وجدان أبو محمود: الإمارات تحمل شعلة الفكر والثقافة والتنوير

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكدت الأديبة السورية، وجدان أبو محمود، أن مبادرات ورؤى دولة الإمارات تبرز بوصفها ملتقى وواحة فكر وثقافة وانفتاح وإبداع عالمنا الذي تتسيده الظلمات، إذ إنها تتصدر، كما تصفها، كحالةِ إشراقٍ عربيّةٍ، ناهضة. وتشير وجدان   في حديثها إلى مبادرات الدولة الحثيثة وجهودها النوعية، لدفع المشهد الثقافيّ العربيّ، في مجالاتٍ عدّةٍ، من خلال المعارض والمهرجانات والجوائز وفعاليات حفظ التراث والتشجيع على القراءة، واستقطاب المبدعين والمفكّرين والمثقّفين العرب، وتقديرهم، ونحن كسوريين نوجه لها الشّكر العميق.

«البيان» التقت الأديبة السورية، وجدان أبو محمود، ودار الحوار التالي:

 

- تشكل القصة في مسيرتك الأدبية عنواناً لافتاً وبارزاً.. ما سبب ميلك الأكبر لهذا الصنف الأدبي.. ماذا عن سماته وجمالياته؟

 

القصُّ ليس صنعةً حديثةً، فالحكايات أمّ الأساطير، والتّاريخ، والميثولوجيا، والتاريخ، وما من شكٍّ في أنَّ الإنسان الأوّل كان سارداً ماهراً لخواطره، وبشتّى الطّرق، وذلك قبل أن تتبلور اللّغة، على فمه، بشكلها المألوف، فالتّعبير عن الهواجس الذّاتيّة، حاجةٌ بشريّةٌ عليا، وتشهد على ذلك، الرّسوم البدائيّة على جدران الكهوف، والتي تروي بالضّرورة حدثاً ما، الفنون والآداب، عامّةً، ملاذنا لنهدأ، ونتوازن، ونؤمن بجدوانا، إنّها شكلٌ من أشكال منح المعنى، لبُهمة الوجود الخاطف، ووثيقة وجودٍ، لكلّ ما قد يبدو مجنوناً، وغير قابلٍ للتّصديق، أو التجلّي، أو التّصنيف، وقد خضت في أجناسٍ أدبيّةٍ عدّةٍ، غير أنّ القصّة ظلّت الجنيّة، العلوقة بالرّوح، وبالأصابع، وبشكلٍ ما فقد كانت القصص هُويّتي قبل أن أتعلّم الكتابة، ففي طفولتي الأولى، كان رسمُ المشاهد المتلاحقة، هو حيلتي لصياغة مرويّة، ناطقة، ومن المؤكّد أنّ لطقس القراءة الأسريّ، آنذاك، بالغ الأثر في نحت طريقي، فالكاتبُ هو قارئٌ جيّدٌ بالضّرورة، وفي مكنتي الجزم بأنَّ وجود الإنسان في خيالاته وأفكاره، إنّما يفوق وجوده الماديّ، الإنسان، في المحصّلة، كائنٌ مؤقّتٌ... من قصص.

 

- تخصصت في الأساس بمجال الهندسة.. ما الذي جعلك ميالة إلى الانغماس أكثر في بحور الأدب؟

 

الهندسة، لديّ، لم تسبق الأدب، وإنّما رافقته، فهو الأصيل، والفطريّ، أحسبُ أنّني وجدتُ لأدوّن هذا الحدث «العالَم»، ولأخرجه، فنيّاً، على طريقتي، المرويّات والمدوّنات إثباتٌ ماديٌّ على أنَّ ذاك الذي عشناه، لم يكن وهماً، إنّها حيلتنا لمقاومة الفناء والعجز، ولزحزحة أحجار المسلّمات واليقينيّات، لهذا فقد كان أوّل ما فعلته، بعد التحاقي بالجامعة، في دمشق، هو زيارة صحيفة الثورة، لتبدأ رحلة الكتابة في ملحقها الثّقافي، بمقالةٍ حملت عنوان «كان حلماً صغيراً»، والتي كانت مقدّمةً لسيلٍ من القصص التّالية.. جمعت قصصي المنشورة في كتابٍ، حمل عنوان «كسّارة السّكون»، وأنا لم أبلغ العشرين بعد، وفي السّنة الجامعيّة الخامسة قدّمت مجموعتي الثّانيّة إلى وزارة الثّقافة، حيث قُبلت، وطبعت تحت عنوان «شغب بازلتي»، أذكر حينذاك أنّني رفضت عرضاً بتحويل روايةٍ، كتبتها مبكّراً، إلى عملٍ دراميٍّ، كنت على ثقةٍ، بأنّها غير ناضجةٍ كفايةً، وأنَّ من يبدأ صغيراً، لا يمكن أن يكبر، ولكم أشكر نفسي على جرأةِ تمزيقها، وسواها، لقد كنتُ مجتهدةً دراسيّاً، تخصّصتُ في البيئة والحراج، ومن ثمّ في الاستشعار عن بُعد، وتحليل الصّور الفضائيّة، وأنجزت العديد من الأبحاث والدراسات العلميّة، غير أنَّ كلّ ما في حياتي كان، بشكلٍ ما، وقيداً هائلاً لنار الكتابة.

