يقودنا هذا الحوار إلى رحلة مع الروائية التونسية المتميزة أميرة الغنيم، صاحبة رواية «نازلة دار الأكابر» التي نافست على الجائزة العالمية للرواية العربية 2021م، نتلمس خلالها عالمها الإبداعي الرحب؛ الذي يشمل إلى جانب أعمالها الروائية والنقدية، دراستها للسانيات والترجمة بجامعة سوسة التونسية، ونتقصى آراءها وأفكارها حول عدد من القضايا.
تدلي أميرة الغنيم، الحاصلة على الجائزة الوطنية للفلسفة، وجوائز عدة أخرى، عبر هذا الحوار، برأيها حول المشهد الثقافي في العالم العربي، أدبياً ونقدياً، وتؤكد أنها لا توافق الحكم السلبي على المنتج الإبداعي العربي، وترى أن الثقافة العربية تنتج اليوم نصوصاً متميزة نثراً وشعراً؛ فإلى نص الحوار:
كيف تفسرين تحول الشعراء إلى كتابة الرواية؟
لست أجد المسألة ظاهرة محتاجة إلى تفسير. فأنا من الذين لا يرون وجاهة في تقسيم الكتّاب إلى أكاديميين وغير أكاديميين ولست ممن يعتبرون أجناس الكتابة جزراً منعزلة، يحتاج المرور من إحداها نحو الأخرى إلى مبررات وعلل. في لحظة ما يقرر الأكاديمي أو المحامي أو المهندس أو الطبيب أو الشاعر أن يخوض تجربة الكتابة الروائية. لكل واحد من هؤلاء دوافعه وأسبابه الشخصية جداً.
بعضهم يقدم على ذلك لأن الرواية باتساعها تتيح له فضاءً للتعبير أرحب من الفضاءات التقليدية التي دأب على التحرك ضمنها، وبعضهم طمعاً في جمهور أكثر اتساعاً بفضل ما صار للرواية من حظوة لدى القراء قياساً إلى أنماط الكتابة الأخرى. آخرون قد تغريهم جوائز الرواية. تتنوع الدوافع، غير أن الثابت أن الرواية جنس مضياف.
ولست أعني بذلك رحابته للمضامين المتعددة ولا اتساعه لأجناس الأقوال المختلفة، فذاك أمر معروف لا خلاف فيه. وإنما أعني أنه مضياف لكتابه أيضاً، يستوعب تنوع مشاربهم واختلاف حساسياتهم.
هل تعتقدين أن الممارسة النقدية أخيراً أغلبها لا تقوم على أسس معرفية بالنظريات النقدية؟
علينا أن نحدد أولاً المقصود بالممارسة النقدية، فإذا كنا نعتبر الانطباعات التي يكتبها القراء على وسائل التواصل الاجتماعي أو على موقع «غودريدز» مثلاً ممارسة نقدية.
فالمؤكد أنها لا تقوم على معرفة عالمة بالنقد ومدارسه واتجاهاته. أما إذا اخترنا أن نكون أكثر دقة في تصنيف أشكال التفاعل القرائي مع الكتابة الإبداعية، كان من اللازم أن نميز بين النقد الأكاديمي الصارم الذي يتحرك في الفضاءات الجامعية ويقدم اليوم من خلال بحوث جادة وعميقة، إضاءات مهمة جداً عن النص الأدبي، والنقد الثقافي الذي نجده على أعمدة المجلات الثقافية وهو لا يخلو بدوره من معرفة جادة ومفيدة.
وأن نميز النوعين من مراجعات القراء المدونة على المواقع الاجتماعية، وهي مراجعات أجدها، للأمانة، مثمرة وعميقة في حالات كثيرة رغم افتقار جلها إلى الخلفية العالمة بأدوات النقد وقواعده، ومن الضروري أن نفصل كل ذلك عن خطابات المجاملات والإخوانيات وخطابات الشتيمة وتصفية الحسابات، وما أكثرها.
يقول البعض إنه لم يعد هناك علاقة بين الناقد والمتلقي، فما رأيك؟
يتوقف الأمر على هوية المتلقي. فإذا كان المقصود هو القارئ عامة، فعموم القراء لا يحتاجون إلى النقد وسيطاً بينهم وبين النص. أما إذا كان المتلقي هو الدارس المختص فمن المؤكد أنه محتاج إلى القول النقدي لا يستغني عنه.
صدر لكِ أخيراً كتاب.. حدثي القارئ عن فكرته؟
«الملف الأصفر» رواية نفسية فازت في العام 2020 بجائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي للإبداع ولم تصدر عن دار راشد إلا في أواخر 2020 تحت اسم أميرة بنت التيجاني عوضاً عن اسم صاحبتها الحقيقي. وقد اخترت إعادة نشرها في تونس عن دار «بوب ليبريس» ونحمد الله أنها تجد إقبالاً جميلاً من جمهور القراء يجسمه صدور طبعتين منها في الشهر نفسه.
يزيد النثر العربي وأغلبه بلا بلاغة، فبات خطابه أو سرده هو بحاجة إلى دراسة نقدية جديدة، فإلى أين برأيك نحن ذاهبون بكل هذا النثر؟
لا أوافقك في هذا الحكم السلبي على المنتج الإبداعي العربي. رأيي أن الثقافة العربية تنتج اليوم نصوصاً متميزة نثراً وشعراً، قد تكون هذه النصوص قليلة بالنظر إلى عدد ما تطبعه دور النشر غير الجادة من كتب رديئة، ولكنها غير نادرة، وأحسب أنها رافد مهم وأساسي في الثقافة الكونية مكن المبدع العربي المعاصر من أن يكون له وجود في التاريخ الحي.
روائي اليوم لم يعد كالسابقين، فكيف من الممكن لروائي اليوم أن يتق شر جهله أثناء مصافحته النص لحظة الكتابة؟
من تقصد بالسابقين؟ على حد علمي الرواية عند العرب جنس جديد يصعب، في السياق الزمني الحالي، أن نتحدث فيه عن سابق ولاحق. أما فكرة أن القديم أفضل من الحديث فمحتاجة إلى تنسيب، فالذي يكتب اليوم يفترض أنه أكثر معرفة ممن كتب بالأمس لسبب ساذج وبسيط وهو أن المعلومة أضحت متاحة له بكبسة زر واحدة بفضل الشبكة العنكبوتية.
فإذا كان كتّاب أدب الرحلة فيما مضى محتاجين إلى إنفاق أعمارهم في السفر، فإن كتّاب اليوم قادرون على أن يطوفوا بالعالم دون أن يغادروا مقاعدهم خلف الحاسوب.
علينا أن نعترف أن التكنولوجيا الحديثة أتاحت للكتاب منجماً معرفياً يساعدهم على مقاومة الجهل كما تفضلت. ويبقى الفيصل في الحكم هو القارئ لا غير، فهو القادر على تمييز الكتابة الروائية الجادة من الكتابة المتسرعة.
حدثينا عن طقوسك أثناء العمل الإبداعي؟
لا طقوس لدي. (تضحك) أكتب كما آكل وأتجول وأنام. الكتابة جزء مني وأمارسها بشكل طبيعي يغنيني تماماً عن كل فلكلور.