من أهم القيم الإنسانية التي دعت إليها السنة النبوية المشرفة قيمة الحوار ضمن العديد مما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن خلال بحث للدكتور محمد زرمان بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجزائر يقول إن الحوار قيمة حضارية سامية، ومظهر من مظاهر الرقي الإنساني، ووسيلة من أنجع الوسائل للتقريب بين الناس، وتربية النفوس على قبول النقد والمراجعة، وتهيئتها للاعتراف بالآخر واحترامه.

وهو الأسلوب الأمثل لاحتواء الخلاف باعتباره ظاهرة طبيعية، لأنه يخلق أجواء صحية للتواصل، ويتيح للآراء المختلفة بل المتضاربة أن تُنَاقَش في العلن، وأن تحتك بنظيراتها فتُمَحَص وتُعَالَج، ويظهر صحيحها من زائفها، وتتبدد بين الأطراف المتحاورة سحب الشك وسوء الظن، فتتقارب الخطى، وتتحرر النفوس من المشاعر العدائية، وتنتصر الكلمة الطيبة التي تأخذ طريقها في هدوء إلى العقول والقلوب.

ويكتسب الحوار أهميته البالغة من أن الإنسان لا يحقق ذاته الإنسانية ولا ينتج المعرفة إلا بالالتقاء والحوار مع الإنسان الآخر والتفاعل الخلاق معه، لأن الحوار في مستوياته العليا هو نوع من إنتاج المعرفة الراقية التي تتحاور مع كافة ضروب المعرفة الإنسانية.

وقد أثبتت التجارب الكثيرة والمتعاقبة أن الحوار هو المحك الصادق الذي يثبت به الفكر ـ أي فكر ـ أصالته وأهليته للبقاء والتأثير، وهو أيضا السبيل الوحيد المتاح للإنسانية لتدير بنجاح وسلام واقع الاختلاف وتتعايش معه في أفضل الظروف، لأنه المجال الحيوي الوحيد الذي يتحرك فيه العقل بكل حرية، ويثير ـ في إطاره ـ كل المفردات المتصلة بالمواضيع العالقة فتتضح المفاهيم وتضاء الزوايا الخفية والمناطق الضبابية.

وهو أخيرا خيار الإنسان السوي ليكون إنسانا يفكر وإنسانا ينقد، بدل أن ينغلق على ذاته فيستل من نفسه نور الحياة تدريجيا. ففي الحوار يتكامل كل طرف مع مقابله في مركب جديد متطور متفوق على كل من المركبين السابقين، وفي الصدام يلغي كل طرف الآخر.

وقد أصل القرآن لهذه القيمة العليا وبنى عليها أمر الإيمان، لأنه كان في مبناه ومعناه كتاب حوار، أطلق في آياته الحرية للعقل أن يفكر في كل شيء، ويتحدث عن كل شيء، وليحاور الآخرين على أساس الحجة والبرهان والدليل، ومن خلال الحوار خط للإنسان طريقه إلى الإيمان دون أن يفرضه عليه.

وكانت السنة النبوية الشريفة تطبيقاً حياً ومثالياً لهذا التوجه القرآني الراقي.

tantawi2006@hotmail.com