شريف صالح لـ"البيان " : على الكاتب أن ينحاز لمعاني التسامح وقيم التعايش الإنساني

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكَّد القاص والكاتب المصري الدكتور شريف صالح، أن على الكاتب أن ينحاز لمعاني التسامح وقيم التعايش الإنساني واحترام القوانين والعدالة والحرية مشيراً إلى أنه يحترم نبرة السخرية في الأدب، موضحاً أن الأدب العظيم لا يخلو من تلك الومضة المازحة، لافتاً أنه يحب كل ما يحتفي بالجمال والخير والحق. وشريف صالح كاتب صحفي، وأستاذ جامعي للغة العربية، وصدر له سبعة عشر كتاباً بين القصة والرواية والمسرح والنقد والأدب، وشارك في العديد من البرامج الثقافية، ونال عدة جوائز منها: «ساويرس»، و«دبي الثقافية»، و«الشارقة للإبداع». أهم أعماله القصصية: «بيضة على الشاطئ» 2013م، و«شق الثعبان» 2014م، و«دفتر النائم 2015م» و«مدن تأكل نفسها» 2019م، وغيرها. وكان لـ«البيان» معه الحوار التالي:


بعد سبع مجاميع قصصية، ما الذي يلهمك في كتابة قصة قصيرة؟
رائحة وذكرى بعيدة وحلم وصورة مجهولة وجملة سمعتها من وراء جدار وموقف مؤلم. عشت ذات يوم عاصفة انتهت إلى نص، ورأيت سيدة أنيقة تلج إلى كنيسة فحولتها إلى نص، وخصصت لأحلامي كتاب «دفتر النائم». لكنني إجمالًا لا أكتب قصتي بسهولة، مهما بدت سهلة. وأعتبر أن سبع مجاميع في ثلاثين سنة أكثر مما يجب. لأن القصة ليست حدوتة، بل هي اختلاق لغة وبناء ومأزق وجودي وسخرية ومواقف عابرة، بكثافة مدهشة لا تحتمل الرتابة و«الكليشهات».

تتميز كتابتك بروح الدعابة، وسخريتك عميقة وليست عابرة، فكيف بدأت؟
الدعابة الخفيفة تتعلق بإلقاء طرفة أما السخرية فقد تكون حادة وقاتمة. ثمة ميراث عائلي من والدي. وربما طبيعة عامة فينا كمصريين. فنحن شعب يواجه الحياة بالنكتة. أحترم نبرة السخرية في الأدب. ولا أظن أن أدباً عظيماً يخلو من تلك الومضة المازحة.

مرارة النكتة، في أيامنا هذه قَلَّ من يجيدها في السرد، هل تعتقد لصعوبتها، أم لأنها تحتاج ثقافة تغوص في الواقع؟
النكتة «مفارقة مرحة»، قد تولد من سوء تفاهم بسبب اللغة، أو تناقض المقال مع المقام، أو شخص غير مناسب في مكان لا يخصه. إنها مثل ارتداء جوربين مختلفي اللون، أو ذهاب شاب بالخطأ إلى زفة عروس ليست هي التي عقد عليها. إن «المفارقة المرحة» في صميم وجودنا. لكن لا يملك جميع المبدعين القدرة على استشفافها، فالمسألة لها علاقة بكيفية رؤية الكاتب للوجود، وطرق تعبيره عنه. هناك كتاب يجلسون إلى طاولة الكتابة بالبدلة، ويفتشون عن لغة معيارية في منتهى الفخامة بالنسبة لي أنظر إلى الوجود بخفة وتستهويني مفارقاته المرحة وأجلس أمام الصفحة كي ألعب بالكلمات والصور.

ما الذي يقلقك سواء على مستوى عملك الإبداعي، أو الواقع المعيشي؟
أكثر ما يقلقني «غياب الروقان» أو «قلة المزاج». زملاء يكتبون كل عام روايات ضخمة سميكة الجلد خالية من المزاج. ليس لدي تعريف محدد للمزاج، لكنه ينقصنا كمبدعين.. مثلما ينقص الناس في الواقع. تعود جذوري إلى بيئة ريفية بسيطة استمتعت فيها بتأمل جريان النهر ولعب الأسماك والقطط والكلاب وأشجار التوت.. أحببت الهدوء والخضر ة وبطء الإيقاع.. كان هناك وقت طويل جدًا كي لا نفعل أي شيء. الآن لم يعد هناك أي وقت لتذوق أي شيء. نلاحق الوهم في عوالم افتراضية.. ونتبارى في كتابات مصممة جيداً لكنها مفتقرة إلى روح المزاج. ثمة سرعة واحتشاد وعنف وغضب وتوتر واكتئاب وشعور بعدم التقدير.. بينما المزاج يعني الرضا والمرح والقناعة بكلمتنا وخطوتنا في الدنيا.

