وفاء عيد ومصطفى عبدالقوي - ومحمد فرج
يعيد التصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، إشعال المخاوف الجيوسياسية، في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، وذلك في وقت تتزايد فيه الهشاشة داخل الأسواق العالمية، التي ترزح بالفعل تحت ضغوط اقتصادية معقدة، فالضربات المتبادلة بين الجانبين، لم تمر مرور الكرام على البورصات، إذ تفاعل المستثمرون سريعاً مع تطورات المشهد، من خلال تحركات حادة نحو الأصول الدفاعية، وتصفية مراكز المخاطرة.
وعبّرت مؤشرات «وول ستريت» والأسواق الأوروبية والآسيوية عن تلك المخاوف بوضوح، حيث تكبّدت خسائر أسبوعية ملحوظة، وسط موجة بيع، اتسعت رقعتها بعد الضربات الإسرائيلية على إيران بنهاية الأسبوع، في وقت ارتفعت فيه أسعار الذهب والنفط، في انعكاس مباشر لتزايد الطلب على الملاذات الآمنة، ومخاوف تعطل الإمدادات. وتشير توقعات الخبراء، إلى أن أسهم شركات التكنولوجيا العسكرية والذكاء الاصطناعي، ستكون بين أكبر الرابحين، بسبب ارتفاع الطلب على الأنظمة الدفاعية المتقدمة.
ويعد العامل الجيوسياسي قوة دافعة رئيسية، تُضاف إلى جملة الضغوط التي تواجه الاقتصاد العالمي، من تباطؤ النمو، إلى اضطرابات التجارة، وصولاً إلى التهديدات المتصلة التي تجابه سلاسل التوريد.
وقد ارتفع مؤشر الخوف «فيكس» بنسبة أكثر من 20 %، تناغماً مع تلك المخاوف المهيمنة على الأسواق، وفي تعبير عن حالة عدم اليقين التي تلف الاقتصاد العالمي، جراء التبعات المحتملة لتطور ذلك الصراع، لا سيما مع تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز، ذي الأهمية البالغة لحركة التجارة العالمية، لا سيما ناقلات النفط.
نتيجة لهذا التصعيد، توقفت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات عن تراجع دام أربعة أيام، لتعاود الارتفاع مجدداً، ليتم تداولها عند 4.36 في المئة.
كما عاد الدولار، الذي تحمل لأسابيع وطأة عزوف المستثمرين عن المخاطرة، ليكون من جديد بين أهم الملاذات الآمنة، وتراجعت عملات الأسواق الناشئة لصالح الدولار والين الياباني، باعتبارهما من أبرز الملاذات الآمنة.
خسائر البورصات
ويقول خبير أسواق المال، محمد سعيد لـ «البيان»، إن «التصعيد في مناطق حساسة مثل الشرق الأوسط، لا سيما بين إسرائيل وإيران، يلقي بظلاله الثقيلة على حركة الأسواق، في وقت تدفع فيه حالة القلق والحذر المستثمرين إلى التوجه نحو الأصول الدفاعية، مثل الذهب والسندات الأمريكية»، مشيراً إلى أن «هذا التوجه هو نتيجة طبيعية لتصاعد المخاطر، وتزايد المخاوف من اتساع رقعة التوترات، خاصة في ظل تزامنها مع أحداث اقتصادية متشابكة، من بينها محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، التي لم تُحدث تأثيراً ملموساً، وسط هذه الأجواء المضطربة».
وقد عبّرت مؤشرات الأسهم العالمية بشكل مباشر، عن التداعيات الفورية لذلك التصعيد، وذلك خلال تعاملات نهاية الأسبوع، وبعد الضربات الإسرائيلية، لتشهد «وول ستريت» محصلة حمراء، بتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 1.79 %، كما خسر مؤشر ناسداك المركب 1.30 %، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو
1.13 %. وسجلت المؤشرات خسائر أسبوعية.
كذلك هبطت المؤشرات الأوروبية في أول جلسة بعد التصعيد الإسرائيلي بشكل جماعي، ليفقد المؤشر الأوروبي ستوكس 600 نحو 0.98 %، ويتراجع داكس الألماني بنسبة 1.14 %، وكذلك كاك الفرنسي بنسبة 1.04 %، وفوتسي البريطاني بنسبة 0.39 %. كما أغلق مؤشر نيكاي الياباني منخفضاً بنسبة 0.89 %.
سيناريوهات مقلقة
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، لـ «البيان»، إن التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، يثير قلقاً كبيراً في الأسواق العربية والعالمية. وإذا ما امتد هذا النزاع، لا سيما مع دخول أطراف دولية كبرى، مثل الولايات المتحدة «فإننا قد نكون أمام سيناريو اقتصادي مقلق جداً».
ويضيف: «رأينا مؤخراً كيف تفاعلت الأسواق فوراً مع هذه المستجدات، يوم الجمعة، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد، تجاوزت خلال النهار نسبة 12 %، قبل أن تُقفل على ارتفاع يتراوح بين 7 إلى 8 %.. كذلك، شهدنا صعوداً في أسعار الذهب، وتراجعاً في مؤشرات الأسهم العالمية، وهو ما يعكس حجم المخاوف في أوساط المستثمرين».
ويقول يرق: «نحو ثلث تجارة النفط تمر عبر مضيق هرمز. وإذا ما قررت إيران إغلاق هذا الممر الحيوي، فستكون العواقب وخيمة على إمدادات الطاقة العالمية وسلاسل التوريد، ما سيؤدي إلى ضغوط تضخمية إضافية، وتأثيرات سلبية في الاقتصادات الكبرى»، مشدداً على أن «القلق يزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً مع التصعيد المتبادل بين الأطراف.. وإذا استمرت هذه المواجهة أو اتسعت، سيكون لذلك تأثير سلبي مباشر في الاقتصاد العالمي، وفي اقتصادات دول المنطقة، والخليج بشكل خاص».
ومن المتوقع أن تكون الأيام المقبلة مفصلية، فإما أن نشهد نوعاً من التهدئة، أو أن ندخل في مرحلة تصعيد، قد تكون لها تبعات اقتصادية أعمق بكثير.