مغنية أوبرا وطبيبة حصدت جوائز رفيعة في أوروبا
أسيل مسعود: دبي ترتقي بالذائقة الموسيقية العربية وتحفز تطورها

لطالما كانت الموسيقى قرينة وصنو العلم في حياة ومسيرة، الطبيبة والسبرانو السورية، أسيل مسعود، حيث تبينتهما وعايشتهما، منذ البدايات، نشيدين وأساسين راسخين في عائلتها وأمام ناظريها، يواصلان إهداءها إكسير الجمال والتميز والعطاء، إذ تمكنت من تكوين ملامح شخصيتها، المهنية والإبداعية، على وقع مزيجهما الفريد، في نهاية المطاف.. وراحت تنسج فضاءات وقصص تناغم بديعة، جديدة، بينهما، تقرن فيها بين فضاءات الموسيقى والصفاء والصحة السليمة.
تسرد الطبيبة / الأوبرالية، أسيل، الفائزة أخيراً بجوائز موسيقية دولية بارزة، والمقيمة حالياً في إسبانيا، في حوارها مع «البيان»، تفاصيل قصتها وفلسفتها في العمل والإبدا.
مؤكدة في سياق حديثها أن دولة الإمارات بوجه عام، ودبي بشكل متميز، تؤدي كبير الدور في الارتقاء بالذائقة الفنية العربية، وخصوصاً الموسيقية، مشيرة إلى المكانة الرفيعة لدبي أوبرا التي تطمح إلى أداء مزيج إبداعها الموسيقي المبتكر، الذي يجمع بين الروح العربية والشرقية، والسياق الفني الإسباني، على مسرحها.
- ما سر وقصة أسيل مسعود، الطبيبة والموسيقية، في آن.. أي عوامل وجذور صاغت هذه الخلطة الساحرة؟
لقد نشأت في كنف أسرة، محبة للعلم، وشغوفة بالموسيقى والإبداع عامة. وإليها يعود الفضل في ما وصلت إليه وحققته. والدي هو طبيب ووالدتي محامية وأخواي مهندسا معلوماتية.. وفي قلب تلك العوالم في أسرتي، كانت وتبقى الموسيقى نسغ الحياة وبسمتها وبوصلتها. من هذا النبع ارتويت فشكلت شخصيتي العلمية المتغذية من روح الموسيقى.
- كيف بدأت محطات شغفك بالموسيقى وأيضاً بالطب..؟
بدأت بالغناء لأول مرة على المسرح وأنا بعمر الـ 5 سنوات. ومن ثم حرص والدي، الدكتور جمال، ووالدتي، المحامية ابتسام، على تدريبي لإتقان العزف على آلة الصولفيج.
وكذا العزف على البيانو بإشراف معلمتي غادة الصباغ. وفي عمر الـ 16 سنة اخترت التركيز على الغناء، فشاركت في العديد من المهرجانات والمسابقات في المرحلة الدراسية الثانوية ثم الجامعية ومثلت جامعة القلمون في سوريا، التي كنت أدرس فيها، في ملتقى الجامعات العربية في مصر عام 2008.
وفي 2009 التقيت بأول مغنية أوبرا في سوريا، أراكس تشيكيجيان التي فتحت أمامي أبواب عالم الأوبرا واهتمت بتدريبي وتأهيلي بالمجال على أكمل وجه، طول 4 سنوات.
وهو ما طور من إمكانياتي الصوتية وسهل دخولي للمعهد العالي للموسيقى في برشلونة عام 2015، حيث أتممت الآن، في العام 2023، دراساتي في الحقل بعد 8 سنوات من الغناء الكلاسيكي بوصفي سوبرانو (أعلى طبقات الصوت البشري)، تلقيت فيها العلم والتدريب على أيدي أهم اختصاصيي الصوت في إسبانيا، ومنهم: كارمن بوستامانتي أحد أهم خبراء الصوت في أوروبا.
