القرآن الكريم نعمة من الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، فهكذا أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، ليكون المعجزة الدالة على بعثته ورسالته، وللقرآن الكريم فوائد عظيمة لا يحسها إلا من قرأه وتمعن في سوره وآياته وقصصه الحق.
وتحمل كل سورة من سوره فوائد كثيرة، ومن هذه السور سورة الكهف التي يحب أن يقرأها الكثيرون في يوم الجمعة، وقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أدرك منكم الدجال فقرأ عليه فواتح سورة الكهف كانت له عصمة من الدجّال».
وقصص سورة الكهف الأربعة يربطها محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربع في الحياة: فتنة الدين (قصة أهل الكهف) فتنة المال (صاحب الجنتين) فتنة العلم (موسى والخضر) وفتنة السلطة (ذو القرنين)، وهذه الفتن شديدة على الناس والمحرك الرئيسي لها هو الشيطان الذي يزيّن هذه الفتن.
ففي فتنة الدين تأتي قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم فآووا إلى الكهف حيث حدثت لهم معجزة إبقائهم فيه ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعا وكانت القرية قد أصبحت كلها على التوحيد، ثم تأتي آيات تشير إلى كيفية العصمة من هذه الفتنة (واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا» آية 28.
فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة. وأما فتنة المال: نجد قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك الله تعالى الجنتين. ثم تأتي العصمة من هذه الفتنة (واضرب لهم مّثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح وكان اللّه على كلّ شيء مّقتدرا، المال والبنون زينة الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير أملا) آية 45 و46.
وفتنة العلم: تذكرها قصة موسى مع الخضر وكان موسى عليه السلام ظنّ أنه أعلم أهل الأرض فأوحى له الله تعالى بأن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر لأنه لم يفهم الحكمة في أفعاله، والعصمة من فتنة العلم هي التواضع وعدم الغرور بالعلم.
فتنة السلطة: قصة ذي القرنين الذي كان ملكا عادلا يمتلك العلم وينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها بين الناس يدعو إلى الله وينشر الخير. وتأتي آية العصمة قال الله تعالى (قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا، الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا) آية 103 و104. وفي آخر آية من سورة الكهف تركّز على العصمة الكاملة من الفتن بتذكر اليوم الآخرة قال الله تعالى: (قل إنّما أنا بشر مّثلكم يوحى إلي أنّما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا ) آية 110.
