافظ، عبر تخفيف الوزن النسبي لبعض أسهم التكنولوجيا الثقيلة، لصالح قطاعات أكثر دفاعية، أو الاحتفاظ بمستويات أعلى من السيولة، انتظاراً لإشارات أوضح بشأن السياسة النقدية والبيانات الاقتصادية المقبلة.

وفي ما يتعلق بأداء مجموعة من أبرز الأسهم في وول ستريت، فقد ارتفعت أسهم تسلا بنحو 5 %، كما صعدت إنفيديا بأكثر من 3 %، فيما تراجعت أسهم أبل خلال الأسبوع بأكثر من 1.5 %.

مكاسب جماعية

وأنهت الأسهم الأوروبية تعاملات الأسبوع الثالث من ديسمبر، على مكاسب جماعية، في أداء اتسم بالتماسك النسبي، وبدعم واضح من حالة الاستقرار النقدي، بعدما قرر البنك المركزي الأوروبي الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، في اجتماعه الأخير لعام 2025.

جاء هذا القرار -المتسق مع التوقعات- ليمنح الأسواق جرعة من الطمأنينة، في وقت يوازن فيه المستثمرون بين تباطؤ النمو الاقتصادي في بعض الاقتصادات الكبرى، واستمرار الضغوط التضخمية بوتيرة أقل حدة، مقارنة بالفترات السابقة.

وسجل مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي أداءً إيجابياً، ليغلق عند مستوى 587.50 نقطة، مقارنة بإغلاق الأسبوع الماضي عند 578.24 نقطة، محققاً مكاسب بلغت 9.26 نقاط، أو ما يعادل 1.60 %.

وفي ألمانيا، حافظ مؤشر «داكس» على حركته الصعودية، منهياً الأسبوع عند 24288.40 نقطة، مقابل 24186.49 نقطة في الأسبوع السابق، بارتفاع قدره 101.91 نقطة، أو 0.42 %.

أما مؤشر «كاك 40» الفرنسي، فقد سجل مكاسب لافتة نسبياً، ليغلق عند 8151.38 نقطة، مقارنة بـ 8068.60 نقطة في الأسبوع الماضي، بارتفاع بلغ 82.78 نقطة، أو 1.03 %.

وكان مؤشر «فوتسي 100» البريطاني، هو الأفضل أداءً بين المؤشرات الأوروبية الرئيسة، بعدما قفز بنسبة 2.57 %، مغلقاً عند 9897.42 نقطة، مقارنة بـ 9649.03 نقطة في الأسبوع السابق، بمكاسب بلغت 248.39 نقطة. ومع ذلك، لم يغب الحذر عن التعاملات، إذ لا تزال الأسواق الأوروبية تواجه تحديات مرتبطة بوتيرة النمو الضعيفة، والتباينات الواضحة بين اقتصادات المنطقة. كما يواصل المستثمرون مراقبة مسار التضخم بعناية، تحسباً لأي تغير في نبرة المركزي الأوروبي خلال العام المقبل، خصوصاً إذا ما عادت الضغوط السعرية للظهور.

خسارة يابانية

وفي اليابان، سجل مؤشر «نيكاي» خسارة أسبوعية بنسبة 2.61 % تقريباً، مُنهياً التعاملات عند مستوى 49507.21 نقاط، مقارنة مع 50836.55 نقطة عند إغلاق الأسبوع الماضي.

وفي خطوة تاريخية جديدة نحو إنهاء ⁠عقود من الدعم النقدي الهائل، وتكاليف الاقتراض فائقة التيسير، رفع بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة يوم الجمعة إلى 0.75 %، من 0.‍5 %.

النفط والذهب

وأنهت أسعار النفط تعاملات الأسبوع على تراجع ملحوظ، في ظل ضغوط متزايدة، فرضتها المخاوف المرتبطة بوفرة المعروض، إلى جانب تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وفنزويلا، العضو في منظمة «أوبك». وسجل خام «برنت» تراجعاً أسبوعياً، ليغلق عند 60.47 دولاراً للبرميل، عند تسوية الجمعة 19 ديسمبر، مقارنة بإغلاق الأسبوع الماضي عند 61.12 دولاراً، بخسائر بلغت 0.65 دولار، أو ما يعادل 1.06 %.

أما خام غرب تكساس الأمريكي الوسيط، فقد أنهى الأسبوع عند 56.66 دولاراً للبرميل، مقابل 57.44 دولاراً في الأسبوع السابق، متراجعاً بنحو 0.78 دولار، أي بنسبة 1.36 %.

وفي الخلفية، برزت الاضطرابات السياسية بين الولايات المتحدة وفنزويلا، كعامل ضغط إضافي على معنويات السوق. فقد أعادت التصريحات والتهديدات الصادرة عن الرئيس الأمريكي تجاه كاراكاس، تسليط الضوء على مستقبل صادرات النفط الفنزويلية.

فيما واصل المعدن الأصفر تحليقه، مسجلاً مكاسب أسبوعية بنحو 1 %، بدعم من توقعات مزيد من خفض الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي العام المقبل. وسجل الذهب مستويات 4346 دولاراً للأونصة. ويستفيد الذهب عادةً من بيئة الفائدة المنخفضة، بوصفه أصلاً لا يدرّ عائداً، إذ إن تراجع أسعار الفائدة يقلّص تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن النفيس، مقارنة بالأدوات ذات العائد مثل السندات. كما تسهم توقعات خفض الفائدة في إضعاف الدولار ، ما يعزز جاذبية الذهب لحائزي العملات الأخرى، ويدعم ارتفاع أسعاره.

وفي الوقت نفسه، ينظر المستثمرون إلى الذهب كأداة تحوط في مواجهة مخاطر التضخم وتقلبات الأسواق، وهو ما يفسر زيادة الطلب عليه، مع تصاعد الرهانات على توجه الفيدرالي نحو سياسة نقدية أكثر تيسيراً خلال المرحلة المقبلة.