أدوات ومستلزمات يومية ووثائق ومقتنيات وعناوين دالة على قصص مهمة تمثل إشعارات لمراحل مجتمعية وسياسية فاصلة، نجح الباحث التراثي والكاتب، أحمد المنصوري، في جمعها وتخليد لحظاتها وتكريس وتوضيح الأهمية التي حازتها طوال حقب وقرون مضت، فغدت في عوالم متحفه الصغير في منزل العائلة في الحمرية بدبي، توليفة سرديات وسياقات ذكريات تنسج لوحات حكايات وألق الزمن جميل، ومن بينها تلك الأدوات والمقتنيات التي عايشها جيل ذهبي عاصر الماضي والحاضر، فعاشت معها، واختبر في حضرتها منازل التطور والتغيرات المجتمعية.

يحتفظ المنصوري في متحفه ذلك، بمجموعات توثق مرحلة يراها البعض جزءاً من تاريخ المجتمع الإماراتي، كما أنه حول منزل العائلة بالحمرية في إمارة دبي إلى متحف يحكي فيه عن الحياة الاجتماعية بالإمارات في فترة السبعينات والثمانينات ليوثق زمناً يحمل الكثير من الهدوء ولمة أصدقاء الفريج ومشاهدة الأفلام بالأبيض والأسود وغيرها من الفعاليات البسيطة التي ترضي طموحهم في تلك الفترة.

مصدر للذكريات

هذا المتحف، يعد مصدر رزق ومصدر ذكريات جميلة، بالنسبة للمنصوري، فهو مطعم ومتحف يحكي عن حياة الناس، كما قال في حواره مع «البيان»، حيث تحدث عن متحفه، وعن بداية فكرة المكان، قائلاً: في البداية كان هذا المكان مطعماً فقط ومع الأيام وضعت بعض الصور القديمة للأصدقاء وفرق كرة القدم، وبدأت أرجع لأزمان ومراحل جيل الطيبين، فدخلت مزادات للحصول على المعدات التراثية، مثل أجهزة الهواتف النقالة القديمة وشرائط الفيديو وغيرها من العطور والألعاب والدفاتر وأحذية الرياضة وحتى طاولات وكراسي الدراسة، وكنت أرى أن ما أقوم به مهم لكونه لا يوجد متحف يوثق لمثل هذه الذكريات، والتي قد تندثر دون أن يتعرف عليها الجيل الحالي، وهي بالنسبة لي عند مشاهدتها تشبه الفرجة على شريط حياتنا في فترة ما وكأنه يمر أمام عيني.

مزادات

ويتابع المنصوري: خلال فترة جائحة كورونا، اشتريت الكثير من الصور والمجلات من الإصدارات القديمة، إضافة إلى الكتب المدرسية التي كانت تأتي خصيصاً من الكويت، وأنواعاً وأشكالاً عديدة من أجهزة الهواتف الأرضية، وقد حصلت على بعضها من خلال مزادات في الدولة وفي خارجها، وبالرغم من أني من غير المدخنين إلا أني أعرض السجائر النادرة التي كانت تتوافر سابقاً وهي مختلفة عن نظيرتها في الوقت الحالي من حيث اللون والشكل.

«التيلة»

وبسؤالنا عن نوعية وسمات زوار هذا المكان، أجاب: يأتي إلى هنا العديد من الأشخاص وبأعمار متفاوتة، كما يأتي البعض مع أبنائه للاستمتاع بالأكل الإماراتي الأصيل ومشاهدة جزء من حياة عاشها الآباء وللتعرف على الألعاب التي كانوا يمارسونها والتي تغيرت كثيراً على الأبناء ولم يعاصروها للتغير السريع الذي حدث للدولة وبعض هذه الألعاب «التيلة» وهي عبارة عن كريات زجاجية صغيرة ملونة وجميلة استهوت أطفال الحي في زمن مضى خلا من الألعاب الإلكترونية والحدائق الترفيهية، وهي تبرز مهاراتهم في التركيز، وتحفز في داخلهم قيمة التحدي وحب المنافسة، كما تركت أثرها الطيب في نفوسهم حتى بعد سنوات طويلة. كذلك، نظمنا خلال شهر رمضان المبارك مجموعة ألعاب تراثية الطابع، كانت تبدأ بعد صلاة التراويح، ومنها ما يسمى «البيبي فوت» وشاركت فيها مجموعة من الشباب.

اللبس التقليدي

وأكد أحمد المنصوري على تركيزه في المتحف والمطعم الذي يملكه، على إبراز دور المرأة حيث وضع عدداً من أدوات زينتها التقليدية مثل الكحل والعطورات التي كانت تستورد من الهند، إضافة إلى توفيره صوراً لنساء بالزي التقليدي وبالبرقع الإماراتي. وتابع: يزورنا الكثير ليعيشوا التجربة وسط هذه العوالم التراثية.. وهناك مشاهير التواصل الاجتماعي، من عرب وأجانب، الذين يحرصون على أن يشاركوا متابعيهم صوراً وفيديوهات للمكان ويشرحوا لهم عن أهميته، ويدعوهم لتجربة الأكل الإماراتي فيه، وسط أجواء ممتعة.

وأضاف: يسعدني كثيراً، خلال جلسات رواد المكان، أن أرسل إليه صوراً تراثية، حيث أقوم بذلك دوماً، كما أسمعهم أسطوانات قديمة. وجميع هذه القطع عزيزة على قلبي وتحمل بصمة جميلة من زمن الطبيين، فكل قطعة تأخذك إلى قصة فريدة.