كيف أستثمر في عالم مضطرب؟

بالرغم من الاضطرابات السياسية والتجارية التي تهز الاقتصاد العالمي، تواصل مؤشرات الأسهم الأميركية تسجيل مستويات قياسية، في مشهد يجمع بين التفاؤل والقلق.

فبحسب تقرير بلومبيرغ، تبدو الأسواق وكأنها تعيش حالة “تفاؤل متوتر”، إذ ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 90% خلال ثلاث سنوات، رغم التوترات التجارية والتكنولوجية بين واشنطن وبكين. الأرقام تزهو بالازدهار، لكن شعور المستثمرين لا يعكس الاطمئنان ذاته.

تضخيم التقييمات.. فقاعة أم مرحلة؟

يستند تقرير "بلومبرغ" إلى مؤشر “مضاعف شيلر” الذي يقيس نسبة السعر إلى متوسط الأرباح خلال عقد من الزمن، وقد بلغ 40 مرة، وهو مستوى لم يُسجل منذ فقاعة الإنترنت عام 1999.

بمعنى آخر، كل دولار من أرباح الشركات يباع اليوم بأربعين دولاراً من القيمة السوقية، ما يعني أن المستثمرين يدفعون ثمن المستقبل لا الحاضر.

ومع ذلك، تحذر بلومبيرغ من التسرع في استنتاج قرب الانهيار، وتدعو إلى التركيز على الأهداف الطويلة الأمد بدل السعي وراء الأرباح السريعة.

وتشير "لسنا في فقاعة مالية بقدر ما نحن في فقاعة إحساس بأننا على حافة حدث كبير، سواء كان معجزة إنتاجية بفعل الذكاء الاصطناعي أو أزمة ديون قادمة.

الذكاء الاصطناعي.. وقود النمو ومصدر القلق

يشير التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح المحرك الأساسي للاقتصاد الأميركي، إذ تُضخ مليارات الدولارات في مراكز البيانات والتقنيات الفائقة.

لكن هذا الاعتماد المفرط على قطاع واحد يجعل السوق هشّة، كما يوضح “بن إنكر” من شركة جي إم أو، الذي يرى أن أي تباطؤ في الإنفاق على هذا المجال قد يسبب صدمة واسعة.

ولذلك، توصي بلومبيرغ بتوزيع الاستثمارات على قطاعات متنوعة، من الصناعة إلى الرعاية الصحية والطاقة المتجددة لأن التنويع هو خط الدفاع الأفضل ضد التقلبات المفاجئة.

استقلال البنوك المركزية.. لماذا يهمك كمستثمر؟

السياسة النقدية.. خط الاستقرار الأول

تسلط بلومبيرغ الضوء على الخلاف بين الرئيس ترامب وعضوة الاحتياطي الفدرالي ليزا كوك كمثال على حساسية العلاقة بين السياسة والمال.

ويقول إنكر "مصداقية الاحتياطي الفدرالي لا تقل أهمية عن الدولار نفسه، وإذا تزعزعت فالثقة بالسوق كلها ستنهار".

وهنا الدرس للمستثمر العربي كذلك، قبل أن تضع أموالك في عملة أو سوق، راقب استقلال السياسة النقدية لها، لأنها المؤشر على استقرار الأسعار والعوائد الحقيقية.

نهاية التفوق الأميركي؟

بحسب “ليزا شالت” من مورغان ستانلي، لم تعد السوق الأميركية تحتكر الزخم العالمي، إذ يُتوقع أن تتراجع عوائدها المستقبلية إلى نحو 5–6% سنويًا، بعدما كانت تتجاوز 15%.

في الوقت ذاته، تكشف بلومبيرغ أن الارتفاع المتواصل في الأسهم خلق “ثروة نفسية” أكثر منها فعلية، لأن أغلب الإنفاق الاستهلاكي الأميركي يأتي من شريحة صغيرة من الأثرياء، ما يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات مفاجئة في المزاج الاستهلاكي.

لذلك لا تبنِ خططك المالية على "نشوة السوق" بل تدفق الدخل الحقيقي، سواء من عملك أو أصول ذات عائد ثابت، الربح الورقي ليس ثروة ما لم يكن مدعوما بتدفق نقدي مستمر.

تنويع وتحوّط وواقعية

تشير تقديرات فانغارد إلى أن العائدات المستقبلية للأسهم الأميركية قد تتراوح بين 3.3% و5.3% سنويًا خلال العقد القادم، وهو ما يستدعي اعتماد إستراتيجيات دفاعية ذكية:

وتقترح لمن تجاوز الخمسين عاماً تخصيص 30% إلى 40% من المحفظة لأدوات الدخل الثابت (سندات، شهادات ادخار، حسابات نقدية)، ولمن هم دون الأربعين: توسيع استثماراتهم في الأسواق الناشئة ذات التقييمات الجذابة، بينما للجميع: الاحتفاظ باحتياطي نقدي يغطي نفقات ستة إلى اثني عشر شهرًا.

تعتبر بلومبيرغ الذهب ملاذًا آمنًا استعاد مكانته كـ"عملة عالمية بديلة" بعد ارتفاعه بأكثر من 60% هذا العام، لكنها تؤكد أنه وسيلة تحوط لا طريق سريع للثراء. كما توصي بالاستثمار في البنية التحتية العالمية — من الطاقة إلى الموانئ والسكك الحديدية — لارتباطها بالطلب الحقيقي واستفادتها من توسّع مشروعات الذكاء الاصطناعي.