وطبعاً، منذ البداية، حرصت على أن يكون اهتمامي بالموسيقى متوازياً مع دراستي لكلية الطب البشري (في جامعة القلمون) التي احتضنت موهبتي أيضاً. وكان والدي المعلم والداعم الأول لدراستي مهنة الطب. وقد قمت بتعديل شهادة الطب في إسبانيا وانتسبت لنقابة الأطباء، وأقوم الآن بممارسة مهنتي كطبيبة في برشلونة.
وبتشجيع من معلمي القدير د. سامر آغا صاحب البصمة في مسيرة العديد من الأطباء السوريين، اخترت اختصاصاً نوعياً وفريداً وهو العلاج بالموسيقى، فنلت درجة الماجستير بامتياز في الاختصاص من جامعة برشلونة عام 2020.
وحالياً أعمل في اختصاصي وأقمت مشاريع عدة للرعاية بالصحة النفسية والاجتماعية والعاطفية، وإعادة التأهيل العصبي العضلي في مستشفى برشلونة.
وفخورة بكوني الآن من مدرسي الاختصاص في جامعة وايل كورنيل للطب البشري مع فريق من الاختصاصيين القلائل في الشرق الأوسط.
«موطني»
- ماذا عن فرقتك وزوجك.. ما الذي يميزها.. وما هدفكما منها؟
إن اسم فرقتنا الموسيقية التي أسستها رفقة زوجي أحمد، «آثروديل»، وقد اخترناه من اللغة السريانية (اللغة السورية الأم ) ومعناه: «موطني». وهدفها تغيير صوت وصورة الحرب بصوت الموسيقى، ورسالتها هي الفن الراقي والتبادل الثقافي بمزيج الفلامنغو وبلمسة سورية، وبوحي وأدوات موسيقى الشعوب كافة. كما نقوم بتقديم برامج موسيقية بلغات عدة ومزيج موسيقي بروح عربية.
ونفذنا جملة مشاريع ضخمة، كمشروع «الحب في سوريا» حيث عمل أحمد على جمع أوركسترا من عازفين سوريين وعازفين من إسبانيا وقدمنا حفلات للتعريف بالموسيقى السورية في إسبانيا وفرنسا.
وفي عام 2019، شكل أحمد فريقاً من محترفي الفلامنغو من إسبانيا ونظم حفلاً على مسرح دار الأوبرا في دمشق، وقدمنا مشروع «سلام من الأندلس» مع الجمهور السوري الذواق للفن والثقافات العالمية. إضافة إلى: مشروع «أروما» 2022، ونعمل حالياً على مشروع كبير لتقديم الموسيقى مع أوركسترات كبيرة عدة في أوروبا.
وقد تم اختيار آثروديل ضمن كتالوج فنانين كتالونيا، وتم ترشيحنا من المعهد العالي للموسيقى في برشلونة للمشاركة في العديد من الاحتفالات الرسمية المحلية والعالمية في البرلمان وقصر المؤتمرات ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها.
- ما أهم المشاركات والمسابقات التي خضتها.. وهل بلغت ما خططت له على الصعيد كمغنية أوبرا؟
سعيدة وفخورة بما نلته وما زالت طموحاتي كبيرة جداً. حصلت على جائزة كورسيكا ليريكا من فرنسا، ضمن مسابقة أوبرا عالمية. ونلت جائزة أفضل صوت بتصويت الجمهور في سانت كوغات برشلونة.
كما أنني حاصلة على دور البطولة في أوبرا آنا بولينا في مهرجان أنغولار في شمال كتالونيا. وتم اختياري لحفل صولو من مسابقة الأوبرا العالمية في ستيجس في جنوب كتالونيا. وحصدت المركز الأول وجائزة التميز من قسم الغناء الكلاسيكي في المعهد العالي للموسيقى في برشلونة والمركز الثاني عن كل فئات المعهد في الحفل النهائي للمتميزين.
