الروائية عائشة إبراهيم لـ« البيان »:

الكاتب يسهم في تشكيل الوعي الجمالي وبناء الذوق

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

سيرة الكاتبة والأكاديمية الليبية عائشة إبراهيم أشبه بسفر بين التأمل والبحث الجاد، والخيال الإبداعي، لتتخذ من الكتابة ذاكرة، منذ مؤلفاتها المسرحية والقصصية، ورواياتها «قصيل».

و«حرب الغزالة»، و«صندوق الرمل»، إلى إدراج أدبها ضمن المقرر الدراسي الجامعي في ليبيا، خصوصاً أن أعمالها ونصوصها حظيت بدراسات أكاديمية عديدة للطلاب من رسالة الماجستير إلى رسالة الدكتوراه، ومع إسهاماتها المتنوعة في الندوات العربية ونيلها الأوسمة كان لـ«البيان» معها الحوار التالي، للتعرف على ذاكرتها المحكومة بالدهشة والإبداع، والذي أكدت فيه أن الكاتب يسهم في تشكيل الوعي الجمالي وبناء الذوق.

حدثينا عن روايتك «صندوق الرمل» التي تأهلت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2023.

في البداية علينا أن نعترف بأن مدونة السرد متخمة بالأعمال، التي تتناول حقبة الاستعمار الأوروبي على الشعوب الأخرى، ليبيا أيضاً أخذت نصيباً وافراً من السرديات، التي تنقل قصص مقاومة المستعمر الإيطالي، وفي أغلبها تعمل على فكرة حشو وعي المتلقي بقصص انتقائية، لكننا في عصر مختلف تماماً، القارئ ذكي وفكرة تقديم القوالب الجاهزة لم تعد مجدية، علينا أن نقدم الحقائق .

كما حدثت فعلاً، ومن الجانبين، وعلينا أن نفتح الملفات المسكوت عنها، الملفات التي لم تطرق من قبل، في رواية «صندوق الرمل» ذهبت كاميرا السارد.

وعلى غير المعتاد، لتتمركز في الجانب الإيطالي، وتصور من هناك ما يحدث من صراعات سياسية واجتماعية وخلفيات ثقافية، وبالتالي تحول السرد النمطي، الذي كان يتحدث عن الجانب الليبي أو الضحية إلى سرد مختلف يحكي عن الجلاد، كما أنها فتحت ملف قضايا إنسانية موجعة.

اتخذت لروايتي شخصية محورية هي جندي إيطالي، ساندرو، الذي تخرج حديثاً في معهد الصحافة ثم استدعته قيادة الجيش للتجنيد الإلزامي، فيجد نفسه على ظهر سفينة حربية متوجهاً إلى طرابلس، وهناك يواجه الصدمة الأولى للحرب وبشاعة الموت، ثم يشارك في جريمة قتل عدد من النساء، ونفي أخريات إلى المنافي الإيطالية، من بينهن فتاة اسمها حليمة، ترصد الرواية محنة هؤلاء النساء المنفيات.

نسيج وأحداث

ماذا عن «حرب الغزالة» التي تأهلت أيضاً للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية

عام 2020؟

قبل الحديث عن هذه الرواية وجب التنويه إلى أنه لدينا في جنوب غرب ليبيا سلسلة صخرية مليئة بالكهوف تسمى جبال الأكاكوس، من عجائب هذه المنطقة أنها مليئة بالنقوش واللوحات الصخرية، التي يمتد عمرها إلى ما يزيد على عشرة آلاف عام، وتصور طبيعة الحياة في ذلك العصر وتبدو حياة مدنية متطورة، فالنساء يرتدين ملابس أنيقة، وهنالك لوحات أخرى تصور حفلات رقص وتعبد وموسيقى.

جاءت قصة رواية «حرب الغزالة» ترجمة لتلك الصور، فهي ليست قصة خيالية بالمطلق إذا ما نظرنا إليها من زاوية اللوحات المرسومة، ولكنها من زاوية أخرى قصة جميع أحداثها وشخصياتها من نسج الخيال.

ما يميز «حرب الغزالة» أنها تسرد أقدم وقائع بشرية خاض فيها السرد العربي، كما أنها رواية تأسيسية تؤسس لفكرة تنظيم المجتمع البشري ونشأة الفن، واختراع لغة التواصل والتعبير التصويري، وتتحدث عن حياة سبقت كل الحضارات المعروفة، حياة مليئة بالحيوية والفن والجمال.

