يقول الدكتور راغب السرجاني هناك عدد من الآيات الكريمة التي استوحى منها المسلمون الوضع النموذجي لاختيار الحدائق والجنات الأرضية قوله سبحانه وتعالى: «ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير» (البقرة 265).
وقد التفت المسلمون هنا إلى إشارة دقيقة حيث أوضحت الآية الكريمة أن الموقع الأمثل للحدائق والبساتين إنما يكون بالأماكن المرتفعة من الأرض (الربوة)؛ فهذا يجنِّب الأشجار التقاء جذورها بالمياه الجوفية التي تحد من نموها.. كما أنه يساعد على جودة الصرف والتخلص من المياه الزائدة..
ولقد أعطت العديد من الآيات القرآنية وصفًا جميلاً للجنة وما بها من متعٍ أعدها الله لعباده الصالحين، كان منها تلك الحدائق والأشجار.. حيث يقول سبحانه: (إن للمتقين مفازًا، حدائق وأعنابًا).. ويفسر ابن عباس الحدائق بأنها ما أحيط بالجنة من الأشجار والنخل.. وجاء في تفسير السعدي: البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية... والثمار التي تتفجر خلالها الأنهار.
وفي موضع آخر يقول تعالى: «وأصحاب اليمين.. ما أصحاب اليمين، في سدرٍ مخضود، وطلحٍ منضود، وظلٍ ممدود، وماء مسكوب...»، فلم تقتصر الآيات على ذكر هذين النوعين من الأشجار في الجنة (السدر والطلح) بل تعدت ذلك إلى بيان جوانب جمالية في هذه الأشجار.
فأنت تقرأ وصف السدر بـ (المخضود).. وفي ذلك يقول الطبري: «السدر المخضود: الذي قد خُضِدَ من شوكه؛ فلا أشواك فيه».. وروى الحاكم في المستدرك عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم؛ قال: أقبل أعرابي يومًا فقال: يا رسول الله، ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما هي؟!». قال: السِّدر؛ فإن له شوكًا موذيًا!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس الله يقول: «فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ»؟!.. خَضَد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمرًا تَفَتَّق الثمرةُ منها عن اثنين وسبعين لونًا من طعام، ما فيها لون يشبه الآخر».
أما الطلح المنضود فهو شجر الموز متراكم الثمر، قال السُّدّي: «..مَنْضُودٍ»: مصفوف، وقال ابن عباس: يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمرًا أحلى من العسل.
كذلك، فإن ال (ظل الممدود) صفة جمالية في هذا الشجر، جاء في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مئة عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا.. وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: «وَظِلٍّ مَمْدُودٍ»، و: «ودَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً» فليس من شك أن هذه الجوانب من مد الظل، وتذليل الثمار كلها جوانب جمالية، تمزج المنفعة المادية للشجر بالمنفعة المعنوية.