وأنا أعمل حالياً على ألبوم أوبرالي احترافي يقوم بتأليفه لي المؤلف الإسباني كالارس ماريغو، وسيكون مكوناً من قصائد عربية وإسبانية.
وأود أن ألفت إلى أنه في حفل تخرجي عقب دراساتي الموسيقى بإسبانيا، حيث حصلت على أعلى علامة في دفعتي، قمت بتقديم قصيدة إسبانية للشاعرة إيليا كينيونس، وقصيدة ثانية بعنوان «رؤى الأحلى» للشاعر زاهر أبو حلا، تتحدث عن دمشق وجمالها وتفاصيلها، وعن بردى والغوطة وقاسيون، عن الياسمين وأصوات الحب. كان الجمهور الإسباني شغوفاً بها، مصغياً بشدة لأول عمل كلاسيكي جديد لقصيدة عربية بغناء أوبرالي.
-الموسيقى.. هل تؤمنين أنها حقاً جديرة بأن تكون علاجاً وشفاءً ودواءً؟ هل تقاربين ذلك في إبداعك؟ وأي سبب دفعك لتدرسي تخصص العلاج بالموسيقى؟
استخدام الموسيقى كوسيلة علاجية كان منذ بدء التاريخ، لكن البحث العلمي والسريري في الاختصاص لا يتجاوز عمره الـ 70 عاماً. وبالتالي هو مجال حديث الولادة علمياً مقارنة بباقي اختصاصات القطاع الصحي. التواجد الفعلي الفاعل لمراكز الاختصاص بالمجال حالياً، هو في: كندا، الولايات المتحدة الأمريكية وكل أنحاء أوروبا تقريباً وبعض الدول اللاتينية.
وشخصياً، أسعى لدخول هذا العلم بشكل أكاديمي صحيح إلى العالم العربي، وفخورة بكوني جزءاً من فريق من اختصاصيي علم الأعصاب والعلاج بالموسيقى في جامعة وايل كورنيل في قطر، مع الدكتورة غزلان بندريس وزميلتي في الاختصاص رلى برغوثي، حيث ننظم دورات «كورسات» سنوية مكثفة لرفع مستوى الوعي الاجتماعي حول ماهية الاختصاص.
إن هذا العلم يمثل الاستخدام السريري الاحترافي والأخلاقي للعناصر الموسيقية من أجل هدف علاجي فيما يخص تطوير مهارات ذوي الهمم أو إعادة تأهيل مرضى الحوادث الوعائية الدماغية أو الدعم النفسي لحالات القلق والاكتئاب، وغيرها العديد من الحالات الطبية والاجتماعية والنفسية.
وطبعاً، أود الإشارة إلى أن عملي في هذا الاختصاص يختلف تماماً عن عملي كمغنية أوبرا ولا علاقة للأداء الفني الغنائي بجلسات العلاج.
- إلى أين تريدين الوصول.. وما الذي يجعلك تصرين على مواصلة إبداعك في أوروبا...؟ لمَ اخترت هذه الساحة ولم تكتفِ بفضاءات العالم العربي، سوريا مثلاً. أي أسباب لذلك؟
لا سقف لأحلامي ولا حدود لطموحي، ومحظوظة لكوني من أسرة تؤمن بهذا المبدأ وزوجة لشريك حلم يحترم طموحي جداً.
وهذا الطموح لم يكن فقط في أوروبا وإنما بدأ من سوريا واستمر في أوروبا.
السفر مدرسة مهمة لاكتساب مهارات جديدة وعلم واسع واطلاع هائل على ثقافات مختلفة وتعلم لغات مختلفة. وفي ضوئه وتأثيره كان اختياري اختصاصاً متفرداً غير موجود في العالم العربي (العلاج بالموسيقى) وأحرص على إدخاله بشكل صحيح إلى بلادنا.
