يوم الأربعاء الماضي نشر خبر يمكن للبعض اعتباره خبراً طريفاً، بينما هو للبعض الآخر خبر مزعج، وهذا الفريق الأخير الذي اعتبره مزعجاً يضم المدافعين عن حقوق الحيوان، ومضمون الخبر يقول إن محكمة نيوزيلندية غرمت رجلاً 365 دولاراً قام «بمرجحة» أرنب من أذنيه في شارع مزدحم.
واعتبرته المحكمة تعاملاً قاسياً مع أحد الحيوانات الأليفة والتي لم تفعل ذنباً لكي يتم التعامل معها بهذا الشكل، وما كان من المتهم واسمه غراهام بول براون (53 عاماً) إلا نفي هذه التهمة في محكمة أوكلاند الجزئية، قائلاً: «اعتقدت بأن ذلك سوف يسلي المارة، الذين ربما لم يروا أرنباً من قبل». ولكن القاضي جريج دافيس قال: «إن براون الذي كان ثملاً تسبب في ألم غير ضروري للأرنب».
جميل أن يهتم الإنسان في أي مكان في العالم وفي أية دولة متقدمة أو غير متقدمة بالحيوان وعدم إيذائه أو استعمال القسوة معه، كما أن الأجمل أن يعي الناس أن التعامل بالرحمة والبعد عن القسوة بالإنسان مجرّم أيضاً مثلما تم تجريمه إذا لحق بالحيوان، والأمثلة متعددة في التعامل غير الإنساني بالإنسان، والأخبار في الصحف وفي الفضائيات شاهدة حية على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
وإذا كان حكم محكمة أوكلاند رادعاً لهذا الشخص الذي تجرأ على إسعاد الناس بشكل فيه قسوة لأرنب بريء، فإن إسلامنا ونبينا طالبا بذلك منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة، والأحاديث في ذلك كثيرة والشواهد متعددة من خلال أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه لصحابته، فقال: «من لا يرحم لا يرحم» رواه البخاري ومسلم، وقال: «لا تُنْزَع الرَّحْمَة إلا من شَقِيٍّ» رواه الترمذي.
ومن يطلع على السيرة النبوية المشرفة يرى مَظاهر رحمته الشاملة ومن ذلك رحمته بالحيوان الذي سخَّره الله لخِدْمة الإنسان، كما شَمِلَتْ رحمته الحيوانات الأخرى التي لا تظْهر فيها المنْفعة المُباشرة.
وقد جاء في حديث البخاري ومسلم «عُذِّبت امرأة في هِرَّة حبَسَتْها، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض»، وحديث أبي داود أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر ببعير قد لَحِق ظهرُه ببطْنِه، أي أنه هزيل من الجوع، فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة».
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن رجلاً نزل بئراً فسقى كلباً يلهث من شدة العطش، فشكر الله له فغفر له، ولما سأله الصحابة عن الأجر في سقي البهائم، قال: «في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ» رواه البخاري.
ونبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدم إلحاق ضرر بالحيوان، ومنه تَحْمِيله ما لا يُطِيق وإرهاقه في السَّيْر، وعدم اتخاذ الحيوان أداةً للَّهْو، كجعله غرضاً للتسابُق في رمْيِه بالسِّهام، ويُشْبهه ما يُعْرَف اليوم بمصارعة الثِّيران.
فقد مرَّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بفِتْيان من قريش نَصَبُوا طَيْراً وَهُمْ يَرْمُونَه، وجَعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبْلهم، فقال لهم: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعنَ مَن اتَّخَذ شيئاً فيه روحٌ غرضاً، رواه البخاري ومسلم