 

 التقاطات

هل لا تزال القصة حاضرة بقوة في المشهد الإبداعي السوري والعربي عامة.. ما سبب تراجعها وتصدر الرواية برأيك؟

القصّة على قلّة صنّاعها المهرة لم تخبُ يوماً، إذ إنّ روّاد التّفوّق الإنساني، هم النّدرة في مختلف الأزمان والعصور، ثمّ إنّ القصّة، بذاتها، عالمٌ رحيبٌ، خاصٌ، متكاملٌ، وليست درجةً في سلّم الصّعود نحو الرّواية، كما يخالُ بعضهم، القصّة فنّ الدّهشة الصّعبة، والخلاصات، والتّكثيف، والالتقاطات الذكيّة، إنّها فنُّ صيد اللّحظة الفلسفيّة، التي تلمعُ كالخلاص، وأزعم أنَّ أسباب ازدهار جنس أدبي، في مرحلةٍ ما، وطغيانه على سواه، غير أدبيّةٍ غالباً، وفيما يتعلّق بمستنقع الرّداءة، والتّسطيح الثقافي الذي يحيق بالعالم عامةً، ويغزو شعوب العالم الثّالث خاصّةً، ولاسيّما في ظلّ الحروب والدّمار والانهيارات العالمية الجديدة، فمن الطّبيعي أن تتحرّك أقلام الكَتَبة الطّارئين فيه، باتّجاه الأضواء، والشهرة..في هذا العصر الرّوبوتيّ، الإلكتروني، الاستهلاكي، حيثُ الطّبيعي هو المألوف، والحقيقي هو المعروف، حيثُ الجمال لا يلمس العُمق، والكلمةُ لا تهزُّ الكيان، وحيثُ الجليدُ البشريُّ، الجوانيُّ، العصيُّ على الإذابة، يتوسّع، ويتوحّش، ويلتهم كلّ ما حوله، وإزاء هذا الهلع الوجوديّ من الحقيقيّ والعميق، ما أحوجنا لكتابة جديدة، خلاقة  بخطاباتٍ إنسانيّةٍ، خارجةٍ عن المألوف، وأيّاً كان الشّكل السّردي الذي يحمل هذا الهمّ، سواء رواية أو قصّة أو مسرحية، فإن تسيّده محض انتصارٍ للإنسان، ولحريّته، ولنظرته إلى ذاته النبيلة.

 ولا تفوتني الإشارة في هذا الصدد، إلى أهمية مبادرات الإمارات ومشروعاتها ومسابقاتها، التي تفيد في تحفيز كتاب القصة، وصون ألق هذا الصنف البديع.

 

وزن وتأثير

- عن ماذا تكتبين عادة.. ما الذي يشدك إلى عوالم الإبداع الأدبي..هل أن الأمر رهن مواقف وتأثيرات محددة أم أن الكتابة عن شيء هي بمثابة مشروع مخطط ومتقن ودقيق التحضير لديك؟

 

الكتابة صنعة، وامتزاج الصّنعة بالشّغف العالي، هو ما ينتج صنوف الأدب الرّفيعة، تختلف التّقنية الفنيّة بين القصّة والرّواية، إلّا أنّ لهما قاسماً مشتركاً، نافراً، وهو التخطيط والانضباطيّة، فمعمار الرّواية أشبه بمشروع هندسي ضخم، يتطلّب دراسة التربة والصّرف والأساسات والاشتغال وفق مخطّطاتٍ مسبقةٍ، إضافةً إلى حمولةٍ زاخرةٍ، من المواد الأوّليّة، كمثل أدواتٍ لغويّةٍ وتقنيّةٍ وجماليّةٍ ومعرفيّةٍ، وذلك على الرغم من كون الكاتب، مجنون بالضّرورة، ومنقاد إلى عاطفته، إذ قد يغيّر أو ينسف كلّ ما سبق، في أيّة لحظة.

القصّةُ حالة انفجاريّة، طاقةُ الفكرة فيها مضاعفة، ينتحلُ فيها الحكّاء هيئة الصّائغ، المشتغل في الجواهر، لكلّ كلمةٍ وزن وقيمة وتأثير، وعلى الرّغم من كوني كتبت الجنسين، وما أزال، إلّا أنّني أحسب أنّني ابنة القصّة القصيرة، الثّاقبة، العميقة، والسّريعة كما الطّلقة.

