تدرس وزارة الخزانة البريطانية فرض «ضريبة خروج» بنسبة 20% على الأثرياء الذين يغادرون البلاد نحو الملاذات الضريبية، في محاولة لسد فجوة مالية بمليارات الجنيهات. ويأتي هذا الإجراء وسط تحذيرات من هروب رؤوس الأموال، وانتقادات من المعارضة التي تصفه بـ«التحرك اليائس»، بينما تواجه رايتشل ريفز ضغوطاً غير مسبوقة لزيادة الضرائب بوتيرة هي الأسرع منذ نصف قرن.
قد يواجه الأثرياء الذين يغادرون المملكة المتحدة إلى ملاذات ضريبية إلزاماً بدفع رسم عند مغادرتهم البلاد، بموجب خطط يجري إعدادها قبيل الموازنة الحاسمة المرتقبة هذا الشهر.
ووفقاً للتقارير، تدرس وزيرة الخزانة رايتشل ريفز فرض «رسم تسوية» بنسبة 20% على أصول الأعمال المتروكة في المملكة المتحدة، في إطار سعيها إلى ملء فجوة مالية تُقدر بعدة مليارات من الجنيهات في خزينة الدولة.
لكن وزير العدل في حكومة الظل روبرت جينريك، هاجم ما وصفه بأنه فكرة «جنونية» ستؤدي فقط إلى أن «تهرول الثروة وصنّاعها نحو الباب»، مضيفاً «نحن بحاجة إلى مزيد من رواد الأعمال، لا إلى عدد أقل! يجب على ريفز أن تستبعد هذا التحرك اليائس».
وحذّر اقتصاديون مراراً ريفز من أن تراجع حزب العمال عن بعض وعوده، إلى جانب ارتفاع مستويات الاقتراض وضعف النمو الاقتصادي، سيجبرها إما على زيادة الضرائب أو التخلي عن قواعدها المالية الأساسية المتعلقة بالاقتراض في الموازنة المقبلة.
ريفز نفسها كانت قد أقرت بأن فرض ضرائب أعلى على الأثرياء سيكون «جزءاً من الصورة» في الموازنة المرتقبة هذا الشهر.
ومن المتوقع أن يدر هذا الإجراء نحو ملياري جنيه إسترليني ويعزز الإيرادات الحكومية، وهو ما سيضع بريطانيا في مصاف معظم دول مجموعة السبع التي تطبق - باستثناء إيطاليا - أنظمة خاصة بـ«ضريبة الخروج».
حالياً، يستطيع من يغادرون المملكة المتحدة بيع أصولهم البريطانية من دون دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية، التي تبلغ نسبتها عادة 20%.
أما في ظل المقترحات الجديدة، فسيتعين على المغادرين سداد «ضريبة خروج» عند مغادرتهم البلاد، مع إمكانية تأجيل الدفع لعدة أعوام، وفقاً لما أوردته صحيفة «تايمز».
ويأتي ذلك في وقت يحذر فيه اقتصاديون من أن ريفز تستعد لرفع الضرائب بوتيرة لم يشهدها أي وزير خزانة منذ أكثر من نصف قرن، فقد ذكرت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» أن الزيادات الجديدة قد تصل إلى 38 مليار جنيه إسترليني في موازنة هذا الشهر الحاسمة، تضاف إلى 41.5 مليار جنيه كانت قد جمعتها العام الماضي، وبهذا تكون ريفز قد رفعت الضرائب خلال 17 شهراً فقط بأكثر مما فعله أي من أسلافها منذ عام 1976 على امتداد دورة برلمانية كاملة «خمسة أعوام».
ويأتي التركيز على الأثرياء بعد تقارير تفيد بأن نحو 16.500 مليونير سيغادرون المملكة المتحدة هذا العام استجابة للتغييرات الضريبية وتراجع الثقة في الاقتصاد المتعثر.
وتوقع تقرير «هينلي» لهجرة الثروات الخاصة أن تفقد المملكة المتحدة ضعف عدد المليونيرات الذين ستفقدهم الصين، و10 أضعاف عدد أولئك الذين سيغادرون روسيا.
وأشار جيمس سميث، مدير الأبحاث في مؤسسة «ريزوليوشن فاونديشن» البحثية، إلى أن وزارة الخزانة تمتلك سوابق يمكن أن تستند إليها في فرض «ضريبة تسوية»، لكنه نبّه إلى أن هذا الإجراء ينبغي أن ينفذ على الفور.
هلع في المصارف
من جهة أخرى، تشهد أوساط المصارف البريطانية في لندن حالة غير مسبوقة من القلق مع اقتراب موعد الموازنة العامة البريطانية في 26 نوفمبر المقبل، وسط تزايد التوقعات بأن تتجه حكومة حزب العمال برئاسة وزيرة المال رايتشل ريفز نحو رفع الضرائب المفروضة على المصارف الكبرى، في محاولة لسد العجز المتنامي في المالية العامة. وبحسب تقرير نشرته بلومبيرغ اليوم الجمعة، فإنّ كبار التنفيذيين في المصارف البريطانية، إلى جانب ممثلي المصارف الأمريكية العاملة في العاصمة البريطانية، أصبحوا أكثر اقتناعاً بأن الحكومة تستعد لإعادة النظر في ما يُعرف بـ«الضريبة الإضافية على أرباح المصارف»، التي خفضتها حكومة المحافظين قبل عامين من 8% إلى 3%.
وعلى الرغم من تأكيدات حكومة العمال المتكررة بأن الضرائب على القطاع المالي لن ترتفع، فإن الشكوك تتزايد في أوساط المصارف الكبرى مثل باركليز وإتش إس بي سي ولويدز ونات ويست، حيث يتوقع كثيرون أن تضطر الحكومة إلى تعديل سياساتها الضريبية تحت ضغط الواقع المالي. وتشير مصادر مطلعة تحدّثت لـبلومبيرغ إلى أن بعض المسؤولين الحكوميين يرون في المصارف «هدفاً سهلاً» لزيادة الإيرادات، نظراً لتراجع شعبيتها لدى الرأي العام البريطاني منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ويأتي هذا التوجه في وقت تواجه فيه الحكومة عجزاً مالياً متزايداً قد يتجاوز 20 مليار جنيه إسترليني، وفق تقديرات مكتب المسؤولية المالية البريطاني. وتشير تقارير إلى أنّ العودة إلى نسبة الـ8% السابقة في الضريبة المصرفية يمكن أن تؤمن للخزانة العامة نحو 8 مليارات جنيه خلال أربع سنوات.
المصارف البريطانية بين الأرباح وشبح الاستهداف
المفارقة أن المصارف البريطانية، التي خضعت لسنوات من التشديد التنظيمي بعد أزمة 2008، تعيش اليوم واحدة من أكثر مراحلها ربحية منذ عقد ونصف. فقد استفادت من ارتفاع أسعار الفائدة عبر ما يُعرف بـ«التحوّط الهيكلي»، وهو نظام يتيح تقليل تأثير تقلبات أسعار الفائدة على العوائد. لكن هذه الأرباح القياسية نفسها جعلت المصارف هدفاً سياسياً مغرياً لحكومة تبحث عن مصادر تمويل جديدة دون أن تمسّ ضرائب الدخل أو ضريبة القيمة المضافة، التي سبق لرئيس الوزراء كير ستارمر أن وعد بعدم رفعها خلال حملته الانتخابية.