من الصحافة والكتابة في الإعلام إلى تأليفك الإبداعي، فكيف تفصل أعمالك في كل تلك المسارات؟
الصحافة عمل أحترفه منذ أكثر من ربع قرن، وأعتمد عليه في دفع فواتير حياتي وهو مؤطر بمواعيد والتزامات. أما التأليف الإبداعي فهو هواية أتسلى به كي تمر حياتي لطيفة ومحتملة. ربما أكتب قصة أو رواية أو مسرحية. المهم أن يظل النص محرضاً ليّ لاستكماله، مهما استغرق من «بروفات». حدث إن صمت عن الكتابة لسبع سنوات، وفي آخر خمس سنوات لم أنشر سوى كتابين. وكثيراً ما أجد نفسي تحت ضغط الوقت والالتزامات بين عملي وهوايتي، فلابد من جدول زمني أسبوعي للإنجاز، وإطار عام لما أرغب في إنجازه كل عام.

ما الخطابات السائدة التي تعني مفاهيمك، بمعانيها المختلفة؟
أي كاتب يفترض أن ينحاز لمعاني التسامح وقيم التعايش الإنساني، واحترام القوانين، والعدالة، والحرية، والكرامة الإنسانية، ويكون ضد العنف والعنصرية وتلوث البيئة والجهل. بطريقة أو أخرى تعكس كتبي تلك المفاهيم. لكن المعنى الذي يسكنني أكثر من غيره، هو الحب. أؤمن بطاقة الحب المبثوثة في الكون. زرع شجرة طاقة حب.. الكلمة الطيبة تعبير حب.. التسامح والغفران هو حب.. فإما أن يضبط المرء قلبه في مدار الحب الكوني أو سيجد نفسه متورطاً في مستنقع كراهية. فأتمنى أن أكتب بحب وأعيش بحب.

شخصية الكاتب فردية وإنسانية في آن، فهل تكتب لكل قراء العالم؟ أم أنك تحدد كتاباتك لجهة معينة؟
لا أكتب وعيني على قارئ معين. لا أضع في حسباني أحداً. أكتب تجربة تمسني ومن بيئتي، فالكاتب أولاً وأخيراً هو ابن تجربته الذاتية. لكن الكتابة نفسها تطوف عبر العالم بهذا التعالق بين ذاتية التجربة وانفتاحها على المشترك الإنساني. فالبشرية كلها تتشارك الأحلام والآلام ذاتها، وإن بدرجات مختلفة.

يزداد عدد الكُتّاب في العالم، كما يزداد عدد القراء... ماذا تقول عن هذا النمو؟
لا أشعر بالراحة. الوفرة من كل شيء تبتذله، وتفقده قيمه المعيارية. لو كثر اللؤلؤ سيصبح بلاستيك.. أخاف شخصياً من كثرة كتبي، وكلما دنوت من الكتاب رقم 20 أشعر بالانزعاج، لنشر كل هذا. لا أعرف كيف أتوقف. وأظن أن أكثر الكتاب إخلاصاً قد يكتفون بكتاب واحد. لكننا كتاباً وقراء في هوس استهلاكي. زادت دور النشر، وأعداد الكتب، مع ذلك أنظر بريبة لرفاق «السوشيال ميديا» حين يضعون كل شهر «رصة أغلفة» فخمة عما قرأوه. وأقول في سري هذا الزميل حتماً سيصبح مع نهاية العام «جان بول سارتر»!

بين المسرح والمكتبة أيهما يجذب شريف صالح للدخول إليهما؟ وماذا عن الشعر في حياتك؟
أحب كل مكان يحتفي بالجمال والخير والحق. أذهب إلى المسرح ما تيسر لي وقت، خصوصاً أنني حصلت على الدكتوراه في نقده. ولدي مكتبتي التي تلازم راحة يدي. أما عن الشعر الصافي فهو مثل الموسيقى نادر. أحبه إذا عثرتُ عليه. لكن للأسف لدينا شعراء كثيرون لكن الشعر نفسه قليل.

ما الكتب التي أثرت على شريف صالح ليصبح مؤلفاً؟
الكتب الأكثر تأثيراً عليّ فهي التي طالعتها صبياً وربطتني بالقراءة. حدث هذا مع نصوص نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعبد الحكيم قاسم وتشيخوف ودوستويفسكي وكازانتزاكيس وجون فاولز والمنفلوطي وألف ليلة وليلة ومعلقة طرفة بن العبد وطرائف الجاحظ.

Email