إن اغترابي قد فتح لي أبواب المعرفة الموسيقية الكلاسيكية من أهلها، وقمت بالعديد من ورشات العمل مع أهم مغنيي الأوبرا في العالم مما أدى إلى رفع سوية مخزوني الثقافي الصوتي.
وأتحدث حالياً 4 لغات بطلاقة وأغني بـ 10 لغات. وكل صيف أعود لبلدي مع الكثير من الحكايات والمعرفة، وأقضي شهراً مع عائلتي لتجديد روحي من حنان الأسرة ودعمها.
ودائماً وأبداً، أنا فخورة كوني أحمل هويتي السورية أينما ذهبت.
- هل تشكلين وزوجك ثنائياً موسيقياً.. أم أنكما موسيقيان في عالمين متقاربين.. ولكل خطه ونهجه؟
أحمد رجل طموح وناجح بكل المقاييس، خريج كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال والعلاقات العامة من الجامعة الأوروبية في برشلونة، وهو خريج المعهد العالي للموسيقى في برشلونة بدرجة ماجستير في عزف الغيتار الفلامنغو، إضافة إلى أنه رياضي محترف في كرة السلة، ولديه خبرة لسنوات عدة في تنظيم الفعاليات: الثقافية، الفنية، الرياضية والتعليمية.
وهو ليس شريك حياة وزوج فقط، بل شريك الحلم والطموح وصديقي المقرب ولدينا شغف واحد وأهداف مشتركة. كل منا لديه مهنة ومساحة إبداع ونحترم جداً نجاح بعضنا كل في مجاله، وبالوقت نفسه لدينا مشرع آثروديل بهدف مشترك وهو فن راقٍ وسعي ثقافي لتمثيل صورة ونموذج جميل عن هويتنا وعن ما اكتسبناه من معارف وفنون.
- هل بمقدور الموسيقى أن تكون جسر تواصل وتقارب بين الشعوب.. وهل تحرصين على ترجمة ذاك في نشاطك؟
الموسيقى جسر مهم وأساسي وأولوي في التواصل والتقارب، لغة مشتركة رغم كل الاختلافات ووسيلة حضارية للتعريف عن الذات والتعرف على الثقافات.
في كل حفل نقوم به في مدينة أو دولة جديدة، نحرص على تقديم على الأقل قطعة موسيقية من ثقافة المكان للتعبير عن تقديرنا واحترامنا للجمهور مهما كانت صعوبة اللغة أو النمط الموسيقي، وهذا يخلق وصلاً عاطفياً مباشراً مع الجميع.
- كيف تقيمين طبيعة الدور الذي تلعبه الإمارات، وخصوصاً دبي، في دعم الموسيقيين والمبدعين العرب بوجه عام.. وهل تخططين للغناء يوماً ما في دبي أوبرا.. وما رأيك في ما تحصده من سمعة ونجاحات؟
الإمارات دولة عظيمة بدعم العلم والمواهب وتعزيز الإمكانيات وفتح الأبواب أمام كل الطاقات الشبابية، الفنية وغيرها.
أي موسيقي سيكون فخوراً بمشاركة فنه في مكان يحتضن الثقافة بكل حب كما تفعل الإمارات.
سأكون بقمة السعادة إذا أتيحت لي الفرصة لأداء عرض موسيقي عالي المستوى في أوبرا دبي وحبذا لو كان عرضاً لآثروديل وفريق الفلامنغو بلمسات شرقية، أنا متأكدة من أن الجمهور في دبي ودولة الإمارات رفيع المستوى وسيستقبل هذا الفن بكل إعجاب. كما أتمنى أن أقدم عرضاً أوبرالياً لأحد أعمال بوتشيني أو دونيزيتي على هذا المسرح الرائع.
أتمنى لدولة الإمارات كل النجاح والازدهار في مسيرة التطور العالمي والانتماء للمستقبل كما عودتنا وكما تبهرنا دائماً.