الإمارات تعيد تشكيل صناعة الألمنيوم الأمريكية باستثمار استراتيجي في أوكلاهوما

أعلنت شركة الإمارات العالمية للألمنيوم عن خططها لإنشاء مصنع ألمنيوم أولي جديد في الولايات المتحدة، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ عام 1981، بعد فترة طويلة استمرت 44 عاماً في تطوير طاقات الإنتاج المحلية، ويتوقع أن يتراوح رأس مال المشروع بين 5 و6 مليارات دولار، وأن ينتج حوالي 750 ألف طن من الألمنيوم الأولي سنوياً، أي ما يعادل نحو 60–75% من إجمالي الطاقة الإنتاجية الأمريكية الحالية، فيما يشكل تحولاً نوعياً في سلسلة الإمداد المحلية للألمنيوم، بحسب موقع «ديسكفري أليرت».

استقطاب الشركاء
وقال موقع «ديسكفري أليرت» إن الشركة الإماراتية تسعى إلى استقطاب شركاء استراتيجيين للمساهمة في رأس المال، مع وجود محادثات أولية مع شركة ميتسوبيشي اليابانية، كما استعانت الإمارات للألمنيوم بشركة «إيفركور» مستشاراً مالياً لإدارة عملية التمويل، فيما يعرف المشروع داخلياً باسم «إي جي إيه إينولا».

ويقع المصنع في ولاية أوكلاهوما، ويعتبر موقعه استراتيجياً للوصول إلى الأسواق الأمريكية الكبيرة، مع مراعاة التكاليف التشغيلية وحوافز إعادة توطين الصناعات. ويأتي هذا الاستثمار في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة تحولاً في سياساتها الصناعية، لتقليص الاعتماد على الواردات من المواد الأساسية مثل الألمنيوم.

استثمار استراتيجي
يمثل المشروع تحولاً نوعياً في نهج صناديق الثروة السيادية الإماراتية، التي لم تعد تركز على التنويع المالي التقليدي، بل تتجه نحو استثمارات استراتيجية في البنية التحتية الصناعية الحيوية. ويظهر المشروع كيف يمكن للرسوم الجمركية الأمريكية، وحوافز الإنتاج المحلي أن تخلق هوامش ربحية مجزية، وتعزز الجدوى الاقتصادية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع المواد الأساسية.

ويستهدف الاستثمار الإماراتي قدرات معالجة المواد الأساسية الضرورية لقطاعات الطيران، السيارات، والطاقة المتجددة، على عكس الاستثمارات التقليدية، التي غالباً ما تركز على النفاذ إلى الأسواق أو خفض تكاليف العمالة.

دعم رؤية الإمارات 2071
ويتماشى المشروع مع رؤية الإمارات 2071، التي تعتبر التصنيع المتقدم ركيزة أساسية للتحول الاقتصادي طويل الأمد بعد النفط. ويعكس المشروع أيضاً أهمية الشراكات الاستراتيجية مع المؤسسات المالية، وصناديق الثروة السيادية مثل مبادلة ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، والتي توفر خبرات تشغيلية وأصولاً صناعية قيمة، لضمان نجاح المشروع، مع توزيع المخاطر السيادية، مع الحفاظ على التحكم الحكومي في القرارات الاستراتيجية.

قدرة تنافسية
وأورد الموقع أن المشروع يسهم في تعزيز القدرة التنافسية الأمريكية في صناعة الألمنيوم، التي تأثرت تاريخياً بارتفاع تكاليف الكهرباء، والقيود البيئية، وفائض الإنتاج العالمي المدعوم من الصين. ومن خلال مضاعفة الإنتاج المحلي سيسهم المصنع في تقليل الاعتماد على الواردات وتأمين الألمنيوم الضروري لقطاعات استراتيجية، مع تعزيز مرونة سلاسل الإمداد المحلية.

ويتيح المشروع أيضاً إنشاء مرافق متكاملة تشمل مصانع الدرفلة والبثق وإنتاج السبائك المتخصصة، ما يعزز القيمة المضافة للألمنيوم الأمريكي، ويحفز استثمارات تكميلية من صناديق الثروة السيادية الخليجية في المستقبل.

نموذج للشراكة الاستراتيجية
يأتي المشروع ضمن الشراكة الاستراتيجية العميقة بين الإمارات والولايات المتحدة، والتي يقدر حجم استثماراتها المشتركة بتريليونات الدولارات، ويستفيد من العلاقات التجارية المستقرة والاتفاقيات الدفاعية والأمنية بين البلدين، ما يعزز استقرار المشروع على المدى الطويل، ويحد من مخاطر النزاعات التجارية، كما يعكس المشروع قدرة الإمارات على نقل خبراتها التشغيلية في الصناعات كثيفة الطاقة إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك تحسين كفاءة استهلاك الطاقة، خفض التكاليف، وتعظيم الإنتاجية. ويضع هذا النموذج معايير للاستثمارات الصناعية المستقبلية، التي تقودها صناديق الثروة السيادية الإماراتية في الولايات المتحدة، مع فتح المجال أمام توسيع رأس المال الإماراتي والخليجي في قطاعات المواد الأساسية.

أثر بعيد المدى
يمثل استثمار الإمارات في الألمنيوم داخل الولايات المتحدة أكثر من مجرد مشروع صناعي؛ إنه خطوة استراتيجية نحو شراكات طويلة الأمد، تعزز التنافسية الاقتصادية، وتؤمن الموارد الحيوية، مع فتح المجال أمام استثمارات صناعية إضافية في مجالات البنية التحتية والمواد الحيوية.
ويعكس المشروع توجه الإمارات نحو امتلاك وتشغيل أصول صناعية استراتيجية ضمن سلاسل الإمداد العالمية الحيوية، بما يتجاوز مفهوم تعظيم العائدات المالية إلى تحقيق نفوذ استراتيجي طويل الأمد، ويؤكد أن التحول الصناعي طويل الأمد يتطلب إدارة تعقيدات الطاقة، الأطر التنظيمية، وديناميكيات السوق، إلى جانب تحقيق أهداف إنتاجية وتنموية طموحة.

ومع إنشاء أول مصهر ألمنيوم أولي منذ ثمانينيات القرن الماضي تؤسس الإمارات لمعايير جديدة لاستثمارات صناعية استراتيجية في الولايات المتحدة، ما يفتح الطريق أمام عناقيد صناعية متكاملة، واستثمارات مستقبلية في مراحل أخرى من سلسلة القيمة، ويعكس المشروع رؤية الإمارات للاستثمار المستدام والطويل الأمد، والذي يجمع بين العوائد الاقتصادية والتحكم الاستراتيجي في المواد الحيوية، مع التأكيد على أهمية الشراكات الدولية في تعزيز التنمية الصناعية.