بوصفك أكاديمية درست العلوم، وتكتب الأدب، كيف هي علاقتك بالعوالم «الجوانية» لكِ كمبدعة، وأنتِ تمارسين الأعمال الإدارية والعلمية؟

لم أشعر في أي يوم من الأيام بأن هنالك فاصلاً بين اهتماماتي العلمية والأدبية، أذكر في سنوات دراستي أنني كنت أحوز المراتب الدراسية الأولى، وفي الوقت ذاته أميل نحو الأنشطة الثقافية، اخترت الدراسة العلمية، وعملت في تدريس الرياضيات لسنوات طويلة، لكن في تصوري أن دراسة الرياضيات هذبت الكثير من قواعد الكتابة لديّ، وليس ادعاء إن قلت:

إن الأنماط الإبداعية تسير وفق تسلسل منطقي، يستند إلى لغة الرياضيات، هنالك ميزان حساس مخزن في اللاوعي يضبط مسار النص الأدبي بلغة رياضية، الأمر لا يختلف عن التأليف الموسيقي أو التقطيع العروضي للشعر، وإن كان هذا الميزان لا يظهر في النص الروائي بحدة.

كما هو الحال في الموسيقى والشعر، هو ميزان خفي يستشعر أي كلمة أو تركيبة لغوية ناشزة، فيطردها من النص، لذلك ترى النص الجيد يسير كما لو كان في تدفق هارموني له بُنية واحدة، تتموج في السياق لكنها لا تنكسر.

1990

لماذا توقفت عائشة عن الكتابة لسنوات طويلة قبل العودة إلى الروايات الثلاث على الرغم من التكريمات والجوائز في ليبيا؟

بدأت علاقتي بالكتابة من خلال الأنشطة المدرسية من إذاعة وصحف ومجلات، ثم اكتشفت غرامي بالمسرح المدرسي، ونجحت في تشكيل فرق مسرحية في بلدتي الريفية «بني وليد» أثناء الدراسة الإعدادية والثانوية، ثم كانت لي مشاركة مهمة في أعلى جائزة وطنية للكتابة المسرحية في ليبيا آنذاك، خلال العام 1990، وحصدت مسرحيتي المعنونة بـ«قرية الزمرد» الجائزة الأولى على مستوى الدولة الليبية، الأمر ترتب عليه تسليط الأضواء حولي، من خلال الإعلام والتلفزيون والضجة الاجتماعية، التي ترافق الظهور الإعلامي.

وهذا أمر غير مرحب به بالنسبة لفتاة تعيش في منطقة ريفية وتقاليد مجتمع محافظ، بذلك كانت تعليمات أسرية صارمة بالتوقف عن أي نشاط إبداعي، من شأنه يثير شهرة مهما كانت محمودة، وبالفعل امتثلت للتعليمات، وابتعدت عن الكتابة والنشر.

مضت خمس وعشرون سنة تقريباً، وحدثت تحولات كثيرة على الصعيد الثقافي والاجتماعي، وانتقلت مع أسرتي للإقامة في العاصمة، أصبح بإمكاني أن أطل، باستحياء، على عوالم الكتابة والإبداع.

كانت إطلالة متأخرة، لكنني أحسبها ناضجة بما يكفي لكتابة أول عمل روائي لي. رواية «قصيل»، التي صدرت في العام 2016 بالجزائر، بعدها أصبح الطريق ممهداً لإصدار بقية أعمالي، رواية «حرب الغزالة» ومجموعة «العالم ينتهي في طرابلس» ومؤخراً رواية «صندوق الرمل».

هدف

تقول الكاتبة الليبية عائشة إبراهيم:

الكتابة رسالة قبل أن تكون أي شيء آخر، وأنا بالتأكيد لا أستقطع تلك الأوقات والجهد بلا معنى، لكنني أيضاً لا أدّعي أن من واجب الكاتب أن يكون مصلحاً وناصحاً، وأن يوجه الجموع نحو هدف ما، بل يكفي الكاتب أن يسهم في تشكيل الوعي الجمالي.

وبناء الذوق، الذي يجعل تفاعلنا مع الحياة أكثر متعة وبهجة، لا أنكر أن نصوصي مكرسة لرسائل متعددة، لكني أيضاً أحرص على ألا تظهر تلك الرسائل بشكل فج، دائماً هنالك مستويات لتلقي الرسائل، ويظل الحد الأدنى ممثلاً في ترسيخ المعاني الإنسانية، وقيم السلام وقبول الاختلاف ورفض العنف والكراهية والحروب.

Email