 أمّا عن ماذا أكتب!، فأنا محاربة، والقلم سلاحي الأوحد، يغريني فضح قباحة العالم، وظلمه، وبؤسه، وتغوّل وجودنا الآدميّ، وحزنه الأصيل، ويسحرني في المقابل التّجريب، والتّجذيف في البقاع المستخفية، والحفرُ، عميقاً، في النّفس البشرية، للمس وهجها، ودفئها، وتأمّل تصارع الأضداد الآبدة.

 

جهود ومبادرات

- كيف ترين دعم دولة الإمارات للأدباء العرب وللحراك الثقافي العربي عموماً؟

 

 يحسب لدولة الإمارات تصدّرها، كحالةِ إشراقٍ عربيّةٍ، ناهضة، تستحق الاحترام، وذلك من حيث محاولاتها الحثيثة، لدفع المشهد الثقافيّ العربيّ، في مجالاتٍ عدّةٍ، من خلال المعارض والمهرجانات والجوائز وفعاليات حفظ التراث والتشجيع على القراءة، واستقطاب المبدعين والمفكّرين والمثقّفين العرب، وتقديرهم، ونحن كسوريين ندين لها، حقيقةً، بالشّكر الكثير، ولاسيّما في زمن نكبتنا.

 

 «نادٍ أدبي.. وفنون»

- ما مشروعاتك المستقبلية، على صعيد الإبداع الأدبي ومسؤولياتك في اتحاد الكتاب العرب؟

أدبياً لديّ العديد من المشاريع قيد التنفيذ، تتوازعها القصّة والرّواية والمسرح والدّراسة الأدبيّة، إضافةً إلى أعمالٍ منجزةٍ ومتراكمةٍ، ستظهر للنّور تباعاً.

فيما يتعلّق بعملي، في فرع اتحاد الكتاب، فالأحلام كثيرة، والتّحدّيات كذلك، غير أنّني أفضّل العمل، أينما كنت، بشغف المريد، وبمتعة الحالم، لا بمنطق الموظّف، فمنذ عامين، ونحن نعمل بجدٍّ، لاستقطاب المبدعين الحقيقيين، ولفتح الباب للجميع، وللخروج بفعالياتنا وأنشطتنا إلى الناس في كلّ مكانٍ، ولاسيّما في الرّيف، قمنا بالتعاون مع المجتمع الأهلي، بافتتاح ثماني مكتبات عامة مجانيّة في قرى السويداء، وأطلقنا فيها مسابقات لأفضل قارئ طفل في كلّ قرية، ونأمل أن يكون في مكنتنا تغطية بقيّة القرى النّائية البعيدة، كما أطلقنا جائزةً سوريّةً جديدةً «السويداء للإبداع الأدبي» بالتعاون مع مدرسة الشهاب المنير الافتراضية، وأحسب أنّ قيمتها الماديّة هي الأعلى، مقارنةً مع الجوائز السّورية الحالية، شكّلنا نادي شباب ثقافي، هو جزءٌ من نادي سوري كبير، لدعم الشباب المبدع، وقدمنا لهم ورشات عملٍ مجّانيةٍ في الكتابة المسرحية وكتابة السيناريو التلفزيوني.

كما عقدنا ندوات حواريّة تكريميّة لعدد من الشخصيات الأدبيّة والفكريّة البارزة في محافظة السويداء، انفتحنا على فنون أخرى فاستضفنا المسرحيّات والمعارض الفنيّة والفرق الموسيقيّة، وأقمنا معارض للكتاب في فروع الجامعة، زرنا المدارس رفقة أدباء الطفل، وأطلقنا فكرة المكتبات الصفيّة، وقد تضاعف جمهور فرع الاتحاد على نحوٍ لافتٍ، حتّى أنّه ضاق بروّاده ممّا اضطرّنا لتوسيع قاعته، وافتتاح قاعة تدريبية جديدة، غامرنا بخطواتٍ جديدةٍ كاستضافة أطفال النازحين في مخيّم الثعلة، في لقاءٍ شائقٍ مفتوحٍ، مع رؤساء تحرير مجلات الأطفال السورية، عملنا على الاهتمام بمكتبة المبيع، التي تطرح الكتب بأسعار رمزيّة، وزادت أرقام المبيعات أضعافاً مضاعفةً، وهذا مؤشّرٌ على وعي متقدّم، على الرّغم من معاناة النّاس الاقتصاديّة، ونحن حاليّاً في صدد إطلاق «صالون السويداء الثقافي»، الذي يهدف إلى توحيد الجهود في المشهد الأدبيّ، في محافظة السّويداء، بمعظم جمعياته ونواديه الخاصّة والأهليّة، والتي تعنى بالشّأن الثقافيّ، وتضمّ العديد من المثقّفين والكتّاب والمهتمّين، عن طريق لقاءات دورية أدبيّة كبيرة، يكونون هم أبطالها ومنظّموها.

أحلم بالكثير، وأحاول ترجمة هذه الأحلام بالعمل، وحسبي أنّي أحاول.

Email